الإجراءات القضائية في المشكلات الزوجيةالبحوث القانونية

المبحث الأول: سوء العشرة الإجراءات القضائية في المشكلات الزوجية

المبحث الأول: سوء العشرة

وفيه ثلاثة مطالب :

المطلب الأول: الإجراءات:

1- أن يضبط حضور الزوجة المدعية ويذكر المعرّف بها ، ولا بد من التعريف بالمرأة في كافة مراجعاتها، سواء أكانت مدعية أم مدعي عليها أم شاهدة أم حاضرة أم منهية)، ويكون المعرف من محارمها.

2- حضور الزوج المدعى عليه، وتعريفه بالزوجة، ومصادقته على كون المدعية زوجته.

3- أن تضبط دعوى الزوجة، وصيغتها : ( إن هذا الحاضر زوجي، تزوجني بموجب عقد النكاح ذي الرقم … الصادر من … بتاريخ … ودخل بي في تاريخ … وأنجبت منه … وقد أساء عشرتي، فهو يضربني ويشتمني ، فلم أعد أطيق العيش معه، أطلب فسخ نكاحي منه، أو أطلب إلزامه بحسن العشرة).

يلاحظ الإشارة في الدعوى إلى:

أ- العقد – إن وجد- والدخول وتاريخه .

ب- عدد الأولاد.

ج- المشكلة ، وأسبابها، ثم ختم الدعوى بطلب الفسخ أو حسن العشرة.

4- أن يطلب من المدعى عليه الجواب ، ولابد أن يتضمن الجواب المصادقة على أن المدعية زوجته وعلى العقد والدخول وتاريخه ، والأولاد، فإن أنكر الزوج الزوجية فيبحث القاضي صحة زواجها منه .

5- جواب المدعى عليه لا يخلو من حالين :

أ- أن يكون إقراراً بدعوى الزوجة ، فيعرض القاضي الصلح عليهما ، فإن لم يصطلحا فيجري التحكيم بينهما، ومثله أن تثبت المدعية سوء عشرته بينة ، ويرى بعض القضاة الفسخ مباشرةً عند ثبوت سوء العشرة، وهذا يختلف باختلاف نوعية سوء العشرة وكونه عارضاً أو دائماً.

ب- أن يكون إنكاراً – وهو الغالب- ، فحينئذ يطلب من الزوجة البينة، والغالب أن لا بينة في مثل هذه القضايا ، فلا يطلع على الزوجين أحد، ولا تعرض الأيمان في القضايا الزوجية عند جمهور الفقهاء ؛ لأنها ما لا يدخله البدل ، وللمحكمة أن تساعد المدعية في استجلاب بينتها، كأن تدعي المرأة أن زوجها يشرب المسكر، أو يستخدم المخدرات، فتكتب المحكمة للمستشفى، لتحليل الدم لمعرفة مدى تعاطي الزوج المسكرات أو المخدرات، وكذلك تكتب للأدلة الجنائية ، للسؤال عن صحيفة سوابقه، وكذلك تكتب لإمام المسجد إذا ادعت الزوجة أنه لا يشهد الجماعة، للسؤال عن ذلك. وفي حالة عدم ثبوت بينة على سوء العشرة تبع الخطوات الآتية :

أ- أن يكون إقراراً بدعوى الزوجة ، فيعرض القاضي الصلح عليهما، فإن لم يصطلحا فيجري التحكيم بينهما، ومثله أن تثبت المدعية سوء عشرته ببينة، ويرى بعض القضاة الفسخ مباشرة عند ثبوت سوء العشرة، وهذا يختلف باختلاف نوعية سوء العشرة وكونه عارضاً أو دائماً.

ب- أن يكون إنكاراً – وهو الغالب ، فحينئذ يطلب من الزوجة البينة ، والغالب أن لا بينة في مثل هذه القضايا ، فلا يطلع على الزوجين أحد، ولا تعرض الأيمان في القضايا الزوجية عند جمهور الفقهاء؛ لأنها مما لا يدخله البدل . وللمحكمة أن تساعد المدعية في استجلاب بينتها، كأن تدعي المرأة أن زوجها يشرب المسكر، أو يستخدم المخدرات، فتكتب المحكمة للمستشفى ، لتحليل الدم لمعرفة مدى تعاطي الزوج المسكرات أو المخدرات، وكذلك تكتب للأدلة الجنائية ، للسؤال عن صحيفة سوابقه، وكذلك تكتب لإمام المسجد إذا ادعت الزوجة أنه لا يشهد الجماعة، للسؤال عن ذلك . وفي حالة عدم ثبوت بينة على سوء العشرة ثتبع الخطوات الآتية:

١- ترغيب الزوجة بالانقياد والعودة إلى بيت الزوجية والدخول في طاعة الزوج، وبيان حقوق الزوج، وحرمة النشوز وآثاره، وآثار الفرقة عليها وعلى أبنائها، فإن رفضت وأصرت على رأيها .

۲- فإن الزوج يُنصح بالفرقة، لعل الله يعوضه خيراً، ويذكّر بقوله تعالى : (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا)(۱)، ويبين له الآثار المترتبة على كون المرأة معلقة، فإن رفض وأصر على رأيه.

٣- فإنه يعرض الصلح عليهما بأحد الأمور الآتية :

أ- عودة الحياة الزوجية بعوض .

ب- عودة الحياة الزوجية بلا عوض وبشرط المعاشرة بالمعروف، و قيام كل واحد من الزوجين بحقوق الأخر .

ج- الفرقة بعوض.

د- الفرقة بلا عوض .

وأي شيء يتم الصلح عليه لا يحل حراماً أو يحرم حلالاً فهو جائز، حتى وإن لم يكن مالياً، مثل شرط ألا تدخل الزوجة أحد أقاربها لبيت الزوج، أو أن يحسن معاشرتها، فإن رفضا الصلح .

4- فإنه يعرض عليهما أن يختار كل واحد من الزوجين حكماً من أهله، عملاً بقوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا)(۲)، فإذا تم اختيارهما فإنهما يحضران لدى القاضي ويأخذ إقرار الزوجين على اختيارهما وموافقتهما على نتيجة التحكيم .

5- فإذا حضرا تم تدوين أسمائهما وهوياتهما ، ثم يبين القاضي لهما مهمة الحكمين ، وما يجب عليهما من عقد النية على الإصلاح بين الطرفين ، لقوله تعالى: (إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا)(3). وأن عليهما الاجتماع بالزوجين مجتمعين أو منفردين ، ودراسة أسباب الشقاق والخلاف بينهما ، وبذل الجهد والوسع في الصلحبينهما ، ثم إعداد تقرير بما تم في ذلك ، ويذكران رأيهما في الشقاق بين الطرفين.

6- لا يخلو التقرير من الأحوال الآتية :
الأولى : أن يتفق الحكمان على الجمع بعوض أو بغير عوض، أو الفرقة بعوض أو بغير عوض، ثم يكتبا تقريرهما بذلك ويرفعاه للقاضي، فحينئذ يدون القاضي تقرير الحكمين ويعرضه على الزوجين، فإن وافقا عليه فينهي القاضي الدعوى بذلك، وإن لم يوافقا أو لم يوافق أحدهما عليه فيحكم القاضي بموجبه ، وإذا كان موجبه الفسخ بعوض فيطلب القاضي من المرأة إحضار العوض، فإذا أحضرته فإنه يعرضه على الزوج، فإن قبله فحسن، وإلا فإن القاضي يأمر بحفظه عن طريق رئيس المحكمة في بيت المال لصالح الزوج.
الثانية : أن يختلف الحكمان في الأصل فيرى أحدهما الجمع والآخر الفرقة، أو يبدي أحدهما رأياً دون الآخر، أو يتفقا في عدم إبداء الرأي، ففي هذه الصور يطلب القاضي من الزوجين اختيار حكمين آخرين، فإذا رفضا أو عجزا – وهو الغالب فيتم إعادة التحكيم من قبل ملازمين قضائيين، أو اثنين من
أهل الخير والصلاح، أو من أعضاء قسم الخبراء، بعد أن يأخذ القاضي إقرار الزوجين موافقتهما على نتيجة التحكيم.
الثالثة : أن يتفق الحكمان على الفرقة ويختلفا هل تكون بعوض أو بدون عوض، أو يتفقا على الفرقة بعوض ويختلفا في مقداره .
الرابعة : أن يتفق الحكمان على الرجوع ويختلفا : هل يكون مجاناً أو بعوض أو يتفقان على الرجوع بعوض ويختلفا في مقداره، ففي حال الاختلاف على العوض يعاد التحكيم في موضوع العوض، فإذا تعذر أو لم يصلا إلى نتيجة فيحكم في الفرقة بخلع المثل، وفي الرجوع يجتهد القاضي في ذلك .

وقيل : يرجح في جميع حالات الاختلاف بحكم ثالث.

7- فإن لم يتفق الحكمان أو لم يوجدا، وتعذرت العشرة بالمعروف بين الزوجين نظر القاضي في أمرهما، وفسخ النكاح حسب ما يراه شرعاً، بعوض أو بغير عوض (4). ويرى بعض القضاة : أنه يُكتفي بالكتابة إلى الحكمين دون حضورهما، والأول أولى .

8- متممات الحكم :

يقوم القاضي بتذييل الحكم بما يأتي :

أ- إذا كان الحكم نسخاً للنكاح فتفهم المرأة بأن عليها العدة، وأنها تبدأ من تاريخ الفسخ أو الخلع، وتحدد مدة العدة ، ومن المعلوم أن عدة المفسوخة حيضة واحدة على الراجح (5)، ويرى الجمهور أنها ثلاث حيض.

ب- إفهام الزوج بأن زوجته بانت منه بينونة صغرى، فلا تحل له إلا بعقد جديد.

ج- إفهام الزوج بأن عليه مراجعة الأحوال المدنية لتسجيل الواقعة وإنزال المرأة من دفتر العائلة ، حسب التعميم ذي الرقم 12/ت/127 في 1412/11/3هـ(6)، والإجراء المتبع أن المرأة تأخذ الصك وتذهب به إلى الأحوال المدنية فيتم إسقاط اسمها من دفتر العائلة.

د- إذا لم يقتنع أحد الطرفين بالحكم وطلب التمييز فتفهم المرأة و وليها ألا تتزوج إلا بعد انتهاء عدتها و تصديق الحكم من محكمة التمييز، حسب التعميم ذي الرقم 8/ت/ 25 في 1412/2/8هـ(۷).

المطلب الثاني: المسائل:

الأولى : هل يكفي في التعريف رجل واحد أو لا بد من اثنين؟ هنا قولان :

القول الأول : أنه يكفي في التعريف رجل واحد، حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه حينما أمره النبي ﷺ: بتعلم السريانية حتى يترجم له كتاب اليهود (8).

القول الثاني : أنه لابد في التعريف من رجلين، لأن التعريف شهادة(9).

الثانية : يصح خلع وفسخ الحائض ، وتبدأ عدتها من الحيضة التي بعدها(10).

الثالثة : لو فسخ القاضي النكاح، ثم تراضيا على الرجوع قبل انتهاء الجلسة فهل يلزم عقد ومهر جديد؟ قرر أهل العلم قاعدة : (الفسخ لا يقبل الفسخ(11)، فإذا تم الفسخ فلا يمكن رفعه وفسخه، ولو كان في مجلس القضاء الذي صدر فيه الحكم قبل انتهاء الجلسة، ويلزم الزوج إذا أراد الرجوع إلى زوجته ورضيت بذلك عقد جديد و مهر جديد، ولا يلزم انتهاء العدة ؛ لأن العدة لأجل استبراء الرحم، تعتد من مائه إلى مائه . والعبرة بالنطق بالحكم في الفسخ، فإذا تم النطق به فقد صدر الحكم.

الرابعة : يجوز أن يفسخ القاضي النكاح ، فيقول (فسخت نكاح فلانة … من فلان … وبذلك حكمت)، أو يقول : (فقد حكمت بفسخ نكاح فلانة … إلخ). ويجوز أن يفوض القاضي الفسخ للزوجة بأن يقول: (فقد جعلت للمدعية فلانة … فسخ نكاحها، فقالت : فسخت نكاحي من فلان … وعليه فقد ثبت لدي فسخ نكاح فلانة… من فلان … وبذلك حكمت)، والفسخ من القاضي أقوى (12).

الخامسة : إذا رأى القاضي أن الأسباب التي ذكرتها المرأة لطلب الفسخ غير وجيهة، وليس لها مسوغ شرعي فيحكم القاضي برجوع المرأة لبيت الزوجية ، ويذكر أنها إذا لم ترجع فإنها تعد ناشزاً ساقطة الحقوق والنفقة ؛ لأنه يصعب تنفيذ الحكم بإلزام المرأة بالعودة إلى بيت الزوجية، فلا تساق إلى بيت الزوجية جبراً.

السادسة : إذا حكم القاضي على الزوجة بالانقياد، ولم تنقد، وبقيت مدة ناشزاً فيعيد القاضي النظر فيها، ويحكم بالفسخ بعوض إذا لم يكن للفسخ مسوغ أو كانت المرأة ظالمة. ويمكن للمرأة أن تتقدم مرةً أخرى بطلب الفسخ إذا طالت عليها المدة، ويكون نظر القضية عند من نظرها سابقاً ؛ لكونها إكمالاً للقضية السابقة.

السابعة : يستقر عوض الخلع في الذمة إذا لم يبذل ، كسائر الديون، فتسمع دعوى الإعسار به وعلى الزوجة قبل أن يدخل بها الآخر سداده، لكونها أيسرت مجهر الزوج الجديد (13).

الثامنة : إذا تقدم الزوج ضد المرأة بدعوى النشوز، وبذلت المرأة نفسها واستعدت بالرجوع إلى بيت الزوجية والدخول في طاعة الزوج، ورفض الزوج ذلك طالباً العوض، فحينئذ تفسخ المرأة بلا عوض، لقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ۖ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)(14).

التاسعة : لا ينبغي أن يكون عوض الخلع مقابل تنازل المرأة عن حضانة أولادها؛ لأن الخلع لا بد أن يكون على مال أو حق يؤول إلى مال، ولأن الصلح في الحضانة غير ملزم على قول الجمهور (15). والصلح على الخلع لازم ، ولا يجمع بين صلح لازم، وعوض غير مالي ؛ لأنه لو فسد موضع الحضانة فلا يفسد اخلع ، فالحضانة غير مرتبطة بالخلع، فلو حكم للزوج بالحضانة مقابل تنازله عن عوض الخلع، ثم ظهر بعد ذلك عدم صلاحيته للحضانة لكان مشكلاً. ولكن يمكن الخلع على عوض، ثم يكون إجراء الصلح على الحضانة منفصلاً عن ذلك .

العاشرة : إذا استعد الزوج بذل عوض مالي لزوجته مقابل رجوعها، وكانت في مقابل حق مالي ماض، كالنفقة أو نحوها ، فيجب على الزوج الوفاء به ، وإذا كان العرض لأجل الرجوع فقط ، فلا يلزم الزوج إذا كان الاتفاق خارج المحكمة، أما إذا كان في مجلس الحكم ووافق عليه الزوج فيلزم به إذا رجعت الزوجة.

الحادية عشرة: اختلف أهل العلم في توثيف احكين على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أنهما ويلان عن الزوجين (16)

القول الثاني : أنهما حكمان (17)

القول الثالث : أنهما شاهدا خبرة (18)، وهذا القول هير الذي دل عليه قرار هيئة كبار العلماء (ذو الرقم ۲۹ في ۱۳۹۶/۸/۲ هـ) (19)، وعليه فترار احكمين ملزم للقاضي ما لم يوجد مسوغ شرعي المخالفته للقاضي مخالفته والحكم بما يراه ، مع تسبب ذلك.

المطلب الثالث: الفوائد

الأولى : ينبغي للقاضي في القضايا الزوجية أن يحرص على حضور الزوجين بأنفسهما ؛ لأن حضور الوكلاء في الغالب يزيد شقة الخلافي ، وشعب المشكلة ثم يشعب حلها، ويباعد قلوب الزوجين، وذلك مما يجعل قصد كل واحد منهما مجرد التشفي و الانتقام من الآخر على حساب مصلحنهما

الثانية : إذا اختلف الحكمان في المرة الثانية ، أو طال النزاع بين الزوجين أو تعذر اختيار الحكمين مطلقاً فيحسمها القاضي بما يراد، من نسخ أو جمع وفق الأصول الشرعية.

الثالثة : لا يجبر احكم على الحضور ، ولا يجبر أحد الزوجين على اختيار حكم إذا رفض ذلك .

الرابعة : للقاضي منع الشخص أن يكون حكماً ولو اختاره أحد الزوجين إذا ظهر منه إثارة الفتنة والنخيب .

الخامسة : الغالب هو الاختلاف في تيازات التحكيم بين الزوجين الصادرة من الحكمين اللذين اختار هما الزوجان .

السادسة : الغالب في قرارات التحكيم الترجي هو التفريق بين الزوجين على معوق

السابعة : في كل الفسوخ يقوم القاضي بالتهميش على عقد النكاح بذلك، ثم بعثه مصدره، لنقل التهميش على ضبط المأذون وحفظ العقد بعد ذلك في المحكمة

الثامنة : يقدم القاضي في فسخ النكاح الزوجة على الزوج كما ذكر ذلك علماء الشروط – التوثيقات۔ ، فيقول : أفتقد حكمت بفسخ نكاح فلات من فلان) كما سبق (20).

التاسعة : نموذج ضبط قضية زوجية :

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد، فلدي أنا… القاضي بالمحكمة العامة ب، ، ، ففي يوم … الموافق 14 هـ فتحت الجلسة وفيها حفرت… المعرف بها من قبل ،،، وحضر حضورها ،،، فادعت … قائلة : إنني تزوجت هذا الحاشر بتاريخ : ۱۶هـ و أنجبت منه . . . و منذ أكثر من … ذهبت إلى بيت أهلي ، وذلك بسبب سوء عشر ته لي، فهو لا يشفق علي النفقة الواجبة ، ولا يعاملئي المعاملة الحسنة ، فيسبئي ويشمتي، أطلب فسخ نكاح منه . هذه دعواي ، وبسؤال المدعى عليه عن دعوى المدنية أجاب قائلاً : ما ذكرته المدعية من الزواج و تاريخه و الإنجاب كله صحيح، ولا صحة لما ذكرته من سوء العشرة، فأنا أحسن عشرتها، لذا لست مستعداً بعللاقها، وأطلب الحكم عليها بالرجوع إلى بيتي و لزوم طاعتي . هذه إجابتي، ثم جرى سؤال المدعية: هل لديها بينة عن دعواها؟ فقالت: لا بينة لي، وعليه جرى تذكير الزوجة بعظم حق الزوج، وأن عليها الصبر والطاعة فيما أوجبه الله عليها تجاه زوجها، وأن تقابل إساءته بإحسانها إليه وخدمتها له وأن رابطة الزواج بينهما تقتضي الديومة والاستمرار، ومن مصلحتها البقاء زوجة له ولو غبطها بعض حقوقها، وتذكيرها بما شرع الله من حقوق الزوج و وجوب طاعته ، وما يترتب على الطلاق من تفريق الأسرة وتشبت الأولاد ، و بوار المرأة بسبب تقدم سنها ووجود أولادها في صرت على رأيها وطلبها الفسيخ، وقالت: إن ما عانيته من الزوج من سوء عشرته وجفائه يهون لأجله كل شيء، ولست مستعدة بالرجوع إليه ولو بقيت الدهر معلقة، ثم جرى تذكير الزوج ووعظه بأن يترفع عن غمد المرأة حقوقها، وأنه ليس من المروءة ولا الشهامة ولا الشجاعة ظلم زوجته، مما بحملها على الخلاف والنفاق، وأن المرجو منه أن يعامل زوجته بالحسنى، فكما أن عليها واجبات نحوه فلها حقوق عليه ، وما وصلت إليه حال الحياة الأسرية مع زوجته بستوجب النظر في نسريحها رعاية لحالها، وأن هذا من مقتضى ما أمر الله به بقوله : (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)(21)، وأن من الإحسان إجابة الزوجة إلى طليها إذا تعذرت العشرة ، وأن المرء لا يرضى القريبنه أن يصل حالها إلى هذا الوضع ثم لا يسرحها زوجها، فأصر على رأيه ، وقال : إني لا يمكن أن أطلقها مهما كانت الظروف، وأنا مستعد بالقيام بحقوقها، ولست مستعداً بطلاقها لأجل أولادي، ثم جرى معرض الصلح على الطرفين على الرجوع أو الغراق بعوض أو بدون عوض فلم يصطلحا، وأصر كل واحد منهما على رأيه ، ولقوله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا(22) لذا فقد عرضت على الطرفين اختيار حكمين من أهلهما، فاختارت المدعية … حكماً من أهلها، واختار المدعى عليه .. حكماً من أهله، ورفعت الجلسة من أجل إحضار الحكمي وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا(23)، ولما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، ما أنْقمُ على ثابتٍ في دِيْنٍ ولا خُلُقٍ ، إلا أنِّي أخافُ الكُفرَ ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : تَرُدِّينَ عليه حديقتَه ؟ فقالت : نعم ، فَرَدَّتْ عليه ، وأمَرَهُ أن يُفارقَها(24)، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار»(25)، ولما رواه النسائي وعبد الرزاق عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «بعثت أنا ومعاوية حكمين ، قال معمر : بلغني أن عثمان بعثهما ، وقال : إن رأيتما أن تجمعا جمعتما ، وإن رأيتما أن تفرقا ففرقا»(26)، ولما رواه الدار قطني والنسائي والشافعي والبيهقي عن محمد بن سيرين عن عبيدة قال : «جاء رجل وامرأة إلى علي، مع كل واحد منهما فئام من الناس ، فأمرهم فبعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها وقال للحكمين : هل تدريان ما عليكما؟ عليكما إن رأيتما إن تجمعا فاجمعا وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما، فقالت المرأة : رضيت بكتاب الله بما علي فيه ولي ، وقال الزوج : أما الفرقة فلا ، فقال علي : كذبت، والله لا تبرح حتى تقر مثل الذي أقرت به»(27) قال ابن حجر : إسناده صحيح (28)، ولما أخرجه الطبري في تفسيره : عن ابن عباس رضي الله عنهما في الحكمين أنه قال: فإن اجتمع أمرهما على أن يفرقا أو يجمعا فأمرهما جائز(29) ونظراً إلى أن استمرار الحياة الزوجية على هذا الوضع أمر لا تتحقق منه مقاصد النكاح في الشريعة من المودة والرحمة والسكن وتربية الأولاد والعفة، مع ما في ذلك من المضار النفسية والاجتماعية والجسدية على الزوجين والأولاد، ونظراً لأن بقاء المدعية ناشزاً مع طول المدة أمر غير محمود شرعاً، مع ما ينشأ عنه من الظلم والإثم والقطيعة بين الأسر وتوليد العداوة والبغضاء ، لذا فقد حكمت بفسخ نكاح المدعية … من زوجها المدعى عليه … على عوض قدره …(30)، وعليه أفهمت المدعية بأن عليها العدة الشرعية ، وهي ثلاث حيض اعتباراً من اليوم الموافق / / 14 هـ، وبعرض ذلك على الطرفين قررت المدعية القناعة وقرر المدعى عليه عدم القناعة، وطلب تمييزه، فأجيب إلى طلبه، وأفهمته بمراجعة المحكمة خلال عشرة أيام من أجل استلام نسخة الحكم وتقديم اللائحة الاعتراضية خلال مدة الاعتراض وهي ثلاثون يوماً تبدأ من تاريخ تسجيل الحكم، وإذا انتهت مدة الاعتراض ولم يتقدم باللائحة فيسقط حقه في التمييز ويكتسب الحكم القطعية، وأفهمت المدعية بألا تتزوج حتى يكتسب الحكم القطعية، وقررت حفظ العوض في بيت المال لصالح المدعى عليه ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، حرر في / / 14 هـ.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • (1) سورة النساء، الآية: 130.
  • (2) سورة النساء، الآية: 130.
  • (3) سورة النساء، الآية: 130.
  • (4) انظر قرار هيئة كبار العلماء ذا الرقم 26 في 1394/8/21هـ مجلة البحوث الإسلامية العدد۳، ص 224-225.
  • (5) وهو مذهب عثمان وابن عباس وابن عمر والربيع في الخلع، وبه قال إسحاق والإمام أحمد في رواية، وابن المنذر وابن تيمية وابن القيم. ينظر: زاد المعاد (197/5)، مجموع الفتاوى (290/32)، مطالب أولي النهي (296/5).
  • (6) التصنيف الموضوعي (74/3-75).
  • (7) التصنيف الموضوعي (297/4).
  • (8) ذكره البخاري تعليقاً (2631/6)، ووصله في التاريخ الكبير (380/3)، وأحمد (186/5)، وأبو داود برقم (3645)، والترمذي (2715) وقال: «حسن صحيح». .
  • (9) ينظر: المبسوط (89/16)، الأم (204/6)، المهذب (303/2)، المغني (269/10)، الشرح الكبير والإنصاف (509/28)، كشاف القناع (352/6)، حاشية ابن قاسم على الروض المربع (553/7). فائدة: قال ابن القيم في الطرق الحكمية (193): منشأ الخلاف هو: هل الترجمة ونحوها بمعنى الإخبار، أو هي بمعنى الشهادة ؟
  • (10) ينظر: فتح القدير (474/3)، البحر الرائق (257/3)، حاشية الدسوقي (364/2)، المغني (269/10)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (21/33)، كشاف القناع (213/5).
  • (11) ينظر: المنثور (44/3-45)، فتاوى ابن الصلاح (551/2).
  • (12) ينظر: التحكيم لابن خنين (232).
  • (13) ينظر: فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم (314/10).
  • (14) سورة النساء، الآية: 19.
  • (15) ينظر: كشاف القناع (498/5)، شرح منتهى الإرادات (250/3).
  • (16) ينظر: فتح القدير (244/4)، نهاية المحتاج (392/6)، شرح الزرقاني (275/3)، المغني (265/10).
  • (17) ينظر: مواهب الجليل (17/4)، مغني المحتاج (261/3)، المغني (265/10)، مجموع الفتاوى (25/32)، زاد المعاد (189/5)
  • (18) ينظرة المحلي (87/10)، شرح الزرقاني (275).
  • (19) ينظر: مجلة البحوث الإسلامية (221/3)، التحكيم لابن خنين (ص 198-199)
  • (20) ينظر: جواهر العقود للأسيوطي (96/2-97)
  • (21) سورة البقرة، الآية: 229
  • (22) سور النساء، الآية: 35.
  • (23) سورة النساء، الآية: 35.
  • (24) أخرجه البخاري في ضخيخه، كتاب الطلاق، باب الخلع وكيف الطلاق فيه (2021/5) برقم (4971).
  • (25) هذا الحديث روى مسنداً ومرسلاً، فممن رواه مسنداً: ابن ماجه في سننه (784/2) برقم (2340-2341)،والدار قطني في سننه (227/4-228) برقم (83-85) وغيرهما، وممن رواد مرسلاً الإمام مالك في الموطأ (1429)، وقد ورد هذا الحديث من مسند أبي سعيد الخدري وعائشة وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة وعبادة بن الصامت وثعلبة بن أبي مالك وأبي لبابة رضي الله عن الجميع. ينظر: نصب الراية (384/4)، إرواء الغليل (408/3).
  • (26) أخرجه النسائي في الكبرى (111/3) برقم (4678)، وعبد الرزاق في المصنف (512/6) برقم (11885).
  • (27) أخرجه الدار قطني في سننه (295/3) برقم (189)، والنسائي في الكبرى (111/3) برقم (4678)، والشافعي في مسنده ص (262)، والبيهقي في الصغرى (293/6) برقم (2629).
  • (28) تلخيص الحبير (204/3).
  • (29) تفسير الطبري (73/5)
  • (30) يجوز أن تكون الصيغة (… لذا فقد فسخت نكاح المدعية … من المدعى عليه… على عوض قدره .. وبه حكمت).
زر الذهاب إلى الأعلى