أحكام القضائية السعوديةالأحكام والاستشارات القضائية

حكم قضائي: سرقة السيارة وكفرات هايلكس غمارتين والحكم عليهما بعقوبة تزجرهما وتردع غيرهما

بسم الله الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد: لدى القاضي بالمحكمة الجزئية بالدمام في يوم الأحد الموافق ١٢ / ٨/ ١٤٢٥ هـ قدم المدعي العام دعواه ضد الحدثين (أ،ب) البالغين المتضمنة أنه بتاريخ ٧/ ٤/ ١٤٢٥ هـ تبلغت الدوريات الأمنية من قبل ممثل شركة أرامكو المبلغ (ج) بشأن قيام صاحب سيارة (هايلكس غمارة) بسرقة كفرات تابعة لسيارة (هايلكس غمارتين) موديل ٢٠٠١ عائد للشركة، وبضبط إفادة اﻟﻤﺠني عليه (د) صاحب السيارة المسروق إطاراتها أفاد بأنه قام بإيقاف سيارته المذكورة عند مقر عمله وعند خروجه من العمل لم يجد إطارات السيارة الأربع، وباستجواب المدعى عليه (أ) أقر بأنه ذهب إلى مواقف السيارات الخاصة بطلبة شركة أرامكو وقام بسرقة أربعة إطارات من سيارة (هايلكس) موديل ٢٠٠١ غمارتين واشترك معه في السرقة المدعى عليه (ب) حيث قاما باستخدام العفريتة وبعد ذلك قاموا ببيعها بمبلغ وقدره مائتين وعشرين ريال وتقاسماها فيما بينهما وبعد ذلك قام بإيصال (ب) إلى مترله ومن ثم قبض عليه وصادق على أقواله شرعًا، وباستجواب المدعى عليه (ب) أقر بمثل إقرار زميله وصادق على إقراره بذلك شرعًا، الحق الخاص منتهي بالتنازل، وحيث أن ما أقدم عليه المذكوران وهما بكامل أهليتهما المعتبرة شرعًا فعل محرم ومعاقب عليه شرعًا، فقد طلب المدعي العام إثبات ما أسند إليهما والحكم عليهما بعقوبة تزجرهما وتردع غيرهما يرجع تقديرها لفضيلة ناظر القضية هذه دعوى المدعي العام، وعلى ضوئها قرر القاضي أنه حيث قرر أهل العلم أن الشرع لم يأت بذكر حد فاصل للحرز في الأموال المسروقة وأن مرد ذلك إلى عرف الناس في كل زمان بحسبه وفي كل مال بحسبه جاء في شرح منتهى الإرادات باب القطع في السرقة (ط عالم الكتب) ما نصه: (وحرز كل مال ما حفظ فيه ذلك المال عادة) لأن معنى الحرز الحفظ ومنه الاحتراز من كذا ولم يرد من الشرع بيانه ولأنه عرف لغوي يتقدر به كالقبض، والتفرق كالقبض والتفرق في البيع، ويختلف الحرز باختلاف جنس المال وباختلاف البلد كبرًا وصغرًا لخفاء السارق في البلدة الكبيرة لسعة أقطاره أكثر منه في البلد الصغير ويختلف الحرز أيضًا باختلاف عدل السلطان وقوته وضدها، أو جوره وضعفه وجاء في الإنصاف الجزء العاشر باب القطع في السرقة (ط دار إحياء التراث) ما نصه: (وحرز المال ما جرت العادة بحفظه فيه ويختلف باختلاف الأموال والبلدان وعدل السلطان وجوره وقوته وضعفه) كما تكلم العلماء – رحمهم الله – على تعريف الحرز وبيان ضابطه الذي يوضحه ويجدده فاجتمعت كلمتهم أن الحرز هو المكان أو الحال التي إذا وضع صاحب المال ماله فيها أو عليها لا يعتبر مضيعًا عرفًا، ففي حاشية الصاوي على الشرح الصغير الجزء الرابع (ط دار المعارف) الحرز في السرقة ما نصه: (والحرز ما لا يعد الواضع فيه مضيعًا عرفًا أي هو المكان الذي لو وضع فيه ذلك الشيء قصدًا لا يقال إن صاحبه عرضه للضياع فيقطع السارق المخرج له فيه)، وفي حاشية قليوبي وعميرة الجزء الرابع كتاب القطع في السرقة (ط دار أحياء الكتب العربية) (والحرز مالا يعد المالك أنه مضيع لماله فيه ومرجعه العرف لأنه ليس له ضابط لغة ولا شرعًا)، وفي مغني المحتاج الجزء السابع كتاب القطع في السرقة (ط دار الفكر) (إن ضابط الحرز مالا ينسب المودع بوضعه فيه إلى التقصير)

كما قرر العلماء بأن الأحراز تختلف وأن العبرة ليست بحرز الخاصة وإنما هو بكل ما يكون العامة تحرز بمثله، ففي الأم للإمام الشافعي الجزء السادس (ط دار المعرفة) كتاب السرقة ما نصه: (لأن الأحراز تختلف فيحرز بكل ما يكون العامة تحرز بمثله)، ومعلوم من عرف عامة الناس وحالهم اعتبار إيقاف السيارات في الشوارع داخل المدن والقرى تحريز لها وهم بذلك لا يعدون مفرطين ولا مقصرين بحفظها. كما أن قياس السيارات على الإبل حرزها بوجود حافظ معها سائغ إذا كانت خارج المدن والقرى، إذ أن فقهاء الإسلام يفرقون بين الإبل التي في البوادي فيشترطون وجود حافظها معها والإبل التي في المدن والقرى فلا يشترطون وجود حافظها معها، بل مجرد ربطها في مرابطها المعروفة في محل بياعتها فذلك حرز لها فإن احتلها من مربطها فأخذها فهذا يقطع، ففي المغني الجزء التاسع مسألة القطع في السرقة لا يجب إلا بسبعة شروط فصل في حرز الإبل ما نصه: (وهذا التفصيل في الإبل التي في الصحراء فأما التي في البيوت والمكان المحصن على الوجه الذي ذكرنا في الثياب فهي محرزة والحكم في سائر المواشي كالحكم في الإبل)، وفي المدونة للإمام مالك الجزء الرابع (كتاب السرقة): (ومرابطها المعروفة حرز لها من احتلها من مرابطها المعروفة فأخذها فهذا يقطع)، وفي بلغة المسالك لأقرب المسالك: (الحرز في السرقة وموقف دابة البيع فإنه حرز لها يقطع من أبانها منه أوقفت لغيره بزقاق اعتيدت فيه ليلا أونهارًا كانت مع صاحبها أم لا)، وفي منح الجليل شرح مختصر خليل الجزء التاسع باب في بيان أحكام السرقة وما يتعلق ﺑﻬا (ط دار الفكر) ما نصه: (أو سرق دابة من موقف بفتح فسكون فكسر دابة معتاد لها فيقطع سواء أوقفت لبيع لها أو غيره كحفظها فهو حرزها فيما لو كان للدواب مرابط معروفة في السكة فمن سرقها من مرابطها يقطع لأنها حرز لها) كما إن إلحاق السيارات وقياسها على السفن أقرب من قياسها على الإبل والمواشي ومجرد إيقاف السيارة في موقفها المعتاد وإغلاق أبواﺑﻬا ونوافذها وإحكام إغلاقها حرز لها كما أن حرز السفينة هو مجرد ربطها بالشط، قال في شرح منتهى الإرادات باب القطع في السرقة (ط عالم الكتب): (وحرز سفن في شط بربطها به على العادة)،

وفي المنتقى شرح الموطأ للباجي الجزء السابع (ط دار الكتاب الإسلامي) ما نصه: (ومن سرق مركبًا فقد قال محمد: عليه القطع قال ابن القاسم وأشهب إن كانت في المرسى على وتدها أو بين السفن أو موضع هو لها حرز)، كما قرر فقهاء الإسلام أنه (يقطع بسرقة شيء من الإبل المقطورة المحرزة وكذا ما كان على ظهور الدواب وكذا ما كان في ضروعها من لبن إذا كانت محرزة وكذا ما سرق من السفن المحرزة)، ففي المدونة الجزء الرابع باب السرقة (ط دار الكتب العلمية): (وظهور الدواب إذا وضع عليها المتاع حرز لذلك المتاع عند مالك وكذا القطار يقاد فيأخذ منه رجل بعيدًا فذلك حرزه)، وفي المدونة الجزء الرابع باب السرقة قلت: (أرأيت من سرق السفن أيقطع في قول مالك؟ قال: نعم لأن مالكًا قال: المواضع حرز لما كان فيها والسفينة عند مالك حرز لما فيها)، وفي الأم للشافعي الجزء السادس (ط دار المعرفة) كتاب السرقة باب ما يكون حرزًا أو لا يكون والرجل توهب له السرقة أو يملكها ما نصه: (وانظر إلى متاع السوق فإذا ضم بعضه إلى بعض في موضع بياعته وربط بحبل أو جعل الطعام في خيش وخيط عليه فسرق أي هذا أحرز به فأقطع فيه لأن الناس مع شحهم على أموالهم هكذا يحرزونه وأي إبل الرجل كانت تسير وهو يقودها فقطر بعضها إلى بعض فسرق منها أو مما عليها قطع فيه)، وفي كشاف القناع الجزء السادس فصل وحرز المال ما جرت العادة بحفظه فيه ما نصه: (فإن سرق من أحمال الجمال السائرة المحرزة متاعًا قيمته نصاب قطع أو سرق الحمل قطع لأنه سرق نصابًا من حرز مثله)، وفي طرح التثريب للإمام العراقي الجزء السادس باب الغصب الثالثة عشر: (واستدل به على أنه إذا سرق لبنًا من ضرع وكانت تلك الماشية التي في ضرعها اللبن محرزة عنده في حرز مثلها واللبن المذكور يبلغ قيمته نصابًا يجب عليه القطع)،

وقال في شرح الكوكب المنير فوائد تشتمل على جملة من قواعد الفقه ضابطه كل فعل رتب عليه الحكم ولا ضابط له في الشرع ولا في الفقه (كإحياء المعدات والحرز في السرقة والأكل من بيت الصديق وما يعد قبضًا وإيداعًا وهدية وغصبًا والمعروف في المعاشرة وانتفاع المستأجر بما جرت به العادة). وأمثال هذه كثيرة لا تنحصر ومأخذ هذه القاعدة وموضعها في أصول الفقه قولهم: “الوصف المعلل به قد يكون عرفيًا” أي من مقتضيات العرف. وفي باب التخصيص في تخصيص العموم بالعادة، فمن المشهور في عرف عامة الناس أن من أوقف سيارته داخل شوارع المدن بعد أن يحكم إغلاقها ليس بمضيع لماله مع شحهم على أموالهم وحرصهم عليها ومع كون السيارات هي أكثر الأموال عامة الناس وقد جرت عادتهم في حفظ السيارات هكذا إذ ليس كل الناس من يجد موقفًا لها في مترله ولا ربعهم كما أن من يجد لها موقفًا في منزله لابد له أن يخرج ﺑﻬا إلى السوق أو إلى العمل، كما أن الشريعة جاءت لحفظ الكليات الخمس التي عليها صلاح معاش الناس ومعادهم، ومنه حفظ المال ومن أجل ذلك شرع حدًا للقطع في السرقة ولا يمكن للشريعة أن تأتي بإهدار أموال الناس وعدم اعتبار القطع في سرقة السيارات مطلقًا إلا بحافظ، وعليه فكل من سرق سيارة محكمة الإغلاق بعد كسر جزء منها وتشغيلها بأي طريقة أو سرق جزءً من أجزاء السيارة المحرزة عرفًا أو سرق من داخلها ما تعد حرزًا له فهو مستوجب للقطع إذا كانت السيارات داخل المدن والقرى واستكملت الشروط الشرعية الأخرى عليه، وحيث إن المدعى عليهما قد اعترفا بسرقة الإطارات الأربع للسيارة الموصوفة في الدعوى بعد أن رفعوا السيارة برافعة وحلوا مثبتات الإطارات الحديدية وأخذوا الإطارات وباعوها بمائتين وعشرين ريالا وقد كانت السيارة واقفة عند مقر عمل مالكها ولما قرره أهل العلم أعلاه فقد صرف القاضي النظر عن دعوى المدعي العام لخروجها عن اختصاصه النوعي وأفهمه بأن له إقامتها أمام ثلاثة قضاة بالمحكمة العامة وبذلك حكم والحكم خاضع لتعليمات التمييز والله ولي التوفيق حرر في ١٢ / ٨/ ١٤٢٥ هـ ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحمد لله وحده وبعد: ثم أنه في يوم الأحد الموافق ١٧ / ٩/ ١٤٢٥ هـ افتتح القاضي الجلسة وكانت قد عادت المعاملة من محكمة التمييز وأحيلت لفضيلته برقم ٤١ في ١٣ / ٩/ ١٤٢٥ هـ وبرفقها قرار أصحاب الفضيلة قضاة الدائرة الرابعة الجزائية رقم ٣٣١ /ج ٤/ب في ٦/ ٩/ ١٤٢٥ هـ والمتضمن ما
نصه وبدراسة القرار وصورة ضبطه وأوراق المعاملة، لوحظ ما يلي: أولا:ً صرف فضيلته النظر عن دعوى المدعي العام وعلل ذلك بعدم الاختصاص مع أن السيارة مملوكة لشركة أرامكو ومعلوم أن شركة أرامكو مملوكة للحكومة كما أنه من المعلوم لدى فضيلته ما ذكره العلماء فيمن سرق شيئًا مملوكًا لبيت المال ثانيًا: ما علل به فضيلته من أن السرقة حصلت من حرز محل نظر حيث أن وقوف السيارة في الشارع لا يعد حرزًا لأن السيارة تحرز بداخل الكراج المعد لها في العادة، فعلل فضيلته ملاحظة ما ذكر وإعادة النظر وإمعانه وتقرير ما يظهر له أخيرًا وإلحاق ما يجد في الضبط وصورته والقرار وسجله، ثم إعادة المعاملة لإكمال لازمها – والله الموفق – وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

فقال القاضي جوابًا لأصحاب الفضيلة حيال ما جاء في الفقرة: أولا: إن السيارة التي سرقت إطاراتها ليست مملوكة لشركة أرامكو وإنما هي مملوكة لشركة خاصة ملك اﻟﻤﺠني عليه (د) الذي يعمل في شركة أرامكو برأس تنورة حيث جاء في أقواله: أن السيارة تعود لهم باسم شركتهم ولم يقل باسم شركة أرامكو التي أعمل ﺑﻬا كما أن التنازل لم يحرر باسم شركة أرامكو ولم يشر إليها فيه وإنما حرر التنازل باسم اﻟﻤﺠني عليه (د) الذي جاء في خطاب مدير شرطة محافظة رأس تنورة مشفوع المعاملة السابع والعشرين أنه هو صاحب السيارة ، وأما ما جاء في الفقرة ثانيًا فهذا الموضوع هو مدار ما حكم به وقد قعد له وحيث نقل من أقوال أهل العلم وقواعد الشريعة وكلياتها ومقاصدها وأن أهل العلم قرروا في الحرز أنه عرفي والمعتبر فيه عرف العامة وهم الذين لا يملكون كراجات ، لا الخاصة الذين يملكون كراجات وعليه فلم يظهر له ما يوجب العدول عما حكم به والله ولي التوفيق حرر في ١٧ / ٩/ ١٤٢٥ هـ وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحمد لله وحده وبعد :ثم أنه في يوم الثلاثاء الموافق ٢٣ / ١١ / ١٤٢٥ هـ افتتح الجلسة وكانت قد عادت المعاملة من محكمة التمييز وأحيلت لفضيلته برقم ٥٣ في ٢٨ / ١٠ / ١٤٢٥ هـ وبرفقها قرار أصحاب الفضيلة قضاة الدائرة الرابعة الجزائية رقم ٣٧٣ /ج ٤/ب في ٢٢ / ١٠ / ١٤٢٥ هـ والمتضمن ما
نصه ، وبالإطلاع على ما أجاب به فضيلة القاضي وألحقه بذيل القرار وصورة ضبطه بناءً على قرارنا رقم ٣٣١ /ج ٤/ب وتاريخ ٦/ ٩/ ١٤٢٥ هـ وجد بأن ما أجاب به فضيلته غير كافي وقد جرى العمل على خلاف ما أشار إليه فضيلته في الجواب على الملاحظة الثانية واستقر على ذلك ،ونظرًا لحصول التنازع في الاختصاص ومحكمة التمييز هي المختصة في الفصل فيه حسب ما نصت عليه المادة الخامسة والثلاثون بعد المائة من نظام الإجراءات الجزئية والمادة الرابعة والسبعون من نظام المرافعات الشرعية في لائحتها التنفيذية الثانية فقرة (أ) لذا تقرر الدائرة إعادة المعاملة إلى فضيلته للرجوع عن ما حكم به من صرف النظر وإعادة النظر في القضية وسماع ما لدى الطرفين والحكم فيها بما يظهر له، والله والموفق وصلى الله على نبينا محمد
وآله وصحبه وسلم.

فقال القاضي جوابًا لأصحاب الفضيلة مشايخنا – حفظهم الله – إنه لا ينازع في تحديد الجهة التي لها حق الفصل في تنازع الاختصاص وإنما الذي يعتقده ويدين الله به من خلال ما رصده أعلاه من قواعد الشريعة وكلياتها ومقاصدها وكلام أهل العلم في تحديد الحرز مع اعتراف المدعى عليه المصدق بالسرقة شرعًا أن المدعى عليه مستوجب للقطع إن بقى على اعترافه ولم يظهر له مع طول التأمل والتدقيق ما يوجب الرجوع ،كما أنه قد صدر من قضاة الدائرة الثالثة لتمييز القضايا الجزائية بمحكمة التمييز بالرياض القرار رقم ٧٩٣ /ج ٣/أ في ٩/ ١١ / ١٤٢٥ هـ المتضمن المصادقة على حكم مماثل والله ولي التوفيق حرر في ٢٣ / ١١ / ١٤٢٥ هـ وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

زر الذهاب إلى الأعلى