البحوث القانونية

متى يصح مطالبة الضامن للمضمون قبل الوفاء بالدين ؟

  • متى يصح مطالبة الضامن للمضمون قبل الوفاء بالدين ؟
  • جواب للقاضي السابق الشيخ : عبدالمحسن بن ناصر العبيكان :

متى يصح مطالبة الضامن للمضمون قبل الوفاء بالدين ؟

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فإنه متى ما أقام الضامن دعوى على المضمون عنه؛ فإن بعض القضاة يُبادِرُه بسؤاله: هل سددت ما عليه من الدين؟، فإن قال: لا، قال له القاضي: لا حق لك في مطالبته إلا بعد تسديد ما عليه من الدين، ولا يستفسر من المدعي هل هو يطالب المضمون عنه بدفع المبلغ له ليقوم هو بتسديده، أو أنه يطالب المضمون عنه بتخليصه من الضمان بأن يدفع المبلغ لصاحب الحق وليس بدفعه له؛ ففرق بين الأمرين، والواجب أن يُفرّق بين مطالبته بدفع المبلغ له وبين مطالبته بتخليصه، قال البهوتي رحمه الله-: ” وللضامن مطالبة المضمون عنه بتخليصه قبل الأداء إذا طولب به أي الدين إن كان ضمن بإذنه؛ لأنه شغل ذمته من أجله بإذنه؛ فلزمه تخليصها كما لو استعار عبده فرهنه بإذنه فإن عليه تخليصه إذا طلبه ربه ” [ كشاف القناع شرح الإقناع 243/8 طبعة وزارة العدل ] وقد وضح هذه المسألة لزملائي القضاة في المحكمة الكبرى بالرياض عندما كنت قاضيًا فيها فاستفادوا وشكروني؛ لأنهم لم يكونوا على علم بهذا التفريق، حيث لا يوجد هذا التفصيل في كتاب الروض المربع ولا في المختصرات، وإنما ذَكر في المصدر الذي تقدم، والله تعالى أعلم ، أملاه الفقير إلى ربه المنان عبد المحسن بن ناصر العبيكان .

مناقشة لرأي الشيخ العبيكان ، لقاضي الاستئناف الشيخ عبدالرحمن التويجري :

الحمد لله أما بعد : شكر الله للشيخ ووفقه وسدده على هذا التنبيه اللطيف ولكن لعلي أنبه هنا إلى أمور وهي لا تخفى على شريف علم الشيخ ، لكن ربما لم يقصد حفظه الله الاستقصاء الجوانب المسألة ، وإنما قصد التنبيه على هذا المأخذ اللطيف الذي أشار إليه :

1/ ما أنكره الشيخ حفظه الله على زملائه من سؤال الضامن أولاً هل سدد عن المضمون عنه قول معروف في المذهب ، كما حكاه المرداوي في الإنصاف ، قال في باب الضمان : “فَايْدَتَانِ إحْدَاهُمَا إذا طولب الضامِنُ بالدّين …………… وَقِيل ليس لِلصَامِنِ مُطالَبَتُه بتخليصه حتى يُوَدّي ” ولا بد هنا من مراعاة قيد مهم في هذه المسألة لم يذكره الشيخ عبدالمحسن بل كلامه حفظه الله يدل على عدم اعتباره ألا وهو أن الضامن لا يملك مطالبة المضمون الا بعد أن يُطالب هو ( الضامن ) من قبل المضمون له وهو الصحيح من المذهب كما قرره الموفق وابن مفلح وغيرهما قال الموفق في المغني : ( فَصل : إذا ضمِنَ عَنْ رَجُلِ بإنتِهِ ، فطوليب الضامِنَ ، فَلَه مُطالَبَة المَضمُون عَنْهُ بِتَعْلِيصه ؛ أَنَّهُ لَزِمَهُ الْدَاء عَنْهُ بِأَمْرِهِ ، فَكَانَتْ لَهُ المُطالبة بتبرئة يُمَتِه . وَإِنْ لَمْ يُطالب الضامِنَ ، لَمْ يَمْلِك مُطالَبَة المَضمُون عَنّة ؛ لأنَّهُ لَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ الرّجوعُ بالدّين قبَل عُرَامَتِهِ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الْمُطالبة به قبل طلبه منه . وَفِيه وَجة آخَرَ ، أَنَّ لَهُ الْمُطالَبَة ؛ لأنّه شعَلَ يُمَنّه بإذنه ، فَقَالَ لَهُ الْمُطالبة بتفريغها ، كَمَا أَوَ استَغَار عَبَدًا فَرَهَنْهُ ، كَانَ لِلسيّدِ مُطالَبَتُهُ بِفِقَادِهِ وَتُفريغه مِن الرّمَنِ . وَالْوَنْ أَوْلَى ) وذكره الشارح بنصه وجزم به المجد في المحرر وأشار إليه الشمس في الفروع مختصرا .

وقال المرداوي في الانصاف : “فَانْدَتَانِ إحْدَاهُمَا إذا لَولب الضامِنَ بِالدّينِ فَلا يَعْلُو إمّا أنْ يَكُونَ مِنَ بإذنِ الْمَضمُون عنه أو لا فإن كان ضمِنّه بإذنه فله مُطالَبَتُه بتخليصه على الصَحِيح من المذهب قال في الفروع له ذلك في الأصح وَجَرَمَ به في الْمُحَرَّرِ وَالنَّخيص وَالرّعَايَتَيْنِ وَالْعَاويَيْنِ وَالْقَانِق وَقَدَمَه في المغني والشرّح وَشرّح ابن رَزِينِ وَقِيل ليس لِلصَّامِنِ مُطالَبَتُه بتَعْلِيصه حتى يُوَدّي ، وَإنْ لم يُطالب الضامن لم يَكُنْ له مُطالَبَتُه بتَعْلِيصه من المَضمُونِ له على الصحيح من المَذهَب قَدّمَهُ في الفروع وهو ظاهِرُ ما جَرَمَ به في الْمُحَرّر

2/ التفريق الذي ذكره الشيخ رعاه الله بقوله :

( ولا يستفسر من المدعي هل هو يطالب المضمون عنه بدفع المبلغ له ليقوم هو بتسديده، أو أنه يطالب المضمون عنه بتخليصه من الضمان بأن يدفع المبلغ لصاحب الحق وليس بدفعه اله؛ ففرق بين الأمرين ) ثم استدل الشيخ بكلام البهوتي على هذا الفرق وليس في كلام البهوتي هذا التفريق الذي ذكره الشيخ بل غاية ما فيه أن للضامن مطالبة المضمون بتخليص ذمته ولم يذكر البهوتي مسألة مطالبة الضامن للمضمون بتسليم المبلغ له لا بنفي ولا إيجاب .

3/ ما نقله الشيخ بارك الله في عمره عن البهوتي لا يتفق مع ما قرره ، وبيان ذلك أن الشيخ قرر أن الواجب سؤال الضامن هل يطلب تخليصه إذا كان لم يسدد سواء طولب الضامن من قبل المضمون له أم لا والبهوتي قرر أنه ليس له المطالبة بالتخليص إلا إذا طولب هو ( الضامن ) من قبل المضمون له بينما الشيخ جعل للضامن المطالبة بالتخليص قبل أن يطالب هو وهذا خلاف تقرير البهوتي كما ترى .

4/ قال الشيخ عفا الله عنه إن ما نقله من كلام البهوتي في الكشاف لا يوجد في الروض ولا في المختصرات وإنما يوجد في الكشاف . والواقع أن المسألة مشهورة ومنصوص عليها في أشهر كتب الأصحاب المغني والشرح والمحرر والفروع والإنصاف وغيرها من أمات كتب المذهب

5/ التفصيل الذي ذكره الشيخ جاء في كلام لأبي حامد الإسفراييني نقله عنه العمراني في كتابه البيان ( من كتب الشافعية ) قال رحمه الله : ” وإن لم يطالب المضمون له الضامن.. فهل للضامن أن يطالب المضمون عنه؟ قال الشيخ أبو حامد: نظرت: فإن قال: أعطني المال الذي ضمنته عنك ليكون عندي حتى إذا طالبني المضمون له أعطيته ذلك.. لم يكن له ذلك لأنه لم يغرم. وإن قال: خلصني من حق المضمون له، وفك ذمتي من حقه كما أوقعتني فيه، فهل له ذلك؟ فيه وجهان: أحدهما: له ذلك؛ لأنه لزمه هذا الحق من جهته وبأمره، فكان له مطالبته بتخليصه، كما لو استعار عبدا ليرهنه، فرهنه.. فللمعير أن يطالب المستعير بقضاء الدين، وفك العبد. والثاني: ليس له ذلك؛ لأنه إذا لم يطالبه المضمون له.. فلا ضرر عليه في كون الحق في ذمته، فلم يكن له مطالبته بذلك، ويفارق العبد المرهون؛ لأن على المولى ضررا في كون العبد مرهونا

6/ وتتميما للفائدة أنبه إلى أن من مسائل تخليص الضامن : مطالبة الضامن للمضمون له بتخليصه من الضمان وهي من المسائل النادرة وقد ذكرها المالكية واشترطوا لذلك شرطين :

الأول : أن يحل الأجل .

الثاني : أن يكون المدين ( المضمون ) موسرا . قال في منح الجليل : ” ( وله ) أي الضامن ( طلب ) الشخص ( المستحق ) بكسر الحاء المهملة أي رب الدين المضمون له ( بتخليصه ) أي الضامن من الضمان بأن يقوله ( عند حلول أجله ) أي الدين وسكوته عن طلب دينه من المضمون الحاضر المليء أو تأخيره إما أن تأخذ دينك من المضمون أو تسقط الضمان عني وظاهره سواء طلب المستحق دينه من الضامن أو لا ” ومفهوم عند أجله أنه ليس له ذلك قبل حلول الأجل .

الحط كلامه رحمه الله تعالى صريح في طلب الضامن رب الدين بأن يخلص دينه من الغريم إذا حل الأجل ، ولا حاجة إلى أن يقال فيه ظاهره سواء طلب الكفيل بما على الغريم أم لا؛ لأن الكفيل لا يتوجه عليه طلب في حضور الغريم ويسره غير أن قوله بعده لا بتسليم المال إليه لا يلائمه كل الملاءمة ، لكن يتفرع عليه قوله بعد ولزمه تأخير ربه المعسر إلخ ، ويشهد له كلام المدونة في هذه المسألة ، أو قوله ولزمه تأخير ربه وقول ابن عبد السلام في قول ابن الحاجب ، وللضامن المطالبة بتخليصه عند الطلب يعني أن رب الدين إذا توجه له الطلب على غريمه فسكت عنه أي نص على تأخيره فللحميل أن يرضى بذلك ، ويقول لرب الدين إما أن تطلب حقك من الغريم معجلا وإلا فأسقط عني الحمالة لأن في ترك المطالبة بالدين عند وجوبه ضررا بالحميل لاحتمال أن يكون الغريم موسرا الآن ويعسر فيما يستقبل ، وإنما تصح المطالبة إذا كان الغريم موسرا ، وأما إن كان معسرا فلا مقال للحميل لأن الطالب لا طلب له على الغريم في هذا الحال ا هـ . هذا ما أردت التنبيه إليه تتميما لكلام الشيخ وفقه الله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .

زر الذهاب إلى الأعلى