البحوث القانونية

التنفيذ على الأشخاص تنفيذ الأحكام في نظام المرافعات

المبحث الثاني

القسم الثاني : التنفيذ على الأشخاص

ويضم أربعة مطالب

المطلب الأول : حبس المدين

كان الإكراه البدنـي أحد وسائل الحماية التنفيذية للحق الموضوعي في العصور القديمة، فلم يكن المدين مسؤولاً عن ديونه في أمواله فقط ، بل كان جسمه أيضاً ضامناً للوفاء بها ، فقد كان الدائن في النظام الرومانـي يُحضر مدينه أمام القاضي ويسمح لكل شخص بالتدخل لوفاء الدين أو لإثارة أي إدعاء ضد التنفيذ على المدين ، فإذا لم يحدث هذا التدخل كان للدائن – دون حاجة  لأي قرار من القاضي – أن يأخذ المدين لديه ، وله أن يأسره ويقيده بالسلاسل ، ويدوم الحبس – في منـزل الدائن – ستين يوماً ، فإذا انقضت هذه المدة دون أن يقوم المدين أو غيره بالوفاء ،كان للدائن أن يقتل أسيره أو أن يبيعه كرقيقٍ في الخارج .

إلا أن اتباع هذه الإجراءات أدى إلى بعض الاضطرابات العنيفة في روما ، فتمَّ إصدار أنظمة تخفف من شدة هذه الإجراءات. ()

وفي المملكة العربية السعودية – انطلاقاً من منهج الشريعة الإسلامية التي تحمي حقوق الإنسان وتحفظ له كرامته – لا يجوز للدائن قتل مدينه ولا بيعه ، وإنما يتم حبس المدين في مكان مناسب دون أي إهانة له.

فسبق أن صدر تعميم سماحة رئيس القضاة سابقاً الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ برقم 2681/3 في 16/10/1381هـ المتضمِّن : أن على القاضي ألا ينظر في دعوى الإعسار إلا بعد تكليف المدعى عليه أولاً ، فإن امتنع فيُسجن ويُبحث عن موجوداته وتباع علناً ويسدد ما عليه ؛ وذلك حتى لا تضيع حقوق الناس . أ هـ .()

فإذا ثبت بعد ذلك عسر المدين ولم يقدر على وفاء شيء من دينه لم يطالب بالتسديد، وحَرُم سجنه وملازمته ، ولا يُلزَم بإقامة كفيل عليه بناءً على التعميم الصادر من سماحة رئيس القضاة سابقاً برقم 286 في 23/5/1379هـ .()

كما صدر تعميم وزارة العدل في السعودية برقم 12/28/ت في 14/2/1406هـ المشار فيه إلى كتاب وزارة الداخلية رقم 17/1085في 4/1/1406هـ الموجه إلى أمراء المناطق ولسعادة مدير الأمن العام المعطى للوزارة صورة منه المشتمل على اللائحة المنظمة للإجراءات التي تُتَّبع في إدارات الحقوق المدنية عند المطالبة بحقوق خاصة ، الصادرة بالقرار الوزاري رقم 20 في 2/1/1406هـ ، ومما ورد في اللائحة المنوّه عنها ما يلي :

مادة (10) : إذا ادعى المدين الإعسار فيُسجن ، ما لم يقدم كفيلاً غرمياً مليئاً يؤدي عنه الدين خلال مدة يقبلها الدائن .

مادة (15) : إذا عرفت أموال للمدين أحيل مع دائنه بعد صدور صكٍ أو حكمٍ أو قرارٍ من الجهة المختصة بثبوت الدين إلى المحكمة الشرعية لتأمر بسداد دينه ولو اقتضى الأمر أن يبيع أمواله المنقولة أو العقارية أو بعضها وذلك خلال مدة تحددهـا.

مادة (16) : إذا لم يمتثل المدين لأمر المحكمة خلال المدة التي حددتها أحيل مع دائنه إليها لتقرير بيع ما يكفي من أمواله المنقولة ثم العقارية عليه وسداد دينه من ثمنها .

مادة (17) : إذا لم يُعرف للمدين مال ظاهر يمكن بيعه عليه ومضت على سجنه مدة مناسبة بالنظر إلى مقدار الدين دون الوفاء به وأصرَّ على ادِّعاء الإعسار أحيل مع دائنه إلى المحكمة الشرعية بعد صدور الصك أو الحكم من الجهة المختصة بثبوت الدين واستحقاقه للنظر في ادعائه الإعسار.

مادة (18) : إذا تبينت المحكمة أن المدين لم يكن متلاعباً بأموال الناس ، وأن الأموال التي عليه لم تكن بسبب جرائم تعمد ارتكابها من سرقات ونحوها ، وأنه غير ظاهر أن له أموالاً يخفيها ، وثبت لديها إعساره وحكمت بذلك في مواجهة دائنيه أو بعضهم ، فيجب إطلاق سراحه والكف عن ملاحقته .

مادة (19) : إذا تبينت المحكمة أن للمدين أموالاً يخفيها ؛ حتى لا يقتضي الدائن حقه منها، أو أنه متلاعب بأموال الناس، أو أن الأموال التي عليه كانت بسبب جرائم ارتكبها من سرقات ونحوها وحكمت برفض ادعائه الإعسار أو قررت إرجاء النظر في ادعائه الإعسار، فلا يجوز إطلاق سراحه ، ويُرفع الأمر لإمارة المنطقة للتوجيه بالإجراء المناسب أو لتحديد الموعد المناسب لطلب إعادة النظر في ادعاء الإعسار .

مادة (20) لا تنظر دعوى الإعسار بخصوص الغرامات المحكوم بها إلا في مواجهة ممثل بيت المال بعد استئذان المقام السامي أما غيرها من الأموال التي تكون مستحَقَّةً للدولة فيتبع في شأن تحصيلها ما هو مقرر بنظام حماية أموال الدولة ما لم يوجد نص نظامي خاص في منع المدعى عليه من السفر ” . أ  هـ () .

وكان قد صدر أيضاً تعميم معالي وزير العدل في السعودية برقم 136/12/ت في 28/10/1402هـ المرفق به الكتاب الصادر من المقام السامي برقم 4/ص/21795 في 17/9/1402هـ المتضمن الموافقة واعتماد ما جاء في قرار مجلس القضاء الأعلى رقم 135/5/36 في 7/8/1402هـ المتضمن قواعد عامةً لإثبات الإعسار ومما ورد فيه ما يلي :

1 – من كانت عليه حقوق مالية وعجز عن وفائها ولم يكن متلاعباً بأموال الناس وثبت عسره لدى القضاء بمواجهة دائنيه بعد عجزهم عن إثبات وجود مال له ، فإن القاضي يصدر صكاً بذلك ، ومتى صدر صك مستكمل لمستلزماته وجب الكفُّ عن المعسر إلى حال يسره “. أ هـ.()

وإذا كان تنظيم الأعمال الإدارية في الدوائر الشرعية لم يتعرض لمسألة حبس المدين أو توقيفه فإن نظام المرافعات السعودي قد نصت ( المادة 230 ) منه على ما يلي : ” إذا امتنع المحكوم عليه من تنفيذ الحكم الصادر ضده لغير عذر الإعسار ولم يمكن التنفيذ على أمواله جاز للمحكوم له طلب توقيف المحكوم عليه ، بموجب عريضة يرفعها إلى الحاكم الإداري المختص ، وعلى الحاكم أن يأمر بوقف الممتنع لمدة لا تزيد عن عشرة أيام ، وإذا أصرَّ المحكوم عليه على الامتناع عن التنفيذ بعد تلك المدة فيحال إلى المحكمة التي يقيم المحكوم عليه في نطاق اختصاصها للنظر في استمرار توقيفه أو إطلاق سراحه على ضوء النصوص الشرعية “.

كما نصت ( المادة 231 مرافعات سعودي) على ما يلي :

” متى كان الامتناع عن تنفيذ الحكم بحجة الإعسار فيحال المحكوم عليه إلى المحكمة التي أصدرت الحكم للتحقق من إعساره أو عدمه ” .

ونصت ( المادة 232 مرافعات سعودي ) على ما يلي :

” إذا أدَّى المحكوم عليه بالتوقيف ما حُكم به أو أحضر كفيلاً غارماً أُطلق سراحه ، وفي كل الأحوال فمتى ظهر له مال فإطلاق سراحه لا يمنع من تنفيذ الحكم بطريق الحجز على أمواله بالطرق الاعتيادية ” . أ هـ .

زر الذهاب إلى الأعلى