البحوث القانونية

‏الدفوع المؤقتة والمطلقة: لن تعذر بجهلك بها امام موكلك او في مجلس القضاء

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذا شرح للمادتين (الحادية والسبعين، والثانية والسبعين) من نظام المرافعات الشرعية.

وقبل أن نشرع في شرح هاتين المادتين نمهد ببيان معنى الدفع وأنواعه، والتعريف بكل نوع.

التمهيد:

الدفوع: جمع (دفع)، وهو في الاصطلاح: قول يأتي به المدعى عليه لمواجهة دعوى المدعي أنواع الدفوع من جهة موضوعها:

الدفوع ثلاثة أنواع، هي:

1- دفع الدعوى (الدفع الموضوعي).

۲- دفع الخصومة (الدفع بعدم قبول الدعوى).

٣- الدفع الإجرائي

وأنّها فيما يلي:

النوع الأول: دفع الدعوى:

والمراد به: قول يُقرّره المدّعى عليه للرد على دعوى المدّعي في موضوعها.

فهو دفع الدعوى في موضوعها بالإنكار أو الإبراء أو السداد ونحو ذلك، وهو الدفع الموضوعي المتعلّق بأصل النزاع.

ومثاله: أن يدعي شخص على آخر أنه أقرضه مائة ألف ريال، فيقر المدعى عليه بذلك ويدفع بأنه سددها للمدعي أو أنه أبرأه منها

ويقصد به: إبطال دعوى المدعي نفسها والغرض الذي يرمي إليه المدعي بهذه الدعوى.

ويخص بعضهم هذا الإطلاق على ما تعلق بدفع الدعوى بعد الإقرار بالحق، مثل: الدفع بالسداد أو الإبراء ونحوهما، ولا مشاحة؛ إذ إنّه نوع منه(۱).

النوع الثاني: دفع الخصومة:

والمراد به: قول يأتي به المدعى عليه ردا على الدعوى اليدفع به الخصومة بما يردها عنه دون التعرض الموضوع الدعوى بتصديق أو تكذيب.

فهو يريد به عدم سماع الدعوى لانخرام شرط من شروطها الأساس الذي يؤدي فقدانه إلى بطلان الدعوى، وعدم إمكان تصحيحها، أو نقصانها وعدم السير فيها ما دامت على تلك الحال إلا بعد تصحيحها.

وهذه الدفوع منها ما يمنع سماع الدعوى مطلقاً، ومنها ما يمنع سماع الدعوى مؤقتاً ما دامت على تلك الحال وأنه متى صححت سمعت.

مثال الدفع المطلق للخصومة الذي يمنع سماع الدعوى مطلقاً: أن يدفع المدّعى عليه بأنّه سبق الفصل في الدعوى بحكم، أو أن الدعوى حيله ولا حقيقة لها أو أن الحق المدعى به لا يلزم شرعاً عند ثبوته كالهبة غير المقبوضة، أو أن المتنازع فيه مما لا تدخله الخصومة من المكروهات أو المستحبات، أو ليس في الدعوى مصلحة اللمُدّعي من جلب نفع أو دفع ضر، أو أن الحق المتنازع فيه غير محترم شرعاً كالمطالبة بتنفيذ عقد ربوي، أو أن الدعوى لم تنفك عما يكذبها كمطالبة الإنسان برد سيارته التي غصبها الأعي ولم يردها إليه – والسيارة عينها بيد المدّعي – (۲).

ومثال الدفع المؤقت للخصومة: الدفع بعدم تحرير الدعوى، أو عدم الاختصاص بسماعها، أو عدم أهلية الخصم فيها، أو أنها رُفعت على غير ذي صفة، أو أن العين ليست بيد المدعى عليه، ونحو ذلك من الدفوع التي تدفع الخصومة مؤقتاً ويُعاد السير في الدعوى بعد تصحيحها أو رفعها على الوجه الصحيح.

النوع الثالث: الدفع الإجرائي

والمراد به: قول يُقرره الدّعى عليه يطعن به في أمر من إجراءات الدعوى يتوصل به إلى بطلان الإجراء أو وجوب إعادته على الوجه الصحيح فهي الدفوع التي تتعلق بالإجراءات المقررة في الفقه

أو النظام، كالدفع ببطلان صحيفة الدعوى أو بطلان موعد أو إعلان قضائي، لتخلّف شيء من إجراءاته أو الطعن في شهادة شاهد لأنها سمعت بغير حضور المدعى عليه.

أنواع الدفوع من جهة وقتها:

تتنوع الدفوع من جهة وقتها نوعين:

النوع الأول: الدفوع المؤقتة:

وهي الدفوع المحددة بوقت فيجب إبداؤها قبل أي طلب أو دفاع في الدعوى، وإلا سقطت، وسوف يرد بيانها في شرح المادة الحادية والسبعين

النوع الثاني: الدفوع المطلقة:

وهي الدفوع التي يجوز إبداؤها في أي مرحلة من مراحل الدعوى غير مقيّدة بوقت أو مرحلة فيها، وسوف يرد بيانها في شرح المادة الثانية والسبعين أمّا الآن فمع شرح المادة الحادية والسبعين، ونصتها:

الدفع ببطلان صحيفة الدعوى أو بعدم الاختصاص المحلي أو بإحالة الدعوى إلى محكمة أخرى القيام النزاع ذاته أمامها أو لقيام دعوى أخرى مرتبطة بها يجب إبداؤه قبل أي طلب أو دفاع في الدعوى، وإلا سقط الحق فيما لم يبد منها

الشرح:

المراد بالدفوع المؤقتة هنا: ما حدد لها وقت تقدم فيه وتفوت بمضيه.

فمن الدفوع ما يكون محله قبل الجواب على موضوع الدعوى، وقد أسميتها «الدفوع المؤقتة»؛ لأنها مغنّاة بوقت لا تسمع بعده، وهو قبل أي طلب أو دفاع في الدعوى، ومن الدفوع ما يصح في أي مرحلة من مراحلها، وقد أسميتها «الدفوع المطلقة»، وهي غير مغنّاة بوقت، بل تصح في أي مرحلة تكون فيها الدعوي.

صور الدفوع المؤقتة:

تبين هذه المادّة صور الدفوع المؤقتة التي وقت إبدائها قبل الجواب على الدعوي مما يتضمن طلباً أو دفاعاً، وإلا فات ميعادها ولم تقبل من صاحبها، والدفوع المؤقتة التي يفوت ميعاد الدفع بها بعد الجواب على الدعوى بطلب أو دفاع هي كالتالي:

1- الدفع ببطلان صحيفة الدعوى:

كان يحصل فيها خطأ في اسم المحكمة المرفوعة إليها الدعوى أو اسم المدّعي أو المدعى عليه أو عنوانهما ما لم يمكن تصحيحه.

أما عدم تحرير الدعوي في الصحيفة فلا يبطلها أخذاً بمفهوم المادة الثالثة والستين من هذا النظام والتي أكدت بأن على القاضي أن يسأل المدعي عماهو لازم التحرير دعواه قبل استجواب المدعى عليه، وليس له ردها التحريرها ولا السير فيها قبل ذلك،

٢- الدفع بعدم الاختصاص الْحَلّي (المكاني):

وذلك كأن تقام الدعوى في غير بلد المدعى عليه فلا يسمع الدفع بعدم الاختصاص المكاني إلا إذا أيدي قبل أي طلب أو دفاع، فإن تأخر عن ذلك سقط هذا الدفع، فلو أجاب المدعى عليه على الدعوى ولم يدفع بعدم الاختصاص المكاني سقط حقه في هذا الدفع واستمر القاضي في نظر الدعوى في المكان الذي أقيمت فيه.

٣- الدفع بطلب إحالة الدعوى إلى محكمة أخرى

القيام النزاع ذاته أمامها والدفع بطلب الإحالة إلى محكمة أخرى يعني أن يقرّر الخصم المدعى عليه أنه سبق رفع الدعوى المرفوعة عليه الآن أمام محكمة أو قاض آخر مختص بالنزاع، ويطلب إحالة هذه الدعوي مع سابقتها لدى المحكمة المرفوعة لديها الدعوى أولاً والغرض من هذا الدفع منع المحكمة المرفوعة أمامها القضية ثانية من سماعها وإحالتها إلى المحكمة المرفوعة أمامها أولاً، ويتحقق الدفع بالإحالة متى كانت القضيّتان متحدثين في الموضوع والسبب والخصوم سواء أكان محل النزاع والطلب واحداً أم كان بعضه، وتدخل إحداهما في الثانية ولو رفعت إحداهما بدعوى أصليّة والأخرى بطلب ولا بد أن تكون المحكمة المطلوب الإحالة عليها مختصة بسماع النزاع، وأن تكون الخصومة في كل منهما

عارض، قائمة، فلو زالت الخصومة في إحداهما لم يصح هذا الدفع،

وكذا لو كانت المحكمة المحال إليها غير مختصة، وفي الفقرة الرابعة من اللائحة التنفيذية لهذه المادة أنه:

يشترط أن تكون السابقة قد رفعت المحكمة مختصة»..

– الدفع بطلب إحالة الدعوى إلى محكمة أخرى مختصة لقيام دعوى أخرى لديها مرتبطة بالدعوى نفسها:

والارتباط بين الدعويين يعني: وجود صلة بينهما في السبب أو الموضوع تؤكد جمعها في دعوى واحدة أمام قاض واحد والحكم فيهما معاً منعاً لتعارض الأحكام، وذلك كان يطلب أحدهما تنفيذ عقد، والآخر يطلب فسخه.

وقد عرفت الفقرة الثانية من اللائحة التنفيذية لهذه المادة الارتباط في هذه المادة باته: «اتصال الدعوي اللاحقة بالسابقة في الموضوع أو السبب، ولا يلزم اتحادهما في المقداره.

فإذا رفع شخص دعوي فدفع المرفوعة علية الدعوي بأن هذه القضية مرتبطة بالدعوى المرفوعة قبلاً لدي محكمة أو قاض آخر، وتحقق القاضي من ذلك لزم إحالتها إلى القاضي أو المحكمة الأولى والغرض من ضم الدعوى الثانية بالأولي هنا درء تعارض الأحكام في قضية يرتبط بعضها ببعض ولا يتحقق الدفع بالإحالة للارتباط إلا مع اتحاد الدعويين في الموضوع أو السبب، وأن تكون المحكمة المحال إليها مختصة بنظر الدعوى.

ومحل هذا الدفع يكون قبل الرد على موضوع الدعوى وإلا فات ميعاد الدفع، وليس معنى فوات ميعاد الدفع آن تسير المحكمتان في نظر القضيتين ولو تحقق الارتباط، بل متى ظهر من الخصومة الارتباط ولم يسمع الدفع بالارتباط من الخصم لفوات ميعاده كان للمحكمة المرفوعة أمامها الدعوى الثانية التوقف عن السير في القضية الفرعية حتى الفصل في القضية الأساس، تطبيقاً للمادة الثالثة والثمانين من هذا النظام والتي تقضي بأن المحكمة إذا رأت تعليق حكمها في موضوع الدعوى على الفصل في مسألة أخرى يتوقف عليهما الحكم، فتأمرُ بوقف الدعوى جمع الدفوع المؤقتة جاء في الفقرة الأولى من اللائحة التنفيذية لهذه المادة أنه: «إذا أبدى الخصم أكثر من دفع مما ورد في هذه المادّة فله التمسك بها في وقت واحد، وبيان وجه كل دفع على حدة، شرط إبدائها قبل أي طلب أو دفاع في الدعوى»

وقت الدفوع المؤقتة اللغائب:

إذا بلغ المدعى عليه بحضور الجلسة على الوجه الصحيح حسب النظام سواء أكان التبليغ الشخصه أم لغير شخصه ولم يحضر وسمعت عليه الدعوى بعد التبليغ الصحيح – لم تسمع منه الدفوع المؤقتة بعد تلك الجلسة التي باشر فيها القاضي سماع الدعوى؛ إذ إنه يعد قد تبلغ بالدعوى حكماً وأسقط حقه في هذه الدفوع، والمعلن إليه بالتبليغ يعد مبلغاً بالدعوي متى تم التبليغ وفق الأصول ولو لم يكن لشخصه.

الدفوع المطلقة

لقد عالجت المادة الثانية والسبعون الدفوع المطلقة، ونصها: «الدفع بعدم اختصاص المحكمة التوعي، أو الدفع به بعدم قبول الدعوى لانعدام الصفة أو الأهليّة أو المصلحة أو لأي سبب آخر، وكذا الدفع بعدم سماع الدعوى تحكم به المحكمة من تلقاء نفسها، ويجوز الدفع به في أي مرحلة تكون فيها الدعوي».

المراد بالدفوع المطلقة هنا: هي التي لم يحدد لها وقت تفوت بمضيّه، بل تسمع في أي مرحلة تكون فيها الدعوى، وشرح هذه المادة حسب الآتي:

(هذه المادة الثانية والسبعون) تبين الدفوع المطلقة التي تسمع في أي مرحلة من مراحل سير الدعوي، وهي دفوع يحكم بها قاضي الدعوى من تلقاء نفسه ولو لم يطلب الخصم ذلك، وهذه الدفوع كالتالي:

1- الدفع بعدم الاختصاص النوعي:

وذلك كان ترفع دعوى عقاريّة إلى محكمة غير مختصة بنظر قضايا العقار، وكان ترفع دعوي في نصاب من المال أمام محكمة لا تختص بسماع الدعوى في هذا النصاب.

٢- الدفع بعدم قبول الدعوى

وذلك يكون التخلف شرط من شروط الدعوي الأساس، كعدم الصفة بأن يكون المدّعي أو المدعى عليه ليس صاحب الحق ولا نائبا عنه وكعدم الأهلية بأن يكون الخصم مجنوناً أو قاصراً، أو عدم تحقق المصلحة للخصم في الدعوى، أو الدفع بعدم قبول الدعوى لأي سبب آخر.

٣- الدفع بعدم سماع الدعوي:

وذلك مثل الدفع بسبق الفصل في القضية نفسها بحكم قضائي، فالقضية متي فصلت مرّة فلا تعاد الخصومة فيها مرة ثانية، ولذا فإن للمدعى عليه الحق في الدفع بعدم سماع الدعوى في أي مرحلة من مراحلها.

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

زر الذهاب إلى الأعلى