الأحكام والاستشارات القضائيةالإستشارات القانونيةالبحوث القانونية

يجوز للقاضي تأسيس حكمه على القرائن وحدها، أو أن يجعلها دليلا مكملا للحكم

‏القرائن:

يجوز للقاضي تأسيس حكمه على القرائن وحدها ،أو أن يجعلها دليلا مكملا للحكم، ومن هنا فإن القدرة على استنباط القرائن من وقائع الدعوى وأقوال الخصوم والشهود تمثل سمةً لابد من توافرها في القاضي والمحامي الصفحات أدناه من كتاب(الكاشف في شرح نظام المرافعات للشيخ/عبدالله آل خنين)

‎‎‎شروط استنباط القرائن القضائية:

يجب أن تتحقق في الاستنباط الذي يجريه القاضي للقرينة القضائية الشروط التالية: (1)

1- أن يشهد الشرع للمعنى المستنبط، فلا يعتد باستنباط لا يقرّر حقيقةً شهد لها الشرع.

2- أن يكون المعنى المستنبط مؤثراً في ثبوت الواقعة المتنازع فيها بحيث يؤدي إلى ثبوت الواقعة القضائية المؤثرة أو أحد أوصافها، فلا يعتد باستنباط ثبوت وصف مؤثر شهد الشرع بالاعتداد به ولكنه لا يتعلق بموضع النزاع.

3- ألا يعارض المعنى المستنبط ما هو أقوى منه من العلل والمعاني التي تؤدي إلى نفي الواقعة المؤثرة أو المعنى المستنبط لأجل ثبوتها، فمثلاً: يستدل على القتل العمد بالآلة المستخدمة في القتل؛ فمن قتل شخصاً بمسدس كان ذلك دالاً على العمدية في القتل، لكن لو عارض هذا قرائن قوية أو بينة تدل على أن القاتل لم يقصد القتل وإنما انطلقت الرصاصة من المسدس خطاً ـ عُمِل بذلك، وكان القتل خطأ.

4- أن يكون الاستنباط كافياً، مبيناً فيه المعنى المستنبط، والأدلة والوقائع المستفاد منها، والرد على ما يعارضه من أقوال الخصوم ودفوعهم وبيناتهم، ولا يكون مجرد ظنّ ضعيف، ولا خارجاً عن طرق الاستدلال المقرّرة شرعاً في تفسير الوقائع من دلالة النص والظاهر، وبيان المجمل، والجمع بين الوقائع عند تعارضها، فلا ينتقل القاضي من معنى راجح إلى معنى دونه دون أن يكون لذلك مسوغ يبيّنه، ولا من مفهوم مع ظهور منطوق يعارضه، ولا يهجم على تفسير مجمل من غير توضيح مُبينه، ولا صارفاً الدلالة الأصلية للأمر والنهي إلى معنى آخر من غير بيان الدليل الذي يعضده، ولا مقررة نسخ واقعة أو دليل من غير بيان مستنده.

5ـ أن يكون الاستنباط متسلسلاً، ينتقل فيه مقرّره من المقدمات إلى النتائج، ومن المعلوم إلى استنباط المجهول وتقريره، ومن الدليل إلى المدلول، وعلى القاضي التأكد من صحة استنباطه واستنتاجه بتكرار التأمل والنظر، وتفحص ما ظهر له، مستعيناً في ذلك بالمحاورة الذهنية الهادئة، وذلك بتقمص شخصية المخالف بافتراض الاعتراض والإجابة عليه ذهنيًا، فمن الخطأ السير في فرض واحد مع عدم افتراض ما يعارضه؛ وذلك حتى يتبين له استنتاجه كالشمس المضيئة.

6- أن يكون الاستنباط مبنيا على واقعة ثابتة مما تداعي فيه الخصوم وقدموه إلى القاضي، وتمّ تدوينه لديه، فلا يستدل القاضي أو يستنبط من أقوال أو أدلة لا سند لها في ضبط القضيّة وأوراق الدعوى.

انفراد القرينة في الدلالة أو تركيبها مع غيرها من الأدلة :

تبين هذه المادة أن القرينة قد تكون دليلاً مستقلاً لثبوت الواقعة والاعتماد عليها في الحكم، وقد تكون تكميلاً لدليل ناقصي ثبت لدى القاضي ويتركب منهما معاً قناعة القاضي في ثبوت الحق وإصدار الحكم، ولو انفرد أحدهما لم يكف لحمل الحكم.

وعلى القاضي في كل الأحوال أن يبيّن مصدر القرينة الذي اعتمده في ثبوتها، وكذا عليه بيان وجه الدلالة منها – كما في الفقرة الأولى من اللائحة التنفيذيّة لهذه المادة.

إثبات العكس في القرينة القضائية، وأثره على حجيتها:

المادة السادسة والخمسون بعد المائة من نظام المرافعات الشرعية، لكل من الخصوم أن يثبت ما يخالف القرينة التي استنتجها القاضي، وحينئذ تفقد القرين قيمتها في الإثبات.

الشرح:

الأصل في القرائن القضائية الظاهرة حجيْتُها، ويجوز إثبات ما يخالفها، وحينئذ تسقط حجيّتها في القضية محل الدعوى، أو تكون القرينة المضادة أقوى فيثبت ما عارض القرينة الأولى، أو تنفي ما أثبتته القرينة الأولى، وقد تتساوى القرينتان في قوة الدلالة المتعارضة فيعمل بالترجيح، وإذا لم تترجح إحداهما على الأخرى سقطتا معاً.

وهذه المادة تبين حجيّة القرينة القضائية، وأنه يجوز إثبات مايخالفها، وحينئذ تفقد القرينة حجيّتها في الإثبات.

وكذا من القرائن الفقهيّة ما يقبل إثبات العكس، فمثال من عُمِل فيه بخلاف القرينة الفقهيّة: أن الآلة القاتلة دليل العمديّة في القتل، ولكن قد يحف بواقعة القتل من القرائن ما يدل على عدم قصد الجاني تَعَمُدّ قتل المجني عليه، فلا يثبت العمد وإن استخدمت فيه آلة قاتلة، وقد عُمِل بذلك في حكم مؤيد من محكمة التميز.

وفي بعض القرائن الفقهيّة كحيازة العين مدّة طويلة عرفاً تقبل هذه القرينة إثبات العكس بالإقرار أو النكول عن اليمين، ولا تثبت بسائر البينات.

وإذا حصل تعارض بين القرينة والإقرار والشهادة فالأصل حجيّة الإقرار ثم الشهادة، لكن قد تُقدّم القرينة عليها، يقول ابن القيم (ت: ٧٥١هـ): «ولم يزل خذاق الحكام والولاة يستخرجون الحقوق بالفراسة والأمارات، فإذا ظهرت لم يقدموا عليها شهادة تخالفها أو إقراراً (2).


  • (1) كتابنا: توصيف الأقضية في الشريعة الإسلاميّة» ۲/ ۱۳۳-١٣٥. 
  • (2) الطرق الحكمة في السياسة الشرعية ۳۲.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى