البحوث القانونيةشرح القواعد الفقهية

القاعدة السادسة والثلاثون: العادة محكمة, شرح القواعد الفقهية

القاعدة السادسة والثلاثون: العادة محكمة

118- معنى القاعدة:

العادة هي تكرار الشيء ومعاودته حتى يتقرر في النفوس ويكون مقبولًا عندها. ومعنى القاعدة: إن العادة عامةً كانت أو خاصة تجعل حكمًا لإثبات حكم شرعي، والعرف بمعنى العادة، وإنما تجعل العادة حكمًا لإثبات حكم شرعي إذا لم يرد نص بذلك الحكم المراد إثباته، فإذا ورد النص وجب العمل به ولا يجوز ترك النص والعمل بالعادة بدلًا عنه، والأصل في هذه القاعدة ما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن” وهذا الأثر وإن كان موقوفًا على ابن مسعود إلا أن له حكم المرفوع، لأنه لا مدخل للرأي فيه.

119- من أمثلة القاعدة وفروعها:

إن ألفاظ الواقفين تفسر حسب عاداتهم وأعرافهم، ومنها: من دفع ثوبه إلى من يخيطه أو يغسله، أو ركب سفينة وصاحبها معروف بأخذ الأجرة، وكذا الخياط والغسال إذا كانا معروفين بأخذ الأجرة، استحق هؤلاء الأجرة، بحكم العرف، ومنها: كل ما جرى العرف على اعتباره من مشتملات المبيع فإنه يدخل في البيع من  غير ذكر، كالحديقة المحيطة بالدار تدخل في عقد البيع معه بلا ذكر لعرف الناس بذلك.

120- شروط العمل بالعادة:

أولًا: يشترط للعمل بالعادة أن تكون مطردة أي لا تختلف، أو غالبة أي تتخلف أحيانًا كما جاء في القاعدة الأخرى وهي: “إنما تعتبر العادة إذا اطردت أو غلبت”.

ثانيًا: وأن تكون هذه العادة مقارنة لحصول الشيء الذي نريد معرفة حكمه بالعادة أو سابقة عليه، ولا تعتبر العادة أو العرف الطارئ بعد حدوث الشيء المراد تحكيم العرف والعادة فيه.

وعلى هذا يجب تفسير شروط الواقفين بموجب العرف الذي كان قائمًا وقت إنشاء هذه الشروط وليس بموجب العرف الطارئ الذي حدث بعد تلك الشروط.

كما لو كان من شرط الواقف صرف غلته على طلبة العلم في صنعاء، وكان العرف آنذاك يقضي بحمل عبارة “طلب العلم” على طلبة العلم الديني، فلا يجوز حمل معنى هذه العبارة على العرف القائم الآن وهو أن المراد بطلبة العلم طلبة أي علم.

ثالثًا: كما يشترط لاعتبار العادة أن لا تكون مخالفة لنص الشارع ولا لشرط العاقدين.

121- القواعد المتفرعة من قاعدة “العادة محكمة”:

أ-بناء على رعاية العرف أو العادة جاءت القاعدة الفقهية “المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا” أي: ما جرى به العرف يراعي ويعتبر من دون حاجة لاشتراطه في عقود الناس وتصرفاتهم فالنوم في الفنادق والغسل في الحمامات والأكل في المطاعم، وركوب سيارات الأجرة كل ذلك يستلزم دفع الأجرة لأن العرف يقضي بذلك وإن لم نذكر من قبل أطراف العقد، وكذلك إذا عمل شخص لآخر من غير اتفاق على أجرة ينظر إلى العرف فإن كان يقضي له بالأجرة استحق الأجرة كالدلال، وإن لم يقض له بها لم يستحق الأجرة.

ب-وتفرعت أيضًا من هذه القاعدة قاعدة أخرى هي: “التعيين بالعرف كالتعيين بالنص” أي: إن ما يقضي بتعيينه العرف يكون كالمعين بالنص الصريح كالتوكيل في البيع المطلق يحمل على البيع بثمن المثل، والودائع يقضي العرف بأن يحفظها الوديع في حرز مثلها المعتاد وإن لم يشترط ذلك المودع، ولو استأجر دكانًا في سوق البزازين لا يشغله بصنعة الحدادة وما تستدعيه من استعمال النار، وإنما يستعمله بما جرت عليه العادة في استعماله في هذا السوق.

ج-وتفرعت أيضًا من هذه القاعدة قاعدة: “المعروف بين التجار كالمشروط بينهم” مثلًا: لو اشترى شيئًا من السوق بثمن معلوم دون تصريح بثمن حال أو مؤجل، وكان المتعارف عليه بين التجار أن البائع يأخذ الثمن بعد مدة معينة: أسبوع أو شهر، أو يأخذه مقسطًا بآجال شهرية، انصرف الثمن إلى هذا المتعارف عليه بلا حاجة إلى ذكره صراحة، لأنه حيث كان ذلك متعارفًا عليه عند التجار فقد صار كأنهما قد اتفقا عليه.

د-وتفرعت أيضًا من هذه القاعدة قاعدة: “استعمال الناس حجة يجب العمل بها” وعليها جاءت المادة 389 من مجلة الأحكام العدلية ونصها: “كل شيء تعومل استصناعة يصح فيه الاستصناع على الإطلاق”.

وكذلك المادة 577 من المجلة: “إن دوَّر دلالٌ مالًا ولم يبعه وبعد ذلك باعه صاحب المال فليس للدلال أخذ الأجرة، وإن باعه دلال آخر فليس للأول شيء، الأجرة كلها للثاني”، لأن الدلال عادة لا يستحق الأجرة بعرض المبيع للبيع، بل بوقوع البيع حقيقة، ومن أمثلة “استعمال الناس حجة يجب العمل بها” لو استعان برجل في سوق لبيع متاعه، وبعد البيع طالبه بالأجرة، ينظر إلى تعامل أهل السوق فإن كانت العادة أن من يعمل مثل هذا العمل يعمله بأجر فله أجر مثله وإلا فلا”.

زر الذهاب إلى الأعلى