البحوث القانونية

أقوال الفقهاء في ما يتعلق الرجعة الزوجية

المطلب الأول: الرجعة بالقول وتشمل:

الفرع الأول: الرجعة بالقول في الفقه

قسم الفقهاء الرجعة بالألفاظ القولية إلى قسمين:

القسم الأول: الرجعة بالألفاظ الصريحة.

وقد اتفق الفقهاء على صحة الرجعة باللفظ الصريح دون الحاجة إلى نية؛ وذلك لعدم حملها على معنى آخر غير إرادة الرجعة[15]، مثل قوله راجعتك، وارتجعتك، وأرجعتك، وبكل ما اشتق منها، وهذا ما دلت عليه السنة النبوية عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مره فليراجعها)[16]، وقد اشتهر هذا اللفظ فيها، ولذا قال ابن قدامه:” ويتخرج أن يكون لفظها هو الصريح وحده لاشتهاره دون غيره”[17].

وقد اعتبر فريق من العلماء ومنهم الحنفية والحنابلة[18] أن لفظ رددتك، وأمسكتك، لفظ صريح لا يحتاج إلى نية، وحجتهم في ذلك آيات القرآن الكريم التي وردت فيها أحكام الرجعة والتي دلت عليها بلفظي الرد والإمساك قال تعالى: }وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا{ ]البقرة:228[، وقال تعالى: }فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ{ ]البقرة :231[.

في حين اعتبر المالكية والشافعية[19] لفظ (رددتك وأمسكتك) من ألفاظ الكنايات التي تحتاج إلى نية لتحصل الرجعة، فكلمة الرد محتملة؛ فقد تحتمل إرادة الإرجاع، وقد تحتمل غيره كأن يقصد رددتك إلى أولادك، وكذلك الإمساك فربما أراد إمساكها عن الخروج من البيت.

والقول الراجح لدى الباحث أن لفظ (رددتك وأمسكتك) ألفاظ صريحة في صحة الرجعة لا تحتاج إلى نية لوجود النص، ولأن المحافظة على بقاء الأسرة يقتضي توسيع دائرة ما تحصل به الرجعة.

 

القسم الثاني: الرجعة بالألفاظ الكنائية

وهي تلك الألفاظ التي تحتمل أكثر من معنى، فقد تدل على الرجعة وقد تدل على غيرها، مثل قول الزوج أنت عندي كما كنت.

وهذه الألفاظ اختلف فيها الفقهاء على قولين:

القول الأول: جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية[20] ذهبوا إلى صحة الرجعة بالألفاظ الكنائية ولكنها تحتاج إلى نية فيسأل عن مراده من هذه الألفاظ، فإن قصد الرجعة فهي رجعة، وإلا فلا.

القول الثاني: ذهب الحنابلة[21] إلى عدم صحة الرجعة باللفظ الكنائي؛ لأن الرجعة استباحة بضع مقصود فلا تحل بالكناية كالنكاح، ولا بدّ من اللفظ الصريح الذي لا يحتمل غير معنى الرجعة.

والقول الراجح الذي يراه الباحث هو عدم تقييد الرجعة بلفظٍ أو ألفاظ معينة، فقد تختلف الألفاظ باختلاف الزمان والمكان والأشخاص ولذلك نرى عدم قصْر وتحديد ألفاظ الرجعة بألفاظٍ محددة لا تتعداها إلى غيرها بل تكون الرجعة بما يدل عليها عرفاً مفهوماً للزوجة مقصوداً للزوج[22]، فمقصود الشارع المحافظة على ديمومة الأسر، والحفاظ على بقائها ما كان إلى ذلك سبيلا، فأي لفظٍ حقق المقصود فقد تمت الرجعة.

 

الفرع الثاني: الرجعة بالقول في القضاء الشرعي الأردني

بالرجوع إلى المادة (98) السالفة الذكر تبين لنا أن المادة أعطت الحق للزوج في إرجاع مطلقته رجعياً أثناء العدة قولاً وهي كلمة عامة تشمل الألفاظ الصريحة، والألفاظ الكنائية، وبما أن هذه المادة لم تصرح بذلك فبقيت الكلمة عامة فلا بد أذن لتحديد المقصود منها بإتباع أحد أمرين:

1- الرجوع إلى الراجح في مذهب أبي حنيفة حسب المادة (325) من قانون الأحوال الشخصية والتي تنص: “على أن ما لا ذكر له في هذا القانون يرجع فيه إلى الراجح من مذهب أبي حنيفة”.

أو بالرجوع إلى المادة (324) من القانون نفسه والتي تنص على أنه: “تطبق نصوص هذا القانون على جميع المسائل التي تناولتها في لفظها أو في فحواها ويرجع في تفسيرها واستكمال أحكامها إلى المذهب الذي استمدت منه”.

وعليه وعملا بما سبق فإن الرجعة تصح بالألفاظ الصريحة بلا نية وتحتاج إلى النية في ألفاظ الكناية وفقا للتفصيل الفقهي السابق وعملا بالمادتين (325،324) السابقتين.

2– الرجوع إلى اجتهادات المحاكم الشرعية وما جرى عليه العمل فيها:

جاء في المادة (232) من كتاب الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية لمحمد قدري والمأخوذ من المذهب الحنفي والمعمول به في المحاكم الشرعية الأردنية: “تصح الرجعة قولاً براجعتك ونحوه خطاباً للمرآة أو راجعت زوجتي إن كانت غير مخاطبة وفعلاً بالوقاع ودواعيه التي توجب حرمة المصاهرة ولو اختلاساً منه أو منها”[23].

وجاء في قرار محكمة الاستئناف الشرعية رقم (11247): “وتبين أنهما تصادقا على أن الزوج ارجع زوجته أثناء العدة قولا وفعلا لذلك فقد كان على المحكمة أن تؤيد الحكم بالطلاق وتحكم بصحة الرجعة”[24]. وهذا القرار يدل على صحة الرجعة بالقول بصورة عامة.

كما جاء في قرار محكمة الاستئناف الشرعية رقم (15668): “أن الرجعة القولية التي يدعي بها مشروط لقبولها أن تشتمل على لفظ يعتبرها كأرجعت، ورددت، وأمسكت، أما مجرد الاعتراف بالزوجية بعد أي طلاق رجعي فلا يفيد رجعة لأن مثل هذا الطلاق لا يزيل الزوجية”.

وعليه فإن التطبيق العملي للمحاكم الشرعية اعتبر أن لفظ أرجعت ورددت وأمسكت من الألفاظ الصريحة التي لا تحتاج إلى نية.

وجاء أيضاً في قرار محكمة الاستئناف الشرعية رقم (37215): “في أن الدعوى غير صحيحة حيث لم يذكر فيها صيغة المراجعة القولية سواء في اللائحة أو التوضيح في المحضر وهو ما لا بد منه لصحة الدعوى” انظر قرار محكمة الاستئناف رقم (30643).

كما جاء في قرار محكمة الاستئناف الشرعية رقم (40975 تاريخ 27/7/1996م)” “فإن لفظ أنت امرأتي من ألفاظ الكنايات فلو نوى بها الرجعة حصلت الرجعة وإلا لا”[25]، وهذا يدل على لفظ أنت زوجتي أو امراتي إن قصد بهما الرجعة صحت الرجعة وإلا فلا؛ لأن الطلاق الرجعي أصلا لا يزيل الزوجية فلا بد إذن من نية الرجعة في هذه الألفاظ.

ومن هنا يتضح أن التطبيق العملي في المحاكم الشرعية اعتبر الألفاظ الصريحة كأرجعت ورددت وأمسكت ألفاظ صريحة لا تحتاج إلى نية، بينما الألفاظ الكنائية تحتاج إلى نية، وفي كلا الأمرين لا بد أن تكون صيغة المراجعة القولية واضحة ومذكورة، وذلك كشرط لصحة الدعوى.

 

المطلب الثاني: الرجعة بالفعل وتشمل:

أولا: الرجعة بالجماع والمعاشرة الزوجية.

ثانيا: الرجعة بمقدمات الجماع.

اختلف الفقهاء في صحة الرجعة بالفعل وهو الجماع أو مقدماته على قولين:

القول الأول: عدم صحة الرجعة بالجماع أو مقدماته، وهو قول الشافعي[26]، وابن حزم[27]، وهذا ما أشار إليه الشافعيّ في الأم بقوله: “بعدما تبين أن الرجعة حق للأزواج وأن الرد ثابت لهم دون رضا المرأة والرد يكون بالكلام دون الفعل من جماع وغيره؛ لأنه رد بلا كلام، فلا تثبت رجعة لرجل على امرأته حتى يتكلم بالرجعة، كما لا يكون نكاح ولا طلاق حتى يتكلم بهما، فإذا تكلم بهما في العدة ثبتت له الرجعة”.

ولكن ابن حزم اختلف مع الشافعي في المعاشرة أثناء العدة، حيث اعتبر أنّ من حق الزوج النظر لزوجته أثناء العدة، بل ويحق له مجامعتها فهو ما زال بعلاً لها بدليل قوله تعالى:}وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا{ ]البقرة:228[ . ولا يعني مجامعتها أنّه ردّها إلى عصمته، فإذا أراد ردّها إلى عصمته فلا بدّ من شروط ثلاثة:

  • أن تكون بلفظ الرجعة.

  • وأن يُشهد على ذلك.

  • وأن يُعلمها بالرجعة أيضاً.

فما عدا هذه الشروط فلا يعتبر مراجعاً لزوجته[28].

القول الثاني: صحة الرجعة بالجماع ومقدماته، وهو قول الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة[29]، وقد تباينت آراؤهم إلى ثلاثة آراء:

أولا: تصح الرجعة بالجماع ومقدماته دون الحاجة إلى نية، وهذا قول الحنفية، وقد اعتبروا أنّ النظر إلى غير الفرج ليس رجعة، كما قيدوا اللمس والتقبيل والنظر إلى الفرج بالشهوة، وبذلك يخرج نظر غير الزوج، ويدلّ على ذلك[30]:

1-أن الزوجية مستمرة بين الزوجين في عدة الطلاق الرجعي، وتترتب عليها جميع آثار النكاح، ومنها الوطء ومقدماته.

2- أن الزوجية مستمرة بينهم، وتستمر كذلك إلى انقضاء العدة.

3- أن الفعل الصريح يترجم نية الفاعل، فوطء الزوج لزوجته، أو لمسها او تقبيلها بشهوة، يدلّ على إرادة الزوج إعادة زوجته إلى عصمته.

ثانيا: تصح الرجعة بالجماع ومقدماته إذا اقترن ذلك بالنية، وهو قول المالكية[31]، فاقتران الجماع ومقدمته بنية الزوج إرجاع زوجته إلى عصمته أقوى من لفظ الإرجاع، فالجماع أو النظر أو التقبيل أو اللمس بنية رجعة، في حين أن فعل ذلك ولو بشهوة مع عدم توفر النية للرجعة فلا يعتبر رجعة.

ثالثا: فرّق أصحاب هذا القول بين الجماع ومقدماته؛

فإذا حصل الجماع حصلت الرجعة ولو بدون نية، في حين أنّ مقدمات الجماع من لمس ونظرٍ وتقبيل وغير ذلك لا يعتبر رجعة، وهذا قول الحنابلة[32]، وذلك قياساً على الإبلاء، فكما أنّ الوطء للزوجة في الإيلاء يعتبر رفعا للحكم، فكذلك الوطء في الرجعة.

وأمّا عن مقدمات الجماع فللحنابلة روايتان[33]:

الأولى: الرجعة لا تصحّ بمقدمات الجماع، وذلك لأنّ فعل هذه الأشياء لا يترتب عليه مهر ولا عدة ولا نسب، فكذلك لا يترتب عليه رجعة.

كما أنّ هذا النظر أو اللمس أو غيره مثلما يقع من الزوج فقد يقع من غيره أيضاً.

الثانية: الرجعة تصح بفعل مقدمات الجماع؛ لأنّ فعل هذه الأشياء من الزواج لا تخلو من الاستمتاع، وما دام حصل الاستمتاع، فتصح الرجعة بها كما صحت بالجماع، فكلاهما فيه استمتاع، ولو بنسب ٍ مختلفة.

الراجح: بعد استعراض آراء الفقهاء وأدلتهم ووجهات نظرهم، نرى أن الأقرب للصواب وتحقيق المقصود من الرجعة هو اعتبار الجماع رجعة، فالفعل -الجماع- أقوى دلالة على إرادة الرجعة من القول، فهل يعقل أن يجامع الزوج زوجته دونما إرادة منه بإرجاعها؟

وأمّا مقدمات الجماع فهي كاللفظ الكنائي، إذ لا بدّ فيه من نية الرجل في إرجاع امرأته إلى عصمته، إذا دلّ العرف على أنّ هذا الفعل يراد به الرجعة، وهذا ما أيده ابن تيمية في ترجيحه لرأي المالكية[34].

 

الفرع الثاني: الرجعة بالفعل في القضاء الشرعي الأردني:

لقد نص قانون الأحوال الشخصية الأردني -كما أسلفت- في المادة (98)  على صحة الرجعة بالفعل فجاء فيها: “أن للزوج حق إرجاع مطلقته رجعيا أثناء العدة قولا وفعلا، وهذا الحق لا يسقط بالإسقاط، ولا تتوقف الرجعة على رضا الزوجة، ولا يلزم بها مهر جديد”.

وجاء في المادة (232) من كتاب الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية لمحمد قدري والمأخوذ من المذهب الحنفي والمعمول به في المحاكم الشرعية الأردنية ليفسر لنا معنى الفعل فقال: “تصح الرجعة قولا براجعتك ونحوه خطاباً للمرأة أو راجعت زوجتي إن كانت غير مخاطبة، وفعلا بالوقاع ودواعيه التي توجب حرمة المصاهرة”[35].

وجاء في قرار محكمة الاستئناف الشرعية رقم (11247): “وتبين أنهما تصادقا على أن الزوج ارجع زوجته أثناء العدة قولا وفعلا لذلك فقد كان على المحكمة أن تؤيد الحكم بالطلاق وتحكم بصحة الرجعة”[36].

ولمزيد من الإيضاح نذكر على سبيل المثال لا الحصر بعض القرارات الصادرة عن محكمة الاستئناف الشرعية والتي تحدد ما هي الأفعال التي تصح الرجعة بها وما لا تصح على النحو التالي:

القسم الأول: الأفعال التي تصح بها الرجعة: لقد جرى اجتهاد محكمة الاستئناف الشرعية على أن مقدمات الجماع كالتقبيل واللمس بشهوة أثناء فترة العدة يعتبر رجعة ومن ذلك ما يلي[37]:

1- “الحكم بثبوت الرجعة بين الزوج وزوجته من الطلاق الرجعي الذي أوقعه عليها بتصادق الطرفين على حصول التقبيل واللمس بشهوة أثناء العدة صحيح وصدق قرار رقم (42235)”.

2- “صرح الفقهاء بأن الرجعة بالفعل تكون بفعل ما يوجب حرمة المصاهرة  قرار رقم ( 10313)”.

3- “رجوع الزوجة إلى بيت زوجها بعد الطلاق الرجعي خلال العدة لا يعتبر كافيا في إثبات الرجعة الشرعية ما لم يتصادقا على أنه عاشرها خلال فترة العدة قرار رقم (14330)”.

4- “فإذا تمت المعاشرة خلال فترة العدة تكون رجعة بالفعل وعند ذلك فلا وجه للحكم بالعدة بعد الرجعة قرار رقم (37507)”.

5- “الحكم بثبوت الرجعة بين الزوج وزوجته من الطلاق الرجعي الذي أوقعه  عليه لتصادق الطرفين على حصول التقبيل واللمس بشهوة أثناء العدة الشرعية صحيح وصدق قرار رقم (42235)”.

وعليه فإن هذه القرارات بمجملها تدل دلالة واضحة على أن الرجعة تحصل بالجماع بدون نية، وبدواعيه كالتقبيل واللمس بشهوة أثناء فترة العدة من الطلاق الرجعي.

 

القسم الثاني: الأفعال التي لا تصح بها الرجعة:

لقد جرى اجتهاد محكمة الاستئناف الشرعية على أن مجرد التسليم، أو المساكنة، أو إرسال جاهه، أو الاعتراف بالزوجية، أو الرغبة في الإرجاع….. وغيرها لا يعتبر رجعة، ومن ذلك ما جاء في قراراتها الشرعية[38]:

1-“اعتراف الزوجة بإرسال الزوج رسولاً إليها للرجوع إلى بيته، ومساكنته لا يعتبر اعترافاً بالرجعة، كما أن رجوعها إلى البيت وسكناها فيه لا يدل على الرجعة، لأن سكناها في بيت الزوجية أثناء العدة مطلوب منها شرعاً؛ لقوله تعالى: }لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ{ [الطلاق: 1]، والمساكنة ليست دليلا على الرجعة كما هو منصوص عليه في المتون. انظر متن القدوري وشرحه الجوهرة النيرة قرار رقم (11247)”.

2- جاء في الجوهرة النيرة[39] في باب الرجعة: ” أن المسافرة بالمطلقة رجعيا لا تكون أعظم من السكنى معها في منزل واحد، وذلك لا يكون رجعة فكذلك المسافرة بها قرار رقم (11333)”.

3- “رجوع الزوجة إلى بيت زوجها بعد الطلاق الرجعي خلال فترة العدة لا يعتبر كافيا في إثبات الرجعة الشرعية، ما لم يتصادقا على أنه عاشرها خلال العدة قرار رقم (14330 )”.

4- “قول الزوج أريد إرجاعها إلى عصمتي لأنها ما زالت في العدة لا يثبت بذلك رجعة؛ لأن إرادة الرجعة لا تثبت الرجعة بالفعل ما لم يصدر عن المطلق ما يتحقق به هذه الرجعة قولا أو فعلا قرار رقم (19652)”.

5- “مجرد إرسال الزوج الجاهة لإرجاع الزوجة لا يكفي لصحة دعوى الرجعة، ما لم يدع أنه أرجعها خلال عدتها الشرعية، ويبين ألفاظ المراجعة قرار رقم (22090 )”.

6- “صرح الفقهاء بأن الرجعة بالفعل تكون بفعل ما يوجب حرمة المصاهرة،  ومجرد التسليم لا يغني عن ذلك، ولا بد لصحة الرجعة بعد التطليق من حصول الرجعة بالقول أو الفعل خلال العدة، قرار رقم  (10313)”.

7- “أما مجرد الاعتراف بالزوجية بعد أي طلاق رجعي فلا يفيد الرجعة؛ لأن مثل هذا الطلاق لا يزيل الزوجية، انظر المادة (232) من الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية لمحمد قدري وشرحها للأبياني قرار رقم (15668)”.

من خلال ما سبق ذكره من قرارات لمحكمة الاستئناف الشرعية يتضح لنا أن مجرد التسليم، أو المساكنة، أو إرسال جاهه، أو الاعتراف بالزوجية، أو الرغبة في الإرجاع، أو السفر….. وغيرها لا يعتبر رجعة.

 

المبحث الثالث

الأحكام الفقهية العملية المتعلقة بالرجعة[40]

 

المطلب الأول: صحة الرجعة هل تتوقف على رضا الزوجة؟

يجوز للرجل أن يرجع زوجته التي طلقها طلاقاً رجعياً خلال فترة العدة إلى عصمته لقوله تعالى: }وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا{ ]البقرة:228[، ولا تتوقف صحة الرجعة على رضاها فقد جاء في حاشية ابن عابدين ما نصه: “فله الرجعة؛ لأنه حكم أثبته الشارع غير مقيد برضاها…” ومع أن صحة الرجعة لا تتوقف على رضا الزوجة إلا أنه يستحب إعلامها بها، فقد جاء في حاشية ابن عابدين ما نصه: “وندب إعلامها بها (أي الرجعة) لئلا تنكح زوجا غيره بعد العدة”[41].

هذا وقد نصت المادة رقم (231) من الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية لمحمد قدري وشرحها للأبياني: “كل من طلق زوجته المدخول بها حقيقة تطليقة واحدة رجعية أو تطليقتين فله أن يراجعها… ما دامت في العدة سواء علمت بالرجعة أو لم تعلم وسواء رضيت بها أو أبت…”[42].

كما نصت المادة (98) من قانون الأحوال الشخصية الأردني: “للزوج حق إرجاع مطلقته رجعيا أثناء العدة قولا وفعلا … ولا تتوقف صحة الرجعة على رضا الزوجة…”.

 

المطلب الثاني: إسقاط حق الرجعة

فقد نص الفقهاء على أن الرجعة: “لا تسقط بالإسقاط ولا تقبل تعليقا ولا تأقيتا”[43]، وهو حق أثبته الشارع فلا يسقط بالإسقاط، فقد جاء في حاشية ابن عابدين ما نصه: “فله الرجعة؛ لأنه حكم أثبته الشارع غير مقيد برضاها ولا يسقط بالإسقاط كالميراث”[44]، وذلك لأن هذا الحق ثابت له يملك إنشاؤه خلال فترة العدة متى ما أراد[45].

هذا وقد نصت المادة رقم (231) من الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية لمحمد قدري وشرحها للأبياني: “كل من طلق زوجته المدخول بها حقيقة تطليقة واحدة رجعية أو تطليقتين فله أن يراجعها ولو قال لا رجعة لي….”[46].

كما نصت المادة (98) من قانون الأحوال الشخصية الأردني: “للزوج حق إرجاع مطلقته رجعيا أثناء العدة قولا وفعلا، وهذا الحق لا يسقط بالإسقاط”.

 

المطلب الثالث: الرجعة أثناء فترة العدة لا يلزم بها مهر وعقد جديدان

فمن المقرر فقهاً أن الرجل إذا طلق زوجته طلاقاً رجعياً وأراد إرجاعها خلال فترة العدة فإنه لا يلزمه عقد ومهر جديدان؛ لأن الطلاق الرجعي لا يزيل الزوجية ولذا فقد جاء في حاشية ابن عابدين ما نصه: “فله الرجع بلا عوض؛ لأن الطلاق الرجعي لا يزيل الملك، والعوض لا يجب على الإنسان في مقابلة ملكه”[47].

وذلك لأن الطلاق الرجعي لا يزيل الزوجية وهذا ما نصت عليه المادة (92) من قانون الأحوال الشخصية الأردني: “مع مراعاة ما نصت عليه المادة (81) من هذا القانون فإن الطلاق الرجعي لا يزيل الزوجية في الحال، وللزوج حق مراجعة زوجته أثناء العدة قولا أو فعلا “. أي أن المادة أعطت الحق في إرجاع زوجته إلى عصمته خلال فترة العدة بأي طريق من طرق الإرجاع المعتبرة قولا أو فعلا دون أن توجب عليه إجراء عقد زواج جديد أو مهر جديد.

وهذا ما نصت عليه المادة رقم (231) من الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية لمحمد قدري وشرحها للأبياني: “كل من طلق زوجته المدخول بها حقيقة تطليقة واحدة رجعية أو تطليقتين فله أن يراجعها ولو قال لا رجعة لي بدون حاجة إلى تجديد العقد الأول ولا اشتراط مهر جديد ما دامت في العدة….”[48].

كما نصت المادة (98) من قانون الأحوال الشخصية الأردني: “للزوج حق إرجاع مطلقته رجعيا أثناء العدة قولا وفعلا، …ولا يلزم بها مهر جديد”.

 

المطلب الرابع: تبين المطلقة بانقضاء عدتها

إذا طلق الرجل زوجته طلاقا رجعيا، ولم يقم بإرجاعها إلى عصمته خلال فترة العدة فإنها تبين منه، ويصبح الطلاق بائنا بينونة صغرى، تحتاج إلى عقد ومهر جديدين، ويشترط رضاها وهذا ما جاء في قرار محكمة الاستئناف الشرعية رقم (37390) “إذا ثبتت البينونة من الطلاق الرجعي بانتهاء العدة…”[49].

ولذا نصت المادة(99) من قانون الأحوال الشخصية الأردني على: “تبين المطلقة رجعيا بانقضاء عدتها دون رجعة”.

 

المطلب الخامس: النزاع في صحة الرجعة

تصدق المرأة بيمينها؛ وذلك لأن النساء مؤتمنات على أرحامهن[50]، وفي المسألة تفصيل:

الحالة الأولى: إذا ادعى الزوج خلال فترة العدة أنه أرجعها وتنكر الزوجة الرجعة فالقول قوله؛ لأنه أخبر عما يملك إنشاؤه في الحال فقد جاء في قرار محكمة الاستئناف الشرعية رقم (10306) أنه: “إذا ادعى الزوج خلال فترة عدة مطلقته أنه أرجعها فهو مصدق بقوله دون اليمين؛ لأنه أخبر عما يملك إنشاؤه في الحال وقرار رقم (16674)”[51].

الحالة الثانية: أن تدعي الزوجة أنه أرجعها وينكر الزوج الرجعة:

إذا عجزت الزوجة عن إثبات إرجاع زوجها لها خلال فترة العدة يحلف الزوج اليمين الشرعية والتحليف هو مذهب الصاحبين وهو المفتى به قرار محكمة الاستئناف الشرعية رقم (11333)[52].

الحالة الثالثة: أن يدعي الزوج بعد انتهاء فترة العدة إرجاع زوجته خلال فترة العدة فعليه البينة وإلا فإنها تصدق بيمينها؛ لأنه لا يملك الرجعة بعد انتهاء العدة.

فقد جاء في قرار محكمة الاستئناف الشرعية رقم (16674): “وإن قال بعد انقضاء العدة فالقول لها وعلى الزوج إثبات البينة فإن أقامها ثبت بها الرجعة”[53].

أما إن صدقت الزوجة زوجها في حصول الرجعة فقد صحت الرجعة سواء قال ذلك في العدة أو بعد انقضاء العدة قرار محكمة الاستئناف الشرعية رقم (28362) ورقم (16674)[54].

 

المطلب السادس: تسجيل الرجعة رسميا شرط لصحة سماع دعوى الرجعة عند الإنكار إذا تزوجت من غيره وانقضت عدتها بمضي تسعين يوما على طلاقها

وهذا من باب السياسة الشرعية لكي تستقر المعاملات، ولتعلق حق الغير بزواجها من غيره، حتى لا يكون الدافع إلى ادعاء الرجعة كيدي هدفه الإضرار بمطلقته وإفساد زوجها، وهذا ما نصت عليه المادة (101) من قانون الأحوال الشخصية الأردني: “لا تسمع عند الإنكار دعوى المطلق إثبات مراجعته مطلقته بعد انقضاء عدتها وزواجها من غيره بمضي تسعين يوما على الطلاق ما لم تكن الرجعة مسجلة رسمياً”.

 

المطلب السابع: الرجعة يتعلق بها حق الله تعال وتقبل فيها دعوى الحسبة

فقد جاء في قرار محكمة الاستئناف الشرعية رقم (36865 ): “غير أن المدعى عليه قد ادعى الرجعة، وتغيب فقامت المحكمة الابتدائية بإسقاط دفعه الرجعة، بناء على طلب وكيل المدعية، علما أن في ادعاء الرجعة يتعلق حق الله تعالى، ودعوى إثبات الرجعة تقبل من مدعي الحسبة، لذلك كان على المحكمة الابتدائية عندما تغيب المدعى عليه أن تبلغه الحضور للمتابعة، أو تعين مدعيا باسم الحق العام الشرعي لتنظر في الدعوى، وتصدر حكمها فيها بالنسبة للرجعة؛ رعاية لحق الله تعالى (انظر القرارين الاستئنافين 22117 و35150 وغيرهما) وحيث أنها لم تفعل، فقد كان حكمها بأن الطلقة المذكورة آلت إلى بائنة بانتهاء العدة غير صحيح، ومخالف للوجه الشرعي فتقرر فسخه من هذه الجهة، وإعادة القضية لمصدرها لإجراء الإيجاب”.

وجاء في قرار محكمة الاستئناف الشرعية رقم (38352): “إن الحكم برد الاعتراض المقدم من المعترض عليها بخصوص دعوى إثبات الطلاق، نظرا لتغيب الطرفين غير صحيح، وكان على المحكمة متابعة السير في الدعوى الاعتراضية لتعلق ادعاء الرجعة فيها من المعترض بالحق العام الشرعي”[55].

 

المطلب الثامن: البينة على نفي الرجعة

لا تقبل؛ لأنها بينة نفي، كما أنها غير مقبولة عقلا؛ وذلك لاحتمال المراجعة، فالزوج يستقل بالرجعة وهذا مما لا يعلمه الشاهد فقد جاء في قرار محكمة الاستئناف الشرعية رقم (14720): “إن تضمين الشهادات أن الزوج لم يرجع زوجته من تاريخ الطلاق لا يقبل شرعا لسببين:

الأول: أنه شهادة على نفي لا تقبل عملا بالمادة (1699) من المجلة.

والثاني: أنه لا يحيط به علم الشاهد” انظر أيضا قرار محكمة الاستئناف الشرعية رقم (12212)[56].

كما أن اليمين المطلوب تحليفه للزوجة عند عجز الزوج عن إثبات الرجعة بالبينة يجب أن يكون على نفي علم الزوجة بالرجعة فقد جاء في قرار محكمة الاستئناف الشرعية رقم(10233) قرارات ما نصه: “عند عجز المدعي عن إثبات الرجعة يفهم أن له حق تحليف المدعى عليها اليمين، واليمين تجب هنا على عدم العلم عملا بالمادة (1748) من المجلة”[57].

 

المطلب التاسع: يشترط لصحة الرجعة

أن تكون منجزة فلا تصح الرجعة إن كانت معلقة على شرط أو مضافة إلى مستقبل:

والرجعة لا تصح إلا إذا كانت منجزة كقول الزوج: راجعت زوجتي إن لم تكن مخاطبة أو راجعتك إن كانت مخاطبة، فلو أضافها إلى زمن مستقبل بأن قال راجعت زوجتي بعد عشرة أيام مثلا أو علقها على شرط بأن قال إن حصل كذا فقد أرجعتك فلا تصح الرجعة[58].

ولذ جاء في كتاب المبسوط: “تعليق الرجعة بالشرط باطل وكذلك الإضافة إلى وقت حتى إذا قال راجعتك غدا أو إذا جاء غد فهو باطل لأنه استدامة الملك فلا يحتمل التعليق بالشرط كأصل النكاح”[59]، وجاء في الإقناع: “ويشترط فيها (أي الرجعة) تنجيز وعدم تأقيت فلو قال: راجعتك إن شئت، فقالت: شئت أو راجعتك شهرا لم تحصل الرجعة”[60].

وفي كتاب الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية لمحمد قدري وشرحها للأبياني في المادة (233): “يلزم أن تكون الرجعة منجزة في الحال، فلا يصح إضافتها إلى وقت مستقبل ولا تعليقها بشرط”[61].

 

المطلب العاشر: الإشهاد في الرجعة

فقد ذهب جمهور الفقهاء على استحبابها، جاء في مغني المحتاج: “أن الإشهاد على الرجعة ليس شرطا ولا واجبا في الأظهر؛ وذلك للأمن من الجحود وقطع النزاع وسد باب الخلاف بين الزوجين”[62]، فقد جاء في حاشية ابن عابدين ما نصه”: وندب الإشهاد عليها (أي الرجعة) احترازا عن التجاحد وعن الوقوع في التهم؛ لأن الناس عرفوه مطلقا فيتهم بالقعود معها”[63]، وقد استدلوا على ذلك بما يلي:

أولا: الرجعة مثل النكاح من حيث كونها امتدادا له ومن المتفق ل عليه أن استدامة النكاح لا تلزمها شهادة فكذا الرجعة لا تجب فيها شهادة لأنها في حكم استدامة النكاح السابق، وإنما وجب الإشهاد على النكاح لإثبات الفراش وهو ثابت هنا.

زر الذهاب إلى الأعلى