أخبار التنفيذ العاجلأنظمة عامةالبحوث القانونيةالقرارات القضائيةاوامرتعاميمعام

الأحكام والقواعد الفقهية والاستقلال بها

*القاعدة الفقهية والاستدلال بها*

قبل عرض هذا الأمر للنقاش لا بد أولًا من استقراء كلام العلماء في حجيَّة القواعد الفقهية والاستدلال بها، وعرض نتيجة هذا الاستقراء؛ حتى يتم البناء على الأساس.

*أقوال من يعتبر القاعدة الفقهية دليلًا:*

يرى بعضُ العلماء أنَّ القاعدة الفقهية تعتبر دليلًا يُحتجُّ به إذا كان لهذه القاعدة أصل من الكتاب أو السنة، أو مبنية على أدلَّة من الكتاب والسنَّة وواضح الأخذ منهما، أو معبرة عن دليل أصولي أو كونها حديثًا ثابتًا مستقلًّا.

ومن هذه القواعد نجد قاعدة: “الأمور بمقاصدها”، فالاحتجاج بها نابع من الاحتجاج بأصلها؛ وهو حديث: ((إنَّما الأعمال بالنيَّات))، ونجد نفس الأمر بالنسبة لقاعدة: “اليقين لا يزول بالشك”، و”لا ضرر ولا ضرار”، و”البينة على المدَّعي واليمين على من أَنكر”، و”العادة محكَّمة”؛ اعتبرت هذه القواعد الخمس قواعد كبرى وبمثابة أدلَّة شرعية، وهناك من العلماء من يضيف عليها قاعدة “الخراج بالضمان”.

وهي قواعد متَّفَق على حجيَّتها والاستدلال بها، ولا يحق للمفتي أن يعارِضَها في فتواه؛ وهذا ما صرَّح به الإمام القرافي من أنَّ حكم القاضي ينقض إذا خالَف قاعدةً من القواعد السالمة عن المعارضة

ويقول الدكتور السدلان: “والحق أنَّنا إذا استثنينا القواعد التشريعيَّة التي مبناها وأساسها على أدلَّة من الكتاب والسنَّة، فلا يصح الرجوع إلى هذه القواعد وحدها فقط دون نصٍّ آخر أو عام يشمل بعمومه الحادثة المقضي فيها؛ لأنَّ تلك القواعد على ما لها من قيمة واعتبار كثيرة المستثنيات وأحكامها أغلبيَّة غير مطردة”، ويضيف في نفس الصفحة: “ولهذا؛ فإنَّ هذه القواعد تعتبر دساتير للتفقه لا نصوص للقضاء، وهذا أيضًا ما قصده الإمام القرافي بقوله: (فإنَّ القواعد ليست مستوعبة في أصول الفقه؛ بل للشريعة قواعد كثيرة جدًّا عند أئمَّة الفتوى والقضاء لا توجد في كتب أصول الفقه أصلًا

إذًا؛ المختلف في الاستدلال بها هي تلك القواعد التي لها أحكام أغلبيَّة وكثيرة المستثنيات، وهي كثيرة عند أئمَّة الفتوى والقضاء، وهذا ما استنتج من النصَّين معًا، وهذا أيضًا هو المعتبر عند مَن لا يقولون بحجيَّة القاعدة.

*أقوال من لا يعتبرون القاعدة الفقهية دليلًا:*

وأمَّا إذا استعرضنا نصوصَ القائلين بعدم جواز الاستدلال بالقواعد الفقهية، فإنَّ أول ملاحظة أوقفتني وأنا أتتبَّع هذه النصوص في بعض كتب القواعد الفقهية خصوصًا، هي أنَّني أجد النصوص نفسها المستشهد بها عندهم وعلى قلَّتها، وهي نصُّ الإمام القرافي الذي سبق أن أشرتُ إليه، ونص ابن نجيم، وتقرير مجلَّة الأحكام العدلية، ولا بد أولًا من استعراض بعض نصوص أصحاب هذا القول؛ لنرى هل آراؤهم يقصد بها القاعدة الفقهية الكلية أم أمر آخر؟

♦ قال ابن نجيم في الفوائد الزينية، كما نقله عنه الحموي في غمز عيون البصائر: (لا يجوز الفتوى بما تقتضيه الضوابط؛ لأنَّها ليست كليَّة بل أغلبية، خصوصًا وهي لم تثبت عن الإمام بل استخرجها المشايخ من كلامه)

*فهذه النصوص، تفيد بأنَّه لا يسوغ اعتبار القواعد الفقهية أدلَّة شرعية لاستنباط الأحكام لسببين:*

1 – أنَّ هذه القواعد ثمرة للفروع المختلفة وجامع ورابط لها.

2 – أنَّ معظم هذه القواعد لا تخلو من المستثنيات.

ولكن تعتبر شواهد يستأنس بها في تخريج الأحكام للوقائع الجديدة قياسًا على المسائل الفقهية المدونة.

*مناقشة هذا الرأي*:

إنَّ هذا الذي قالوه لا يعتبر على إطلاقه؛ لأنَّ القواعد الفقهية تَختلف من حيث أصولها ومصادرُها أولًا.

وثانيًا: من حيث وجودُ الدَّليل على حكم المسألة المبحوث عنها.

(فإذا كانت القاعدة نصًّا قرآنيًّا كريمًا فهي قبل أن تكون قاعدة أو تجري مجرى القواعد فهي دليل شَرعي بالاتفاق، فهل إذا جرى النصُّ القرآني مجرى القاعدة خرج عن كونه دليلًا شرعيًّا معمولًا به، ولا يجوز تقديم غيره عليه؟)

ومثال ذلك قوله عز وجل: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 275]، فهذه الآية تصلح أن تكون قاعدة تَشمل أنواعَ البيوع المختلفة، وأيضًا المسائل الخاصَّة بالرِّبا، ونفس القول بالنسبة للسنَّة؛ مثل حديث: ((لا ضرر ولا ضرار)) و((الخراج بالضمان)).

*الخلاصة:*

إنَّ العلماء لم يختلفوا في حجيَّة القواعد الفقهية الكبرى والاستدلال بها، وإنَّما اختلفوا فقط في الاستدلال بالقواعد الفرعيَّة والضوابط، وهذا الأمر له علاقة بطريقة التنزيل للقاعدة، وأيضًا مدى سعة النظر عند المجتهد.

أمَّا بالنسبة لواقعنا المعاصر، هناك مستجدَّات قد لا نجد لها قاعدة للحكم فيها، فلماذا لا يتم استنباط قواعد أو ضوابط جديدة على غرار ما فعله علماؤنا القدامى؟! مثلًا في مسألة التدخين أو قانون السير… والأمثلة كثيرة؛ حتى يَستطيع المفتي الرجوعَ إليها كقاعدة يَبني عليها فتواه بدلًا من البحث في كلِّ مرة في أمَّهات الكتب، وقد لا يجد، خصوصًا إذا لم يكن قد تلقَّى تكوينًا أصوليًّا مقاصديًّا!

*مشاركة عامة_السيد العلوي*

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى