البحوث القانونية

التعويض عن الضرر غير المادي المعنوي التجاري والجنائي

((التعويض عن الضرر غير المادي ))

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين. وبعد.

التعويض عن الضرر غير المادي مسألة اختلف فيها قديما وحديثا وقد حكى الخلاف فيها المتقدمون من الأصحاب رحمهم الله كأبي الخطاب والموفق وغيرهما ومن تأمل في كلامهم وجد ذلك وإن كان بغير هذا المصطلح الحادث كما سيأتيك أدناه والراجح والله أعلم أن التعويض هنا مشروع ويدل لذلك أدلة من السنة وأحكام الخلفاء الراشدين وأقوال السلف وهو المذهب عند الحنابلة في صور كما سيأتي فمن ذلك :

  1. روى الطبراني في الكبير عن عبد الله بن سلام ، قال : إن الله لما أراد هدى زيد بن سعنة قال زيد بن سعنة : ما من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها ثم ذكر الحديث وقيه : فأعطيته ثمانين مثقالاً من ذهب في تمر معلوم إلى أجل كذا وكذا فلما كان قبل من الأجل بيومين أو ثلاث أتيته فأخذت يمجامع قميصه وردانه ، ونظرت إليه يوجه غليظ ، فقلت له : ألا تقضيني يا محمد حقي ؟ فوالله ما علمتكم بني عبد المطلب لمطل ، ولقد كان لي بمخالطتكم علم ، ونظرت إلى عمر وإذا عيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير ، ثم رماتي ببصره ، فقال : يا عدو الله أتقول لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما أسمع ، وتصنع به ما أبي ، فوالذي بعثه بالحق لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفي رأسك ، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة ، ثم قال : ” يا عمر ، أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا ، أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن التباعة ، اذهب به يا عمر وأعطه حقه وزده عشرين صاعا من تمر مكان ما روعته ” ثم أسلم زيد وقتل في تبوك رحمه الله فهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عمر أن يعطي زيدا عشرين صاعا مقابل ما حصل له من المزروع وهو من التعويض عن ضرر معنوي فيكون أصلا يقاس عليه غيره .

  2. روى ابن سعد في الطبقات أنّ خجّامًا كان يقص عمر بن الخطاب، وكان رجلا مهينا، فتحتح عمر فأحَدَث الخام، فأمر له غمز بأربعين درهما، والخام هو سعيد بْنُ الْقلم، وهو في تاريخ بغداد وأنساب الأشراف للبلاذري، وفي البصائر والذخائر قال الشعبي، دعا عمر حجاماً ليأخذ من شعره، فتنحنح عمر فضرط الحجام، فأعطاه أربعين درهماً، ورواه ابن أبي الدنيا في الاشراف من وجه آخر : حدثنا أبو كريب قال حدثنا ذوادين علبة عن أبيه عن إسماعيل بن أمية قال : بينما سعيد بن المسلم يقص شارب عمر بن الخطاب – رضي الله عنه ـ إذ بخ عمر في وجه سعيد فقال : بخ !! يعني فرعه !! ففزع منها سعيد فزعة الحدث و ضرط ، فقال : يا أمير المؤمنين أفزعتني !! قال عمر : ما أردت ذلك ، ستعقل لك ، فأعطاه أربعين درهما . اهـ، ورواه ابن حزم في المحلي قال : نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية أن رجلا كان يقص شارب عمر بن الخطاب فأفزعه عمر ، فضرط الرجل ، فقال : أما إذا لم ترد هذا ، ولكن ستعقلها فأعطاه أربعين درهما ـ قال : وأحسبه قال : شاة أو عناقا، قال علي : قد سمي عمر بن الخطاب الذي أعطى في ذلك ” عقلا ” انتهى، ففي هذه الروايات أن أمير المؤمنين عمر عوض الحجام نتيجة الضرر المعنوي ويسمي الذي أعطاه عقلا كما قاله ابن حزم.

  3. روى عبد الرزاق وابن أبي شيبة أن أمير المؤمنين عثمان قضى فيمن ضرب إنسانا حتى أحدث بثلث الدية وفي رواية أربعين دينارا، فهذا من أمير المؤمنين تعويض عن الضرر الغير مادي فليس هذا دية ولا أرشا.

  4. وأما كلام الأصحاب وهو من المفردات فنص عليه أبو الخطاب في الهداية والموفق في المغني وغيرهم. قال في المغني : فصل : ومن ضرب إنسانا حتى أحدث، فإن عثمان – رضي الله عنه ـ قضى فيه بثلث الدية. وقال أحمد: لا أعرف شينا يدفعه. ويه قال إسحاق. وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي: لا شيء فيه؛ لأن الدية إنما تجب لإتلاف منفعة أو عضو، أو إزالة جمال، وليس هاهنا شيء من ذلك. وهذا هو القياس، وإنما ذهب من ذهب إلى ايجاب الثالث: القضية عثمان؛ لأنها في مظنة الشهرة، ولم ينقل خلافها، فيكون إجماعا، ولأن قضاء الصحابي يما يخالف القياس. يدل على أنه توقيف. وسواء كان الحدث ريحا أو غانطا أو بولا، وكذلك الحكم فيما إذا أفزعه حتى أحدث. انتهى، فالموفق هنا لما ذكر قول الأئمة الثلاثة علل بقوله ( لأن الدية إنما تجب لإتلاف منفعة أو عضو، أو إزالة جمال، وليس هاهنا شيء من ذلك ) أي أنه ليس هناك ضرر مادي يجبر بدية أو أرش، والله أعلم .

وكتبه قاضي الاستنتاف

عبد الرحمن التويجري

زر الذهاب إلى الأعلى