البحوث القانونية

الحقوق السياسة للمرأة في ظل الشريعة الإسلامية

الحقوق السياسية للمرأة في ظل  الشريعة الإسلامية

إعداد/ حسام العيسوي إبراهيم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فإنه من دواعي سروري أن أتقدم بهذا البحث إلى شبكة الألوكة الإسلامية، التي منحتنا هذه الفرصة للارتقاء بمستوانا المهني، وقد وفقني الله سبحانه وتعالى في هذا البحث، حيث جاء في أربعين صفحة، وقد آثرت أن أكتب في هذا الموضوع ” الحقوق السياسية للمرأة في ظل الشريعة الإسلامية ” من بين المواضيع المختارة، نظراً لأن الجانب السياسي في الإسلام مهضوم حقه، فقد كتب كثير من الفقهاء والكتاب والمفكرين عن جوانب أخرى للإسلام، من عبادات ومعاملات، وحدود وغيرها من مواضيع أكثر العلماء والفقهاء الحديث عنها ولكنهم أهملوا الجانب السياسي في الإسلام، وهذا الجانب من الجوانب المضيئة في التاريخ الإسلامي، وكذلك إذا تكلم بعض الفقهاء عن الجانب السياسي تكلم عنه بالنسبة للرجل، ولم يتطرق الكثيرون إلى الحديث عنه بالنسبة للمرأة من هنا كانت أهمية هذا البحث لإبراز هذا الجانب المضيء من الجوانب الإسلامية، والرد على الشبهات التي تدِّعي أن الإسلام قد هضم حق المرأة ولم يعطها حقها، وخصوصاً حقها السياسي.

 

 

 وقد اشتمل هذا البحث على ثلاثة فصول وهي كالآتي:

الفصل الأول:

ونتحدث فيه عن مقدمة تتضمن الحديث عن:

  • حال المرأة قبل الإسلام.
  • حال المرأة بعد الإسلام.

الفصل الثاني:

ونتحدث فيه عن الحقوق السياسية من حيث:

  • تعريفها.
  • أقسامها.

الفصل الثالث:

وقد قسمته لقسمين:

القسم الأول: الحقوق السياسية للمرأة وفق المواثيق الدولية.

القسم الثاني: الحقوق السياسية للمرأة في ظل الشريعة الإسلامية.

وقد قسمت هذا القسم لسبع مباحث وهي كالآتي:

المبحث الأول: الرؤية الإسلامية والرؤية الغربية.

المبحث الثاني: تاريخ مشاركة المرأة في العمل السياسي في الإسلام.

المبحث الثالث: مشاركة المرأة السياسية (شبهات وردود).

المبحث الرابع: ضوابط مشاركة المرأة.

المبحث الخامس: الولاية العامة للمرأة هل تجوز ؟

المبحث السادس: أبرز التحديات التي تواجه مشاركة المرأة السياسية.

المبحث السابع: أهم الآليات التي تفعل طاقات المرأة ومشاركتها السياسية في المجتمع.

ثم ختمت بأهم المراجع التي استشهدت بها في بحثي والتي قاربت بفضل الله على الثلاثين مرجعاً.

هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده لا شريك له، وما كان من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان، هذا والله الموفق وهو يهدي إلى سواء السبيل.

 

إعداد

حسام العيسوي إبراهيم

إمام وخطيب ومدرس

E- mail: [email protected]

 

الفصل الأول

 

  • حال المرأة قبل الإسلام
  • حال المرأة بعد الإسلام

 

المرأة قبل الإسلام

كانت المرأة في الجاهلية (قبل الإسلام) ليس لها حقوق وكان الجميع ينظرون إليها نظرة احتقار وذل وعار.

لم يكن للمرأة حق الميراث ولا حق التصرف بأموالها ولا حق التملك والرأي (كانت منتزعة الحقوق).

وكانت بعض قبائل العرب تشعر بالغم إذا بشروا بالأنثى وبعضهم كان يؤدها عند ولادتها زعما بأنها تجلب الفقر والذل والعار لحاجتهم للرجال أكثر من النساء نظرا لكثرة الحروب في الجاهلية.

ويتحدث الدكتور الصلابي في كتابه القيم (السيرة النبوية) عن المرأة في المجتمع العربي الجاهلي فيقول:

كانت المرأة عند كثير من القبائل كسقط المتاع، فقد كانت تورث، وكان الابن الأكبر للزوج من غيرها من حقه أن يتزوجها بعد وفاة أبيه, أو يعضلها عن النكاح، حتى حَرَّم الإسلام ذلك، وكان الابن يتزوج امرأة أبيه [1] فنزل قول الله تعالى: ﴿وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلاً﴾ [النساء: 22].

وكانت العرب تحرم نكاح الأصول كالأمهات، والفروع كالبنات، وفروع الأب كالأخوات، والطبقة الأولى من فروع الجد كالخالات والعمات [2].

وكانوا لا يورثون البنات ولا النساء ولا الصبيان، ولا يورثون إلا من حاز الغنيمة وقاتل على ظهور الخيل، وبقي حرمان النساء والصغار من الميراث عرفا معمولاً به عندهم إلى أن توفي أوس بن ثابت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك بنتين كانت بهما دمامة، وابنًا صغيرًا، فجاء ابنا عمه وهما عصبته فأخذا ميراثه كله، فقالت امرأته لهما: تزوجا البنتين، فأبيا ذلك لدمامتهما، فأتت رسول الله فقالت: يا رسول الله توفي أوس وترك ابنًا صغيرًا وابنتين، فجاء ابنا عمه سويد وعرفطة فأخذا ميراثه، فقلت لهما: تزوجا ابنتيه، فأبيا، فقال عليه الصلاة والسلام: «لا تحركا في الميراث شيئًا»[3]، ونزل قوله تعالى: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا﴾ [النساء: 7].

وكان العرب يُعيّرون بالبنات؛ لأن البنت لا تخرج في الغزو، ولا تحمي البيضة من المعتدين عليها، ولا تعمل فتأتي بالمال شأن الرجال، وإذا ما سبيت اتخذت للوطء تتداولها الأيدي لذلك، بل ربما أكرهت على احتراف البغاء، ليضم سيدها ما يصير إليها من المال بالبغاء إلى ماله، وقد كانت العرب تبيح ذلك، وقد كان هذا يورث الهم والحزن والخجل للأب عندما تولد له بنت، وقد حدثنا القرآن الكريم عن حالة من تولد له بنت فقال تعالى: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ ساءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [النحل:58-59].

وكثيرا ما كانوا يختارون دسها في التراب، ووأدها حية، ولا ذنب لها إلا أنها أنثى[4]؛ ولذلك أنكر القرآن الكريم عليهم هذه الفعلة الشنيعة قال تعالى: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ﴾ [التكوير: 8-9].

وكان بعض العرب يقتل أولاده من الفقر أو خشية الفقر فجاء الإسلام وحرم ذلك

قال تعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُم مِّنْ إِمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾ [الأنعام: 151].

وقال تعالى: ﴿وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: 31].

وكانت بعض القبائل لا تئد البنات، كما كان فيهم من يستقبحون هذه الفعلة الشنعاء كزيد بن عمرو بن نفيل[5].

وكانت بعض القبائل تحترم المرأة وتأخذ رأيها في الزواج، وكانت المرأة العربية الحرة تأنف أن تفترش لغير زوجها وحليلها، وكانت تتسم بالشجاعة وتتبع المحاربين وتشجعهم، وقد تشارك في القتال إذا دعت الضرورة، وكانت المرأة البدوية العربية تشارك زوجها في رعي الماشية، وسقيها، وتغزل الوبر والصوف وتنسج الثياب، والبرود، والأكسية، مع التصون والتعفف[6].

[ السيرة النبوية – د/ علي محمد الصلابي ]

وعند اليهود والنصارى لم تختلف المرأة كثيرا عن حالها في الجاهلية، من سلب للحقوق، ودنو مكانتها.

 

المرأة عند اليهود

كانت بعض طوائف اليهود تعتبر البنت في مرتبة الخادم، وكان لأبيها الحق في أن يبيعها، وكانت لا ترث شيئاً، إذا كان لأبيها ذرية من البنين، إلا ما كان يتبرع به لها أبوها في حياته، كما جاء في الإصحاح الثاني والأربعين من سفر أيوب: (ولم توجد نساء جميلات كنساء أيوب في كل الأرض، وأعطاهن أبوهن ميراثاً بين إخوتهن، وعاش أيوب بعد هذا مائة وأربعين سنة).

وإذا حرمت من الميراث لوجود أخ ذكر لها، يثبت على أخيها النفقة والمهر عند الزواج..

وإذا آل الميراث إلى البنت وحدها، لعدم وجود أخ لها ذكر، لا يجوز لها أن تتزوج من سبط آخر، ولا يحق لها أن تنقل ميراثها إلى غير سبطها، كما جاء في الإصحاح السابع والعشرين من سفر العدد.

واليهود يعتبرون المرأة لعنة، لأنها في نظرهم هي التي أغوت آدم، وقد جاء في التوراة (المرأة أمرّ من الموت، وأن الصالح أمام الله ينجو منها، رجلاً واحداً بين ألف وجدتُ، أما المرأة فبين كل أولئك لم أجد).

وقد جعلت الأساطير اليهودية حواء العين التي تنشق منها جداول الآلام والشدائد، وقد كان لهذه الأسطورة اليهودية الشنيعة عن حواء تأثير عظيم في سلوك الأمم اليهودية والمسيحية قِبَل المرأة، كما كان لها أثر قوي في حقول القانون والأخلاق، والاجتماع عند هذه الشعوب.

 

المرأة عند النصارى

لقد غلا رجال الكنيسة المسيحيون في إهدار شأن المرأة، وجاوزوا الحد في نظرتهم إلى العلاقة ما بين الرجل والمرأة.

فهم يرون أن المرأة ينبوع المعاصي، وأصل السيئة والفجور، وهي للرجل باب من أبواب جهنم: من حيث أنها مصدر تحريكه وحمله على الآثام، ومنها انبجست عيون المصائب الإنسانية جمعاء، فبحسبها ندامة وخجلاً أنها امرأة، وينبغي أن تخجل من حسنها وجمالها، لأنه سلاح إبليس الذي لا يوازيه سلاح من أسلحته المتنوعة، وعليها أن تُكَفِّر ولا تنقطع عن أداء الكفارة أبداً، لأنها هي التي قد أتت بما أتت به من الرزء والشقاء للأرض وأهلها.

قال (توتوليان) أحد أقطاب المسيحية الأول وأئمتها مبيناً نظرية المسيحيين في المرأة:

(أنها مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان، وإنها دافعة بالمرء إلى الشجرة الممنوعة، وناقضة بقانون الله، ومشوّهة لصورة الله (أي الرجل).

وكذلك يقول (كرائي سوستا) الذي يعد من كبار أولياء الديانة المسيحية في شأن المرأة:

(هي شر لا بد منه، ووسوسة جبلّية، وآفة مرغوب فيها، وخطر على الأسرة والبيت، ومحبوبة فتّاكة، ورزء مطليّ مموّه)، وكان يقال: إن الشيطان مولع بالظهور في شكل أنثى، وكان من الموضوعات التي يتدارسها رجال الكنيسة:

. هل للمرأة أن تعبد الله كما يعبده الرجل؟

  • هل تدخل الجنة وملكوت الآخرة؟
  • هل هي إنسان، له روح يسري عليه الخلود، أو هي نسمة فانية لا خلود لها؟

وفي القرن الخامس الميلادي اجتمع مجمع (ماكون) للبحث في مسألة: (هل المرأة مجرد جسم لا روح فيه أم لها روح؟) وقد قرروا أنها خلو من الروح الناجية من عذاب جهنم.

وفي سنة 586 للميلاد – أي في أيام شباب النبي صلى الله عليه وسلم – عقد الفرنسيون مؤتمراً لبحث: ما إذا كانت المرأة إنساناً أم غير إنسان؟ فتوصلوا إلى أنها إنسان، خُلقت لخدمة الرجل فحسب، وكانوا يرون أن العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة نجس في نفسها، ويجب أن تُتجنب ولو كانت عن طريق نكاح وعقد مشروع، وأن العزب أكرم من المتزوج، ويرون أن حياة العزوبة مقياس لسمو الأخلاق، وعلوّ شأنها، وقد عملوا جهدهم لأن يثبتوا في قلوب الناس الشعور ببشاعة العلاقة الزوجية ونجاستها، وكان شائعاً بينهم أن الزوجين اللذين يبيتان معاً ليلة عيد من الأعياد لا يجوز لهما أن يشاركا القوم في رسومهم ومباهجهم، وكأنما يرون أنهما اقترفا إثماً سلبهما حق المشاركة في حفل دين مقدس عندهم.

وقد بلغ من تأثير هذا التصور (الرهباني) أن تكدر صفو ما بين أفراد الأسرة والعائلة من الأواصر، وحتى ما بين الأم وولدها، إذ أضحت كل قرابة، وكل سبب ناتج عن عقد الزواج يعد إثماً وشيئاً نجساً.

وكان من نتيجة وتأثير نظرتهم هذه إلى المرأة وإلى العلاقة الزوجية، أن انحطت منزلة المرأة في المجتمع في كل ناحية من نواحي الحياة.

ونشير إلى أن ما كانت عليه المرأة عند أصحاب هاتين الديانتين (اليهودية والنصرانية) لا يحكي ما جاءت به شرائعهم السماوية الصحيحة.

فقد حرفوا وبدلوا في تلك الشرائع، حسب أهوائهم ورغباتهم، حتى صار ما عندهم منها يشك في نسبته إليها.

ولذا فما أوردناه عن مكانة المرأة عند أصحاب الديانتين، هو ما كان سائداً في تلك المجتمعات بغض النظر عن صحة مطابقته لما جاء في شرائعهم الصحيحة.

[ مكانة المرأة قبل الإسلام ]

 

المرأة بعد الإسلام

عندما جاء الإسلام رفع مكانة المرأة ورفع شأنها وقضى على جميع صور الإهانة التي كانت تتعرض لها المرأة في جميع عصور التاريخ كما ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في الحقوق والإنسانية والكرامة

وهذه من بعض آثار المساواة:

  • المساواة في أصل الخلقة:

فالرجل والمرأة خلقا من نفس واحدة قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾ [ النساء: 1].

  • المساواة في حق الحياة:

ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في حق الحياة وجعل التعدي على هذا الحق من أكبر الذنوب. كما استنكر الإسلام ما كانت تفعله بعض القبائل في الجاهلية من وأد البنات وعدها جريمة شنيعة.

كما ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في الأحكام الشرعية كالقصاص والدية جعل دم المرأة مساويا لدم الرجل

  • المساواة في التكليف والجزاء

إن المساواة بين المرأة والرجل في الكرامة والإنسانية يستلزم المساواة بينهما في الحقوق الإنسانية وهذا ممّا لا شك فيه، وأمّا أن يتشابها ويتساويا في جميع الحقوق والتكاليف فلا، لأن ذلك لا يمكن بسبب الفوارق الطبيعية المذكورة بين الرجل والمرأة فالمرأة ليس بالضرورة أن تصلي في المسجد عكس الرجل وكذلك فهي ليست مكلفة بتدبير الشؤون المادية في المنزل عكس الرجل الذي عليه أن يلبي الحاجات المنزلية إلا في حالة إذا أرادت المرأة ذلك.أراد الإسلام أن يخفّف عنها بعض التكاليف وذلك من باب الرخصة في عدم إتيانها تلك التكاليف ولكن يجوز لها إتيانها وتثاب على ذلك، كصلاة الجمعة والجماعة وتشييع الجنائز وغير ذلك من التكاليف التي لا يجب على المرأة ولكن إذا أدّت المرأة هذه العبادات والتكاليف تثاب عليها.

  • المساواة في أهلية التصرفات المالية:

إذا بلغ الإنسان عاقلا رشيدا كانت له شخصيته القانونية الكاملة في أن يتصرف فيما يملكه كما يشاء بالبيع والهبة والوصية والإجارة وغير ذلك

  • المساواة في حرية التفكير والرأي:

ما دامت المرأة كالرجل في مسؤولية التكليف والجزاء فإنها تتساوى معه في حق التفكير وحرية الرأي ووجوب النظر والتدبر لتصل إلى الرأي القويم و أعطى الإسلام للمرأة حق طلب العلم والتعلم

فقد روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري: “جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يومًا نأتيك فيه، تعلمنا مما علمك الله. قال: اجتمعن يوم كذا وكذا، فاجتمعن، فأتاهنَّ النبي صلى الله عليه وسلم، فعلمهنَّ مما علمه الله

  • المساواة في حق اختيار شريك الحياة:

فلا يجوز تزويج المرأة بدون رضاها ولها حق الرفض وحق الإيجاب كما فرض لها المهر وجعله من شروط الزواج.هذه إطلالة بسيطة على بعض الحقوق للمرأة، والتي شرعها لها الإسلام، والتي لم تأخذها المرأة قبل الإسلام.

[ ويكبيديا – الموسوعة الحرة ]

 

 

 

الفصل الثاني

  • الحقوق السياسية:
  • تعريفها.
  • أقسامها.

 

 تعريف الحق

هناك تعاريف كثيرة سبقت من قبل فقهاء القانون، والباحثين في هذا المجال فقد عرف الحق بأنه:

(مصلحة مادية أو أدبية يحميها القانون).

كما عرف بأنه:

(مصلحة معترف بها ومحمية بقاعدة من قواعد الحق، أو أنها كل مصلحة يكون احترامها واجباً، والإخلال بها خطئاً).

ولعل التعريف التالي أكثر التعاريف شمولاً: الحق هو (كل معلمة، أو منفعة، تمنح بحكم القانون لشخص بأي طريقة كانت)

[مبادئ أصول القانون – عبد الرحمن البزاز ص 291 ]

لقد ادعى البعض بان هذا التعريف الأخير يعد أكثر التعاريف شمولاً مما سبقه من تعاريف للحق معللاً ذلك بأنه يشمل في الحقيقة، (الحقوق) و(الحريات) و(السلطات)

[نفس المصدر ]

إن هذا التعريف وإن كان قد ادعي بأنه اشمل التعاريف إلا أن هذا القول لا يمكن القبول به لمكان ما يرد عليه من المآخذ والتي يعد من أهمها وأقواها المأخذ التالي:

يقول التعريف بأن الحق هو (كل مصلحة، أو منفعة، تمنح بحكم القانون…).

أي أن هذا التعريف لا يعترف بالحقوق إلا بمقدار ما يقره القانون فحسب، وبعبارة أخرى أنه بمقتضى هذا التعريف يكون القانون هو المنشئ للحق فما أقره يكون حقاً، بخلاف ما عداه، وفي هذا خطأ فادح وإشكال لا يمكن للتعريف أن يتجاوزه.

فهذا التعريف أهمل جانب البعض من الحقوق الفطرية التي تولد مع الإنسان بمنحة إلهية منذ ولادته والتي لا دخل للقوانين فيها، وهذا يعني أن التعريف بخلاف ما ادعي من كونه اشمل التعاريف وأوسعها دائرة، بل نجد واضحاً أن التعريف قد ضيق من دائرة حقوق الإنسان وحصرها في نطاق ما تقره القوانين وتعترف به.

أما التعريف الأدق من بين التعاريف التي مر ذكرها فهو التعريف الثاني منها، وهو التعريف الذي قدمه الأستاذ سموند (Salmond) والذي يعرف الحق فيه بأنه:

(كل مصلحة معترف بها ومحمية بقاعدة من قواعد الحق، أو أنها كل مصلحة يكون احترامها واجبا، والإخلال بها خطئاً).

فمن خلال الفقرة (يكون احترامها واجباً، والإخلال بها خطئاً) يمكن الاستفادة من أن التعريف يشير في هذه الفقرة إلى الحقوق التي تولد مع الإنسان، تلك التي أهمل جانبها التعريف الذي ادعى البعض شموليته على غيره.

 

 الحقوق السياسية

تذكر الحقوق السياسية ويراد بها:

(تلك الحقوق التي يقررها القانون العام والتي تمكن الأشخاص من القيام بأعمال معينة تمكنهم من المشاركة في إدارة شؤون المجتمع السياسية).

[مبادئ أصول القانون – عبد الرحمن البزاز ]

ولسهولة معرفة وحفظ الحقوق السياسية يمكن درج أقسامها في النقاط التالية:

حق الانتخاب:

ويعني هذا الحق إعطاء الفرد كعضو في الدولة الحق في انتخاب ممثليه السياسيين من قبيل رئيس الدولة ـ بالنسبة للأنظمة التي تعتمد النظام الانتخابي ـ، أو أعضاء البرلمان.

حق الترشيح:

وهذا الحق يشمل كلا من الترشيح لرئاسة الجمهورية، أو الترشيح للمجالس النيابية (البرلمان). ولكن هذا لا يعني أن كل شخص من الشعب يمكنه الترشيح لتولي المنصبين من دون توفر شروط معينة، لأن هذا يعد مخالفاً للعقل، ولكن يجب الالتفات إلى أن هذا الحق، هو حق لكل أفراد الشعب ولكن مع توفر الشروط التي اقرها الدستور فيمن يروم الترشيح لكل من المنصبين السابقي الذكر.

حق تولي الوظائف العامة:

وفي العادة تقتصر هذه الحقوق على الوطنيين ـ يعني بذلك المواطنين فهي لا تقرر لجميع الناس بل لفئة محدودة منهم.مع الالتفات إلى أن بعض النظم في بعض الدول تسمح للأجانب بتولي بعض الوظائف العامة وذلك حسب الشروط والضوابط التي تضعها قوانينها لهذه الأمور.

[مبادئ أصول القانون – عبد الرحمن البزاز ]

 

الفصل الثالث

 

  • الحقوق السياسية للمرأة وفق المواثيق الدولية.
  • الحقوق السياسية للمرأة في ظل الشريعة الإسلامية.

 

الحقوق السياسية للمرأة وفق المواثيق الدولية

 اتفاقية بشأن الحقوق السياسية للمرأة عرضتها الجمعية العامة للأمم المتحدة للتوقيع والتصديق بقرارها640 (د-7).
المؤرخ في20 كانون الأول/ ديسمبر 1952.
تاريخ بدء النفاذ: 7 تموز / يوليو 1954، وفقا للمادة السادسة.
أن الأطراف المتعاقدة، رغبة منها في إعمال مبدأ تساوى الرجال والنساء في الحقوق الوارد في ميثاق الأمم المتحدة، واعترافا منها بأن لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشئون العامة لبلده، سواء بصورة مباشرة أو بواسطة ممثلين يختارون في حرية، والحق في أن تتاح له على قدم المساواة مع سواه فرصة تقلد المناصب العامة في بلده، ورغبة منها في جعل الرجال والنساء يتساوون في التمتع بالحقوق السياسية وفى ممارستها، طبقا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقد قررت عقد اتفاقية على هذا القصد.

وقد اتفقت على الأحكام التالية:

المادة الأولى:
للنساء حق التصويت في جميع الانتخابات، بشروط تساوى بينهن وبين الرجال، دون أي تمييز.

المادة الثانية:
للنساء الأهلية في أن ينتخبن لجميع الهيئات المنتخبة بالاقتراع العام، المنشأة بمقتضى التشريع الوطني، بشروط تساوى بينهن وبين الرجال، دون أي تمييز.

المادة الثالثة:
للنساء أهلية تقلد المناصب العامة وممارسة جميع الوظائف العامة المنشأة بمقتضى التشريع الوطني، بشروط تساوى بينهن وبين الرجال، دون أي تمييز.

المادة الرابعة:
1- يفتح باب توقيع هذه الاتفاقية بالنيابة عن أي عضو في الأمم المتحدة، وكذلك بالنيابة عن أية دولة أخرى وجهت إليها الجمعية العامة للأمم المتحدة دعوة في هذا الشأن.
2- تخضع هذه الاتفاقية للتصديق. وتودع صكوك التصديق لدى الأمين العام للأمم المتحدة.

المادة الخامسة:
يتاح الانضمام إلى هذه الاتفاقية لجميع الدول المشار إليها في الفقرة 1 من المادة الرابعة.
يقع الانضمام بإيداع صك انضمام لدى الأمين العام للأمم المتحدة.

المادة السادسة:
1- يبدأ نفاذ هذه الاتفاقية في اليوم التسعين الذي يلي إيداع صك التصديق أو الانضمام السادس.
2- أما الدول التي تصدق الاتفاقية أو تنضم إليها بعد إيداع صك التصديق أو الانضمام السادس فيبدأ نفاذ الاتفاقية إزاءها في اليوم التسعين الذي يلي إيداعها صك التصديق أو الانضمام.

المادة السابعة:
إذا حدث أن قدمت أية دولة تحفظا على أي من مواد هذه الاتفاقية لدى توقيعها الاتفاقية أو تصديقها إياها أو انضمامها إليها، يقوم الأمين العام بإبلاغ نص التحفظ إلى جميع الدول التي تكون أو يجوز أن تصبح أطرافا في هذه الاتفاقية. ولأية دولة تعترض على التحفظ أن تقوم خلال تسعين يوما من تاريخ الإبلاغ المذكور (أو على أثر اليوم الذي تصبح فيه طرفا في الاتفاقية) أن تشعر الأمين العام بأنها لا تقبل هذا التحفظ. وفى هذه الحالة، لا يبدأ نفاذ الاتفاقية فيما بين هذه الدولة والدولة التي وضعت التحفظ.

المادة الثامنة:
1- لأية دولة أن تنسحب من هذه الاتفاقية بإشعار خطى توجهه إلى الأمين العام للأمم المتحدة. ويبدأ مفعول هذا الانسحاب لدى انقضاء سنة على تاريخ تلقى الأمين العام للإشعار المذكور.
2- يبطل نفاذ هذه الاتفاقية اعتبارا من التاريخ الذي يبدأ فيه مفعول الانسحاب الذي يهبط بعدد الأطراف فيها إلى أقل من ستة.

المادة التاسعة:
أي نزاع ينشأ بين دولتين متعاقدتين أو أكثر حول تفسير هذه الاتفاقية أو تطبيقها، ثم لا يسوى عن طريق المفاوضات، يحال بناء على طلب أي طرف في النزاع إلى محكمة العدل الدولية للبت فيه، ما لم تتفق الأطراف على طريقة أخرى للتسوية

المادة العاشرة:
يقوم الأمين العام للأمم المتحدة بإشعار جميع أعضاء الأمم المتحدة، وجميع الدول غير الأعضاء المشار إليها في الفقرة 1 من المادة الرابعة من هذه الاتفاقية، بما يلي:
أ- التوقيعات الحاصلة وصكوك التصديق الواردة وفقا للمادة الرابعة،
ب- صكوك الانضمام الواردة وفقا للمادة الخامسة،
ج- التاريخ الذي يبدأ فيه نفاذ هذه الاتفاقية وفقا للمادة السادسة،
د- التبليغات والإشعارات الواردة وفقا للمادة السابعة،
ه- إشعارات الانسحاب الواردة وفقا للفقرة 1 من المادة الثامنة،

المادة الحادية عشرة:
تودع هذه الوثيقة، التي تتساوى في الحجية نصوصها بالأسبانية والإنكليزية والروسية والصينية والفرنسية، في محفوظات الأمم المتحدة.

2- يرسل الأمين العام للأمم المتحدة صورة مصدقة إلى جميع أعضاء الأمم المتحدة وإلى الدول غير الأعضاء المشار إليها في الفقرة 1 من المادة الرابعة.

[ مؤسسة الحوار المتمدن ]

 


 الحقوق السياسية للمرأة في ظل الإسلام

المقدمة

تمثل قضية المرأة سؤالاً كبيراً يطرحه النموذج الثقافي الغربي على النماذج الثقافية المغايرة في عالم اليوم وفي مقدمتها النموذج الثقافي الإسلامي، وذلك في محاولة منه لإحراجها ودفعها نحو الإحساس بالدونية، ومن ثم الاستعداد للتنازل عن خصوصيتها وتقبل الطرح الغربي كما هو دون أي تمحيص أو تعديل أو نقد.

وقد حظي النموذج الثقافي الإسلامي بشتى الاتهامات التي أقلها هضم حقوق الإنسان بشكل عام، والاعتداء على حقوق المرأة وامتهان كرامتها بشكل خاص، ويمكن القول أن تصاعد هذه الاتهامات في الآونة الأخيرة يعود إلى سببين اثنين:

أولهما:- المواقف المتذبذبة التي ظل المفكرون المسلمون يتخذونها تجاه مختلف القضايا التي يطرحها النموذج الغربي منذ عصر النهضة، ومعالجتهم لها من منطلقات المقاربات والمقارنات والدفاع والتأويل والتفسير، وهو ما لم يجد شيئاً في وقف سيل الأسئلة المثارة حولها.

وثانيهما:- اتخاذ دول الحضارة الغربية لقضية المرأة مدخلاً رئيسياً لإحداث التغيير في المجتمعات غير الغربية، وتحطيم خصوصيتها وتفكيك بناها التحتية، تمهيداً لدمجها القصري في عملية العولمة بأبعادها المختلفة. ويبرز هذا الموقف الغربي في المؤتمرات الدولية التي تبحث في قضية المرأة وما ينبغي أن تكون عليه أوضاعها،وعرفنا في الفصل السابق كيف نجحت في إصدار وثيقة دولية خاصة بحقوق المرأة من خلال الأمم المتحدة وربطت تقديم المساعدات والقروض بقبول هذه الوثيقة وتنفيذها، وبالطبع فإن النموذج الغربي يقدم نفسه في هذه الوثيقة وغيرها باعتباره المقياس الذي ينبغي أن تقاس إليه كل السلوكيات الثقافية والحضارية.

[الحقوق السياسية للمرأة في الإسلام – محمد يعقوب عبدالله ]

وسوف نناقش الحقوق السياسية للمرأة من خلال المباحث التالية:

 

المبحث الأول

الرؤية الإسلامية والرؤية الغربية

إن معرفة الرؤية الإسلامية من قضية المرأة يتطلب معرفة الأسس المعرفية والمفاهيم الخاصة بها لتقديم تصور كلي يواجه التصورات الوضيعة دون أن يهملها أو يتجاهلها، ولا سيما أن الإطار المعرفي الإسلامي يتضمن المطلق وينطلق من عقيدة مرتبطة بوحي، وهو ما يميزها عن الإطار المعرفي العلماني الذي يتأسس على النسبية وإخضاع كل الظواهر للقياس، واستبعاد الدين من المنهج واعتباره موضوعاً من موضوعات الدراسة لا منطلقاً للعلم والمعرفة، وهذا الاختلاف بين الإطار المعرفي للنموذج الإسلامي والنموذج الغربي أدى إلى اختلاف السلوكيات الإنسانية والقوانين التي تنظمها. وتقوم الرؤية الإسلامية على ثلاثة مفاهيم كلية هي:

  • التوحيد:

يشكل جوهر العقيدة الإسلامية ومنطلق بناء حضارتها، الأمر الذي يستوجب أن يكون تحديد المنهج والمفاهيم السياسية الإسلامية موصولة بهذه القاعدة العقدية الأساسية التي تحدد رؤية الكون ومناهج التفكير ومسالك التفاعل الاجتماعي.

  • الاستخلاف:

يرتبط الإقرار بالتوحيد قيام الإنسان بخلافة الله في الأرض، وبالتالي استحقاق المنزلة التي لا تعلوا عليها سوى منزلة الله ودونها كل منزلة لغيره من المخلوقات. والإنسان مكلف تضبط حركته شريعة مصدرها الوحي، ثم يرد إلى الله بعد الموت ليسأله عن أداءه للأمانة وقيامه بالخلافة، وبذلك يرتبط مفهوم الاستخلاف بالمفاهيم الإسلامية الأخرى، وأبرزها مفاهيم العبادة والعمارة والأمانة التي تحدد رؤية الإنسان ووظيفته في هذا الكون.

  • السنن:

وهي مجموعة القوانين التي سنها الله في الكون والأنفس، ولا يستطيع الإنسان القيام بأمانة الاستخلاف إلا بالتعرف عليها وتسخيرها في عمارة الكون، وهذه السنن تنقسم إلى سنن كونية تحكم نواميس الطبيعة، وسنن فطرية تحكم الإنسان بكونه فرداً كما تحكم الاجتماع الإنساني وحركة المجتمعات، وسنن ثالثة تدعى سنن التكليف التي تنسجم مع ناموس الكون والفطرة الإنسانية وتبينها إحكام الشريعة الإسلامية أمراً ونهياً وتوجيهاً.

وتتضح أهمية المفاهيم الكلية الثلاثة في فهم الرؤية الإسلامية لعمل المرأة السياسي عند مقارنتها مع الرؤية الغربية العلمانية، إذ أنها قامت في جذورها المسيحية على فكرة التجسيد (أي تجسد الرب في المسيح الابن) وفكرة الثنائية (أي انقسام العالم إلى دنيا وآخرة والإنسان إلى جسد وروح والواقع إلى دين ودولة مع تقديم أحد الطرفين على الأخر) وقد انعكس هذا الانقسام في ظهور تيارين رئيسيين فيما يتعلق بقضية المرأة،

الأول: تيار إصلاحي حاول تغيير وضع المرأة من داخل الفكر المسيحي وأثار مشكلة كون الرب رجلاً وركز على الرموز النسائية في العقيدة ورفض مفهوم الأبوية وتفوق الرجل ووجوب طاعة المرأة له.

والثاني: تيار نسوي علماني اعتبر الدين سبب تردي أوضاع المرأة، وقد نجح هذا التيار في بلورة حركة تحرير المرأة التي طالبت بالضمانات القانونية وخاصة في مجال ظروف العمل وفي مجال الحقوق السياسية (حق التصويت) ثم تحول في عقدي الستينات والسبعينات من القرن العشرين إلى ما يسمى بالحركة النسوية التي طرحت رؤية راديكالية لعلاقة الرجل والمرأة ودورهما في الحياة، ومفادها أن استغلال الرجل للمرأة يشكل أحد ابرز إشكال الصراع ولا يقل أهمية عن الصراع الطبقي كأداة لتحليل التفاعلات الاجتماعية وفهمها. من ناحية أخرى شكل مفهوم الاستخلاف الذي يشمل الرجل والمرأة في الرؤية الإسلامية أساس توحيد الجنسين في ظل علاقة الولاية التي عبرت عنها الآية الكريمة ﴿وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ﴾ [التوبة: 71] فهذه الآية تؤكد أن الحياة العامة تحكمها الرابطة الإيمانية في إطار الأمة، وان المساواة بين الاثنين هي الأصل، وتتمثل المساواة في القيمة الإنسانية والحقوق الاجتماعية والمسؤولية والجزاء، وهذه المساواة تتأسس على وحدة الأصل ووحدة المآل والحساب يوم القيامة، أما ما ورد من استثناءات على هذه القاعدة، فمرده اختلاف الاثنين في بعض الخصائص التي تخدم تكاملهما في تحقيق الاستخلاف الذي يظل هو الإطار الضابط لهذه المساواة.

وتتميز الرؤية الإسلامية للمساواة عن الرؤية الغربية في أن العلمانية كانت السبب الرئيسي في ظهور مفهوم المساواة بين الله والإنسان والطبيعة، بدلا ًمن أن يكون التصور تدرجياً من خلال مفاهيم التوحيد لله والاستخلاف للإنسان والعمارة للطبيعة، الأمر الذي أدى في الممارسة الغربية إلى نشوب حالة صراع أدت إلى موت الإله وتدمير الإنسان واستنزاف الطبيعة. وقد انعكس ذلك على مفهوم المساواة بين الرجل والمرأة التي ارتبطت بتطور علاقات القوة بينهما بأشكالها المختلفة في الواقع، وهو ما أدى إلى انتقال حركة تحرير المرأة من المطالبة بالمساواة إلى ما يسمى النسوية التي شككت في مضمون الذكورة والأنوثة، وتأكيدها على ارتباطهما بالثقافة والتنشئة وليس القدرات والإمكانات، وطرحها لمفهوم الأمومة ونقدها لمفهوم الأبوية ودعوتها إلى الثقافة النسوية المستقلة ورفعها لشعارات الحرب بين الجنسين.

ومن ناحية ثالثة فإن السنن الكونية والفطرية والتكليفية وجدت لتلبية الحاجات الإنسانية المادية والمعنوية بشكل رشيد يحقق له الخير والصلاح، وقد شكلت السنن الفطرية والسنن التكلفية شقان متلازمان، فكان الاعتراض على الشريعة الإلهية الملائمة لطبيعة الفطرة واستبدالها بالقوانين الوضعية إيذاناً بظهور الفساد وزوال العمران وانهيار المجتمعات، وإذا كان الإنسان صاحب إرادة حرة فإنه يتحمل في ضوئها نتيجة اختياره، وإدراك السنن التي تحكم أية قضية ومنها قضية المرأة يستلزم في الرؤية الإسلامية الجمع بين السنن الإلهية والسنن الاجتماعية والتاريخية لتحقيق الشهود الحضاري. وعليه يمكن القول بأن الإسلام وضع المرأة في مكانها الطبيعي من حيث الإنسانية والتقدير والمنزلة وعدم اختلافها مع الرجل إطلاقا، كما أن ما منحه من حقوق لم يكن نتيجة مؤثرات خارجية أو ثورات اجتماعية واقتصادية أو أزمات سياسية وصراعات مسلحة أو إعمال جديدة مارستها المرأة، بل إنما كان تدبيراً إلهيا يتمثل فيه علم الخالق بمخلوقاته ورعايته لهم. ومن هنا يتطلب التعرف على الرؤية الإسلامية لحقوق المرأة السياسية الانطلاق من المصدرين الأساسين وهما القرآن الكريم والسنة الصحيحة، ومن ثم التعرف على المسيرة التي قطعها هذا الفهم على مدى العصور وربطه بالظروف التاريخية والاجتماعية والثقافية التي صدرت عنه للتميز بين النص المقدس الثابت وبين فهمه المتحول والمتغير، وخصوصاً أن المشكلة التي تعاني منها المرأة المسلمة هي عدم التمييز بين المصادر الأصولية الأساسية والمعرفة الدينية التي هي إنسانية وقاصرة وتحتاج إلى تعديل وتكميل.

[الحقوق السياسية للمرأة في الإسلام – محمد يعقوب عبدالله ]

 

المبحث الثاني

تاريخ مشاركة المرأة في العمل السياسي في الإسلام

في معظم الأحيان نقصر العمل السياسي على الترشيح والترشح في البلديات وفي مجالس الأمة، وتولي الوزارات، ونحو ذلك، في حين أن الرؤية الإسلامية للعمل السياسي أشمل وأوسع وأعمق من هذا بكثير.

وربما استنكر البعض أن يكون العمل السياسي مجالاً تصلح له المرأة ويصلح لها، ولن نستطيع أن نتقدم في الحديث حول هذا المجال إلا إذا تكلمنا عن تاريخ مشاركة المرأة في العمل السياسي بمفهومه الواسع على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

فها هي النساء تهاجر إلى المدينة بنص القرآن الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ﴾ [الأحزاب: 50].

وروى البخاري بسنده عن بن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أنه سمع مروان والمسور بن مخرمة – رضي الله عنهما – يخبران عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما كاتب سهيل بن عمر يومئذ كان فيما اشترط سهيل بن عمر على النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا، وخليت بيننا وبينه. فكره المؤمنون ذلك، وامتعضوا منه، وأبى سهيل إلا ذلك، فكاتبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، فرد يومئذ أبا جندل على أبيه سهيل بن عمر، ولم يأته أحد من الرجال إلا رده في هذه المدة، وإن كان مسلماً، وجاء المؤمنات مهاجرات، وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ وهي عاتق، فجاء أهلها يسألون النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجعها إليهم، فلم يرجعها إليهم لما أنزل الله فيهن ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ المُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ﴾ إلى قوله ﴿وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾ [الممتحنة: 10] [ أخرجه البخاري – كتاب الشروط ].

وها هي المرأة تبايع النبي صلى الله عليه وسلم وهو إمام الأمة، وقد ذكر القرآن الكريم هذه البيعة – والبيعة في صلب السياسة – فقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الممتحنة: 12].

عن بن عباس – رضي الله عنهما – قال: شهدت الفطر مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان – رضي الله عنهم – يصلونها قبل الخطبة، ثم يخطب بعد، خرج النبي صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إليه حين يُجْلِسُ بيده، ثم أقبل يشقهم حتى جاء النساء معه بلال فقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ﴾ [الممتحنة: 12] الآية ثم قال حين فرغ منها: “آنتن على ذلك ” قالت امرأة منهن لم يُجبْهُ غيرها نعم. لا يدري حسن من هي. قال: فتصدقن فبسط بلال ثوبه ثم قال:هلم لكُنَّ فداء أبي وأمي، فيلقين الْفَتَحَ والخواتيم في ثوب بلال.

[ أخرجه البخاري – كتاب العيدين ]

يعلق الأستاذ أبو شقة في كتابه القيم (تحرير المرأة في عصر الرسالة) فيقول: إن مبايعة النبي – صلى الله عليه وسلم – لها عدة دلالات:

الدلالة الأولى: استقلال شخصية المرأة وأنها ليست مجرد تابع للرجل بل هي تبايع كما يبايع الرجل.

والدلالة الثانية: بيعة النساء هي بيعة الإسلام والطاعة لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهذه يستوي فيها الرجال والنساء.

والدلالة الثالثة: مبايعة النساء النبي – صلى الله عليه وسلم – تقوم على أساسين: الأول: باعتباره – صلى الله عليه وسلم – المبلغ عن الله، والثاني باعتباره إمام المسلمين، ومما يؤكد وجود الاعتبار الثاني قوله تعالى: “ولا يعصينك في معروف”.

بالإضافة إلى مشاركة المرأة في الجهاد وهو من السياسة الشرعية، وإجارة المرأة للرجال والرسول – صلى الله عليه وسلم – يقر إجارتها كما سبق القول، ومشورة أم سلمة على النبي – صلى الله عليه وسلم – يوم الحديبية، كل هذا وغيره كثير، يؤكد وقائع وأحداث جرت في عهد الرسالة تؤصل لهذا العمل، وتبين أهمية وجود المرأة في المشهد السياسي على مسرح الأحداث.

يقول الأستاذ محمد سليم العوا في كتابه (الفقه الإسلامي في طريق التجديد): “والحق أن المرأة – من حيث تمتعها بحقوقها وحرياتها العامة، ومشاركتها في العمل السياسي العام – كالرجل سواء بسواء، وأنه لا تعارض بين قيامها بواجبها السياسي وبين قيامها بواجباتها الأخرى إلا بقدر ما يقع مثل هذا التعارض بين واجبات الرجل السياسية وواجباته الأخرى كذلك، وهو تعارض يزال – حين يقع – بصورة فردية في كل حالة على حدة، وليس من بين وسائل إزالته أو رفعه وضع قواعد مانعة للمرأة من العمل العام، أو قبول هذه القواعد حين يضعها الآخرون

“ومن هنا فإن العمل السياسي واجب شرعي لا ينفك عنه أحد من الناس، إما على وجه العينية أو على وجه الكفائية، والعمل السياسي ليس نافلة ولا تطوعا بل فريضة تتأسس على مفهوم الاستخلاف الذي هو مصدر الالتزامات الإيجابية والسلبية التي تقع على عاتق كل مسلم.

حتى المفهوم الضيق للعمل السياسي الذي يحصره البعض في الترشيح والترشح:

يقول عنه الدكتور مصطفى السباعي في كتابه (المرأة بين الفقه والقانون): “الإسلام لا يمنع من إعطائها هذا الحق، فالانتخاب هو اختيار الأمة لوكلاء ينوبون عنها في التشريع ومراقبة الحكومة، فعملية الانتخاب عملية توكيل، يذهب الشخص إلى مراكز الاقتراع فيدلي بصوته فيمن يختارهم وكيلا عنه في المجلس النيابي يتكلمون باسمه ويدافعون عن حقوقه، والمرأة في الإسلام ليست ممنوعة من أن توكل إنساناً بالدفاع عن حقوقها والتعبير عن إرادتها كمواطنة في المجتمع”.

بل إن الدكتور محمد فريد صادق في رسالته للدكتوراه (الحقوق السياسية للمرأة) ناقش أدلة المانعين من ممارسة المرأة للنشاط السياسي، ثم قال: “إن قصر الحقوق السياسية على الرجال دون النساء أمر لا يقره الإسلام الصحيح، الحريص على المساواة بين الرجل والمرأة في التمتع بهذه الحقوق السياسية، فليس ذنب الإسلام، وإنما هو ذنب بعض الذين يتحدثون باسمه”.

وقد كان للمرأة دور سياسي في كل عصور التاريخ الإسلامي حتى العصور التي نصفها بأنها عصور الانحطاط كانت لها فيها مشاركة فعالة، وحسبنا دراسة قامت بها الدكتورة ناريمان عبد الكريم أحمد (المرأة في العصر الفاطمي) تستعرض فيها المرأة في العصر الفاطمي ومشاركتها في الأنشطة العامة، والسياسية أيضاً، وفي الحياة الاقتصادية، ودور المرأة أيام المجاعات، والمهن المختلفة التي زاولتها، وموقفها من الحاكم بأمر الله، وغير ذلك.

ومن هذه الإطلالة السريعة على تاريخ المرأة في العمل السياسي في الإسلام نخرج بهذه النتيجة أنه لا توجد من النصوص الشرعية ما يمنع مشاركة المرأة في العملية السياسية، بل لا تمنع من مزاولة المرأة أي عمل مشروع سوى الولاية العظمى أورئاسة الدولة وهذا ما سوف نفرد له مكاناً للحديث عنه،

وتتمثل أهم مظاهر العمل السياسي في الواقع المعاصر التي يمكن أن تزاولها المرأة في الواقع المعاصر:

  • الاشتراك في النشاط الحزبي السياسي مع القوى والأحزاب.
  • إبداء الرأي في شئون السياسة وممارسة السلطات المختلفة في الدولة.
  • المشاركة في اختيار ممثل الأمة في المجالس المختلفة.
  • المشاركة في اختيار الحاكم.
  • الترشيح لعضوية المجالس المحلية والتشريعية.

[ مشاركة المرأة في العمل العام – وصفي عاشور أبو زيد ]

 

المبحث الثالث

مشاركة المرأة السياسية (شبهات – وردود)

كنَّا قد أشرنا عن بعض الشبهات وبعض الردود عليها في المبحث السابق، ولكن في هذا المبحث نستفيض في معرفة هذه الشبهات ومعرفة الردود عليها.

ومن أهم هذه الشبهات ما قاله الدكتور /عدنان علي رضا النحوي في مقالة بعنوان (مع قضية المرأة والعمل السياسي) وهذا نص ما قاله:

لقد سبق أن كتبت أكثر من مقال نُشر حول المرأة وميادين نشاطها، وكتبت كذلك كتاب:”المرأة بين نهجين: الإسلام أو العلمانية”. ولكن على كثرة ما أُثير حول هذا الموضوع في الآونة الأخيرة، وما طُرح من مغالطات، وجدت من واجبي أن أعود وأكتب هذا الردَّ والتعقيب على بعض ما قرأت.

يطلق بعضهم اليوم نصاً عاماً مطلقاً دون أي قيود يقول: إنَّ الإسلام قرَّر مساواة المرأة بالرجل مساواة كاملة سواء بسواء، أو يحصرها بحقِّ المرأة في النشاط السياسي كالرجل سواء بسواء. ولقد ذكرتُ في مقالة سابقة أنَّ هذا النصّ العام لا يصحّ إلا أن يستند على نصٍّ من الكتاب والسنَّة أو على ممارسة حقيقيّة ممتدّة زمن النبوّة الخاتمة والخلفاء الراشدين.
وردّ بعضهم عليّ في قولي المذكور أعلاه: إذا لم يوجد النصّ العام في الكتاب والسنّة ولا الممارسة الممتدّة، فهل يوجد نصّ بالتحريم، وهل الأصل في الأشياء الحلّ ما لم يقم نصّ على التحريم أو على العكس؟!

أقول هذا أسلوب جدليّ فيه مغالطة كبيرة، وخلط بين أمرين مختلفين. في مجال الحرام والحلال الأصل في الأشياء التحليل ما لم يرد نصّ على التحريم. أما في أمور التشريع المتعلق بالحقوق والواجبات، والعلاقات بين الرجل والمرأة، وبين الناس عامة، وميادين الممارسة في الحياة فلا بدَّ من نصّ يبيّن الحقوق والواجبات، ويؤيد ما يضعه الناس من نصوص عامة خالية من الضوابط والقيود أو يرفضها. ولذلك جاءت في الكتاب والسنّة نصوص ثابتة تحدّد حقوق الرجل والمرأة في الميراث حيث تختلف الحقوق، وجاءت نصوص ثابتة في أنَّ المسؤولية الأولى للمرأة رعاية بيت زوجها، وطاعته ورعاية ولده: “كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيّته….. والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم… ” [أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي].

والإسلام فرض الجهاد في سبيل الله على الرجل المسلم، ولم يفرضه على المرأة المسلمة، وإن اشتركت المرأة المسلمة فما كان ذلك إلا في بعض جوانب المعركة كمداواة الجرحى، وتوفير بعض المساعدات، أو في ظرف خاص مثل معركة أحد، لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سألته عائشة رضي الله عنها فقال: “نعم! عليهنَّ جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة” [أخرجه البخاري].

وصلاة الجمعة فرض على الرجل المسلم وليست فرضاً على المرأة المسلمة، وصلاة المرأة المسلمة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، وكذلك قوله سبحانه وتعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً﴾ [ النساء: 34].

والرجل هو المكلف بالإنفاق على البيت، والمرأة ليست مكلفة بذلك إلا إن أحبَّت أن تعين زوجها. فالرجل قوَّام على بيته وعلى زوجه، وقوَّام صيغة مبالغة تفيد المسؤولية الكبيرة.
وقِوامة الرجل في البيت على زوجه مفصّلة في الكتاب والسنَّة تفصيلاً واسعاً لا يترك لأحد فرصة لفساد تأويل، وكلها تجعل الرجل أمير البيت بالمعروف، وعلى الزوجة طاعته بالمعروف،ليسود السكن والمودة، حين يعرف الرجل دينه والمرأة دينها، ويتّقي كلّ منهما ربَّه، فيعرف كلّ منهما مسؤولياته وحدوده عن إيمان صادق وعلم صاف بالكتاب والسنّة.
ولكن من الناس اليوم من يريد أن يؤوّل معنى القِوامة حتى يحصرها في أمور ضيّقة تجعل من الزوجة مساوية للرجل في نظام الأسرة، تاركاً الأحاديث والآيات الكثيرة الواردة في ذلك.
ولا يحل لامرأة أن تصوم “نافلة” وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة ثلاثة أيام إلا ومعها محرم، ولا يحل لها أن تسافر مسيرة يوم إلا ومعها محرم، وأحاديث صحيحة أخرى كثيرة حول ذلك يصعب عرضها. وفي أحوال الطلاق تكون القاعدة: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ.

وبالفطرة ندرك الفروق بين المرأة والرجل بصفة عامة، وجاء العلم اليوم ليكشف الفروق الرئيسة بين الرجل والمرأة في النواحي الجسمية والنفسية. ولكن الله أعلم بكل الفروق، فأنزل تشريعه رحمة بعباده ولصالحهم في الدنيا والآخرة.

إذا كانت هذه بعض الفروق بين الرجل والمرأة، فإنها كلها لا تنقص من قدر المرأة في الإسلام ولا من كرامتها، فكرامة المرأة وقدرها تنبع من طاعتها لله في شرعه، وكرامة الرجل وقدره تنبع من طاعته لله في شرعه، ليعرف كلٌّ منهما حدوده التي حدّها الله دون التمرّد عليها بتأويل فاسد أو تجاهل لنصوص ثابتة.

وإذا كانت هذه بعض الفروق، فإن الإسلام ساوى بين المرأة والرجل في أمور أخرى واضحة. فالشعائر فرض على المسلم والمسلمة، وطلب العلم فرض على المسلم والمسلمة، وتبليغ رسالة الله ودينه فرض على المسلم والمسلمة كلٌّ في ميدانه وفي نطاق مسؤوليته، كلٌّ قدر وسعه الصادق. وللمرأة ميادين للعمل ليست للرجل، وللرجل ميادين للعمل ليست للمرأة، ويمارس الرجل مسؤولياته وحقوقه في النهج الذي رسمه الله له وبيّنه وفصَّله، وتمارس المرأة مسؤولياتها وحقوقها في النهج الذي رسمه الله لها وبيّنه وفصَّله. والأسرة هي الميدان الذي تشترك فيه المرأة والرجل في العمل في سكن ومودَّة وتعاون، ولكل دوره ومنزلته كما أشرنا سابقاً.
فيمكن للمرأة أن تمارس نشاطها العلمي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي وهي في ميدانها الذي رسمه لها الإسلام، دون اختلاط بالرجال، ودون تبرّج وكشف للزينة، ومع كامل الالتزام بآداب الإسلام. وهذا كله بعد أن تُوفي المرأة بمسؤوليَّتها الأولى التي حدَّدها الله لها في رعاية زوجها وبيته وولده. وأساس ذلك أن يكون المجتمع مجتمعاً ملتزماً بشرع الله خاضعاً له، حتى يتسنَّى وضع النظام والقانون الذي يفسح المجال للمرأة أن توفي بمسؤولياتها، من حيث تنسيق الوقت لكل نشاط دون تعارض وإخلال.

ولفهم فقه هذه القضية لا يكفي أن نأخذ حادثة واحـدة نتلقّفها من هنا وهناك، ننتزعها من ظروفها وملابساتها لنبتدع نصّاً بشريَّاً عاماً ننزله منزلة نصوص الكتاب والسنَّة ليُطبّق في كلِّ زمان ومكان! القضيّة قضية نهج ربّاني متماسك متكامل أنزله الله على رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- فلا بدّ من دراسته كلّه على ترابطه، وتطبيقه كله والتزامه كله على ترابطه وتماسكه، ولا يجوز التزام جزء وترك أجزاء.

والأمثلة التي يستدل بها مروّجو مساواة المرأة بالرجل كلها حالات فرديّة. لا تحمل صفة الامتداد والاستمرار، ولا تخضع لنصٍّ عام من كتاب أو سنَّـة. وتظل مرتبطة بظروفها الخاصة.

وكلُّ المروّجين لمبدأ مساواة المرأة بالرجل يأخذون قصة أم سلمة في الحديبية، حين شكا إليها زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم همّه من أنّ الصحابة لم ينصاعوا لأمره بالتحلّلِ وفكّ الإحرام. فأشارت عليه: اخرج أنت وفك الإحرام، فيقتدوا بك! واستحسن الرسول صلى الله عليه وسلم رأيها. وهكذا كان ! فالرجل يفرغ همه لزوجه، سواء أكان هماً سياسياً أو غير ذلك، ولا يُعقل أن ينحصر حديث الرجل مع زوجه في أمور المنزل، فالحياة كلها مفتوحة أمامهما يخوضان فيها على طاعة الله من خلال السكن والمودة، فهي ليست دليلاً على مشاركة المرأة للرجل سواء بسواء في النشاط السياسي. ولا أدلّ على ذلك من أنَّ أمّ سلمة نفسها لم نعد نراها هي أو غيرها مشاركة للرجال سواء بسواء في مجالس الشورى والسياسة وغيرها. أم سلمة -رضي الله عنها-كانت زوجة أعانت زوجها برأيها، ولم تكن سياسية مارست السياسة في المجتمع. ولا نجد في كتب السيرة والتاريخ لها دور المرأة التي خاضت ميادين السياسة كما يدعو بعضهم النساء إليه اليوم!

ومن النساء اليوم، ومن الدعاة من يستدل على حق المرأة ومساواتها للرجل في النشاط السياسي، (وهذا يتبعه المساواة في غير السياسة)، مِنْ أنَّ مِنَ النساء من هنَّ موهوبات مبدعات مثل الرجل أو أكثر. لا خلاف حول ذلك، فالله يضع المواهب في الرجال والنساء على حكمة له. لا ننكر أنّ من النساء من هنّ موهوبات في هذا الباب أو ذاك، وأنه من حقّهنّ ممارسة هذه الموهبة في الطبّ والتدريس والأدب والعلوم وغير ذلك. ولكن الاختلاف هو في أسلوب الممارسة، فهناك فرق بين النساء اللواتي يتولّين التدريس للذكور أو للإناث فقط، أو يمارسن التدريس مع الرجل في نفس المدرسة سواء بسواء كالرجل، أو أن يمارسن التدريس في أجواء النساء فقط! وأسلوب الإسلام واضح جلي! وكذلك في الطب وفي مختلف العلوم والميادين. فالمرأة تمارس مواهبها من خلال ضوابط شرعيّة، ومن خلال التزام منهج ربّاني متكامل وليس من خلال قواعد منفلتة!

وخديجة -رضي الله عنها- كانت أول امرأة آمنت، وأعانت الرسول صلى الله عليه وسلم بمالها وعقلها وجهدها، وبالتزامها لدين الله في حدود ما كان ينزل حينذاك. وذهابُها مع الرسول -صلى الله عليه وسلم – إلى ورقة بن نوفل أمر طبيعي من زوجة تقف مع زوجها وتعينه، خاضعة لشرع الله، على قدر ما كان يتنزّل آنذاك. ولكن أين المشاركة السياسية كالرجل سواء بسواء. كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلتقي بأصحابه في دار الأرقم، فهل كان النساء يختلطن مع الرجال في دار الأرقم كالرجال سواء بسواء، حيث كانت تدور شؤون الدعوة كلها؟

وانتداب أسماء -رضي الله عنها- عند الهجرة، وكانت هذه المهمّة هي نقل الطعام والأخبار إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولكن الحماسة أخذت ببعضهن حتى جعلت من هذا العمل دليلاً على مشاركة المرأة في النشاط السياسي كالرجل سواء بسواء، أو “جعلت من هذا العمل لا يقف عند النشاط السياسي والمشاركة فيه، ولكنه صناعة للحياة كلها”! وما زالت المرأة تقوم بمثل هذا الجهد في مجتمعات كثيرة خاضعة لأعراف المجتمع مع كل حالة.

كل هذه الأمثلة لم تقع إلا في مرحلة لم يكتمل فيها التشريع المنزّل من عند الله. فلم يكن الحجاب آنذاك قد فرض، وكثير من حدود المرأة والرجل لم يكن تنزّل بها تشريع أو اكتمل.
وأمَّا أنَّ الفاروق -رضي الله عنه- عهد إلى الشفاء بنت عبد الله محتسبة على السوق، فخبر يحتاج إلى تدقيق. فما ورد في “الإصابة في تمييز الصحابة” قوله: “وربما عهد إليها بشيء من عمل السوق”. و”ربما” تجعل الخبر غير موثوق، ولم ينقله عنه كثير ممن كتب عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أو عن الشفاء رضي الله عنها. وكان أحرى بنا أن نبرز الشفاء -رضي الله عنها- معلِّمة للنساء من الصحابة الكتابة والقراءة والرقية. فقد كانت من فضليات الصحابيات تعرف حدودها. وربما كان ما كُلِّفت به من أمر السوق، لو ثبت الخبر أمراً ليس فيه اختلاط بالرجال. فالخبر غير دقيق ولا العمل معروف وفيه “ربما”! وفيه: “بشيءٍ من عمل السوق”. وبعضنا يقرر من عند نفسه العمل عن غير علم ولا تبيُّنٍ.

أما القول بأنَّ سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ أفتى بدخول المرأة هذه المجالس النيابية، والمشاركة فيها فقول غير سليم. وسماحته لم يُفْتِ بذلك، وإنَّما أفتى بعكس ذلك. ففي كتابه: “الفتاوى النسائية ” يقول: “فإن الدعوة إلى نزول المرأة للعمل في ميدان الرجل المؤدي إلى الاختلاط سواء كان على جهة التصريح أو التلويح بحجة أنَّ ذلك من مقتضيات العصر ومتطلبات الحضارة أمر خطير جداً له تبعاته الخطيرة وثمراته المرّة وعواقبه الوخيمة، رغم مصادمته للنصوص الشرعيّة. ومن أراد أن يعرف ما جناه الاختلاط من المفاسد التي لا تُحصى فلينظر إلى تلك المجتمعات التي وقعت في هذا البلاء العظيم….” ويقول سماحته: “فالدعوة إلى نزول المرأة في الميادين التي تخصّ الرجال أمر خطير على المجتمع الإسلامي…” [ص:15-17]
ويقول فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين ـ رحمه الله ـ في كتابه: “من الأحكام الفقهية في الفتاوى النسائية” ص 62:”… المجال العمليّ للمرأة أن تعمل بما يختص به النساء مثل: أن تعمل في تعليم البنات سواء أكان ذلك عملاً إدارياً أو فنياً، وفي بيتها أعمال كثيرة….، وأما العمل في مجالات تختص بالرجال فإنه لا يجوز لها أن تعمل حيث إنه يستلزم الاختلاط بالرجال وهي فتنة عظيمة يجب الحذر منها”.

والاستشهاد بالآية الكريمة: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [الجمعة:11].

ليس حجة على شيء إلا أن في الرجال ضعفاء ومنافقين، وكذلك في النساء يوجد ضعيفات ومنافقات. فهذا أمر خارج عن موضوع البحث كله.

وربما تجد امرأة أو فتاة تردُّ على ما طرحته حول هذا الموضوع، ثم تخفي اسمها، و كان أولى أن تُفصح عن اسمها لتمارس حقَّها في ذلك. فبإخفاء اسمها ناقضت نفسها في دعواها من حق المرأة في المشاركة في العمل السياسي كالرجل سواء بسواء. فإذا أخفت اسمها فكيف ستنزل ميادين الرجال باسمها وجسمها؟!

وكان خيراً لكل من يتعرَّض لمثل هذه الموضوعات أن يتثبَّت من كل خبر قبل أن ينقله على غير وجهه الصحيح، كما في موضوع الصحابية شفاء بنت عبد الله العدوية رضي الله عنها، وكما فيما نُقل عن سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله.

وأنصح كذلك أن يتجنب المسلم المغالطة والتأويل الفاسدين واللعب بالألفاظ، كما نرى عند بعض من يدعو إلى مساواة المرأة بالرجل مساواة مطلقة، أو بالعمل السياسي، وأنصح بعدم تلقُّط الحوادث المرتبطة بظروفها غير ممتدَّةٍ مع الزمن، وغير ممثِّلة لقاعدة شرعيَّة.

وكذلك فمما قرأته من جميع الداعين إلى مساواة المرأة بالرجل إما مساواة مطلقة، أو مساواة في العمل السياسي، لم أجد أحداً أتى بدليل شرعي واحد يحسم القضية لصالح رأيه. وكما قلت فإنَّ الأمثلة التي يسوقونها إما حوادث لم تحمل صفة الاستمرار في المجتمع الإسلامي زمن النبوّة الخاتمة والخلفاء الراشدين، وإما تأويل غير سليم لآية أو حديث، تأويل لم يُعرف خلال خمسة عشر قرناً الماضية، ولا يتفق وأُصول اللغة العربية أو قواعد الاجتهاد، أو تحميل الألفاظ ما لا تحتمل، أو أن تكون الرواية غير صحيحة أو غير دقيقة، ويكون الاستنتاج تبعاً لذلك غير سليم.

ولا بدّ من أن نعي أنَّ إثارة حقوق المرأة اليوم ومساواتها بالرجل إثارة تحمل الفتنة والتضليل. ذلك لأن مشكلة المسلمين اليوم ليست مساواة المرأة بالرجل، فالمرأة نفسها تحتاج إلى بناء وإعداد، والرجل يحتاج إلى بناء وإعداد، وقضايا الأمة كلها يجب أن تُدرس وتُحدد المشكلات ومواطن الخلل، ثمّ يوضع نهج عام وخطة كاملة لمعالجة جميع المشكلات. أمّا أن نخفي مشكلاتنا الكبيرة ونبرز مساواة المرأة بالرجل فأمر غريب يتنافى وأبسط قواعد المنطق وواجبات الإصلاح ومنهاج الإسلام.

ولقد طُبّقت مساواة المرأة بالرجل في السياسة وغيرها في بلدان عربية وإسلامية، فماذا قدَّمت هذه المساواة لبلادهم؟ وماذا جنت البلاد غير الهزائم والذل والهوان؟ ولم تأخذ من الحضارة إلا زخرفاً كاذباً، لم يهب القوَّة للأمـة ولا العزّة والمنعة، ولا القدرة على حماية الأرض والنفس والعرض.

لقد أشغلنا الغرب بقضايا كثيرة أخذت وقتنا وجهدنا وأموالنا واستنفدت طاقاتنا، حتى وقفنا عاجزين لا وزن لنا.

المظاهرات صورة من صور النشاط السياسي، والمرأة شاركت في المظاهرات في بعض البلاد الإسلامية، فلننظر ماذا لا قين وماذا كتبت الصحف عن ذلك. وأنشطة سياسية أخرى رأينا عواقبها في بعض مجتمعاتنا الإسلامية، ورأينا عواقبها الخطيرة في العالم الغربي. أليس في هذا كله من واعظ وعبرة؟!

[ موقع صيد الفوائد ]

وممن قام بالرد علي هذه الشبهات الدكتور / عصام البشير وزير الأوقاف والشئون الإسلامية الأسبق بالسودان في مقالته التي بعنوان (مشاركة المرأة سياسيا شبهات وردود) فقال:

مع ما أثبته تاريخ الإسلام، وما تقتضيه نصوصه ومقاصده،، وما تشهده البشرية من تقدم وازدهار ارتقى بعقل الإنسان بعيدا عن عصور الظلام.. مع كل ذلك ما زالت هناك أصوات في العالم الإسلامي تدعو إلى منع المرأة من المشاركة في العمل السياسي والوظيفي إلا في إطار ضيق جدًا، مستشهدة على ذلك بجملة أدلة لا تثبت لدى النظر الفاحص الدقيق، منها:

  • قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ﴾ [ الأحزاب:33] فلا يجوز الخروج إلا لضرورة.

2- سد الذرائع: وبناء عليها يقولون إن مشاركة المرأة في العمل العام تعرضها للاختلاط بالرجال، وربما الخلوة، وهذا حرام، وما أدى للحرام فهو حرام.

3- مشاركة المرأة سياسيًّا ربما تجعل لها ولاية على الرجل، وهذا ممنوع شرعا ومخالف للأصل الذي أثبته القرآن الكريم: “الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ”.

والجواب عن ذلك كما عبَّر الشيخ العلامة د. يوسف القرضاوي:

1- آية “وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ” لا تنهض دليلا لمنع مشاركة المرأة في العمل العام، وذلك لأسباب، منها:

أ – الآية تخاطب نساء النبي صلى الله عليه وسلم كما هو واضح من السياق، ونساء النبي صلى الله عليه وسلم لهن من الحرمة وعليهن من التغليظ ما ليس على غيرهن، ولهذا كان أجر الواحدة منهن إذا عملت صالحا مضاعفا، كما جعل عذابها إذا أساءت مضاعفا أيضا.

ب – أن أم المؤمنين عائشة مع هذه الآية خرجت من بيتها، وشهدت (معركة الجمل) استجابة لما تراه واجبا دينيا عليها، وهو القصاص من قتلة عثمان، وإن أخطأت التقدير فيما صنعت كما ورد عنها رضي الله عنها.

ج- أن المرأة قد خرجت من بيتها بالفعل، وذهبت إلى المدرسة والجامعة وعملت في مجالات الحياة المختلفة، طبيبة ومعلمة ومشرفة وإدارية وغيرها، دون نكير من أحد يعتد به.. مما يعتبره الكثيرون إجماعا على مشروعية العمل خارج البيت للمرأة، بشروطه الشرعية المعروفة من احتشام وغيره.

د- أنَّ الحاجة تقتضي من (المسلمات الملتزمات) أن يدخلن معركة العمل العام في مواجهة المتحللات والعلمانيات اللائي يتزعمن قيادة العمل النسائي، والحاجة الاجتماعية والسياسية قد تكون أهم وأكبر من الحاجة الفردية التي تجيز للمرأة الخروج إلى الحياة العامة.

سد الذرائع وفتحها سواء

2 – سد الذرائع: لا شك أنَّ سد الذرائع مطلوب، ولكن العلماء قرروا أنَّ المبالغة في سد الذرائع كالمبالغة في فتحها، وقد يترتب عليها ضياع مصالح كثيرة، أكبر بكثير من المفاسد المخوفة، وهو من المسائل التي تقدر بقدرها من غير ما شطط ولا غلو.

وقد وقف بعض العلماء يوما في وجه تعليم المرأة ودخولها المدارس والجامعات من باب سد الذرائع حتى قال بعضهم: تعلم القراءة لا الكتابة حتى لا تستخدم القلم في كتابة الرسائل الغرامية ونحوها!

ولكن غلب التيار الآخر، ووجد أن التعلم في ذاته ليس شرا، بل ربما قادها إلى خير كثير، وغالى بعض المنكرين لحق المرأة في تعلّم القراءة والكتابة، فدعا إلى حرمانها حتى من قراءة بعض السور الطوال، فقال:

علموهن الغزل والرند *** وخلوا قراءة وكتابة

وقراءة الفتاة بالحمد *** والإخلاص تغني عن يونس وبراءة

3- المرأة والولاية على الرجل: إنَّ الآية الكريمة التي ذكرت قوامة الرجال على النساء إنما قررت ذلك في الحياة الزوجية، فالرجل هو ربّ الأسرة، وهو المسئول عنها، بدليل قوله تعالى: “الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ”،

فقوله: “وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ” يدلنا على أنَّ المراد القوامة على الأسرة، وهي الدرجة التي منحت للرجال في قوله تعالى: “وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ”.

ومع قوامة الرجل على الأسرة ينبغي أن يكون للمرأة دورها، وأن يؤخذ رأيها فيما يهم الأسرة، كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم في مسألة فطام الرضيع، “فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا”، وكما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود: “أمروا النساء في بناتهن”، أي استشيروهن في أمر زواجهن.

أما ولاية بعض النساء على بعض الرجال خارج نطاق الأسرة فلم يرد ما يمنعه، بل الممنوع هو الولاية العامة على الرجال.

والحديث الذي رواه البخاري عن أبي بكرة رضي الله عنه مرفوعا: “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” إنما يعني الولاية العامة على الأمة كلها، أي رئاسة الدولة، كما تدل عليه كلمة (أمرهم) فإنها تعني أمر قيادتهم ورياستهم العامة.

أما بعض الأمر فلا مانع أن يكون للمرأة ولاية فيه، مثل ولاية الفتوى أو الاجتهاد، أو التعليم أو الرواية والتحديث أو الإدارة ونحوها، فهذا مما لها ولاية فيه بالإجماع.

وقد مارسته على توالي العصور، فظهر في النساء نوابغ كأمهات المؤمنين وعمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية التي أخذ عنها ابن شهاب الزهري فوجدها بحرا لا ينزح، وفاطمة السمرقندية، وكريمة التي روت البخاري، وأم الخير التي روت مسلم، وغيرهن كثير.

حتى القضاء أجازه أبو حنيفة فيما تشهد فيه، أي في غير الحدود والقصاص، مع أن من فقهاء السلف من أجاز شهادتها في الحدود والقصاص، كما ذكر ابن القيم في (الطرق الحكمية).

وأجازه الطبري بصفة عامة، وأجازه ابن حزم، مع ظاهريته، وهذا يدل على عدم وجود دليل شرعي صريح يمنع من توليها القضاء، وإلا لتمسك به ابن حزم، وجمد عليه، وقاتل دونه كعادته.

وسبب وردود الحديث المذكور يؤيد تخصيصه بالولاية العامة، فقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ الفرس بعد وفاة إمبراطورهم، ولوا عليهم ابنته بوران بنت كسرى، فقال: “لن يفلح قوم….” الحديث.

 

 المرأة وحق الانتخاب

واستصحابا لما تقدم من مشاركة المرأة في الحياة العامة، نفرد حديثا موجزا عن حقها في الانتخاب.. والذي يتحرر لي هو جواز اشتراك المرأة في انتخاب من يمثلون الأمة ويحملون همّ أعبائها وينظرون في شئونها؛ للآتي:

1- إنَّ الأصل في الأعمال الإباحة ما لم يرد نص التحريم، قال ابن تيمية: “إن تصرفات العباد والأفعال نوعان: عبادات يصلح بها دينهم وعادات يحتاجون إليها في دنياهم”. فاستقراء أصول الشريعة أنَّ العبادات التي أوجبها الله أو أباحها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع، ومعلوم أنَّ انتخاب المرأة من يمثلها من العاديات التي تبقي على أصل الإباحة إذ لم يرد من نصوص الشرع ما يحظرها من حق الاختيار والانتخاب.

2- الإسلام منح المرأة حريتها كاملة كالرجل سواء بسواء، فأقرّ اختيارها لزوجها، ولم يمنعها من التعبير عن إرادتها، واحترم جوارها، فتلك أم هانئ تجير رجلا أسيرا من المشركين، فيصل النبي صلى الله عليه وسلم خبر جوارها، ويقول: “أجرنا من أجرت، وأمنّا من أمنت يا أم هانئ” وهذا مضمون قول عائشة رضي الله عنها: “إن كانت المرأة تجير على المؤمنين فيجوز” وقد أجمع نظار الأمة ومحققوها على جواز أمانها حربا وسلما، فإذا أجاز الإسلام لها الأمان في السلم والحرب فكيف تمنع من انتخابها لنواب الأمة؟

3- إنَّ انتخاب المرأة لغيرها لا يخرج عن كونه إما توكيلا للغير بالدفاع عن حقوقها والتعبير عن إرادتها، وإما شهادة للغير بأنه قادر على القيام بوظيفة النائب والمدافع عن مصالح الأمة. وهما يصحان من المرأة؛ لأنها تتمتع بكامل الأهلية التي تمكنها من توكيل غيرها، كما أنَّ القرآن نصَّ على قبول شهادتها.

4- مبايعة المرأة للنبي صلى الله عليه وسلم، لقد بايعت المرأة النبي في العقبة الأولى والثانية واستمرت مبايعة النساء له طيلة حياته، وكانت صيغة البيعة في العقبة الثانية واحدة للرجال والنساء، فبايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على حرب الأحمر والأسود، وأخذ لنفسه واشترط على القوم لربه، وجعل لهم على الوفاء بذلك الجنة.

قال عبادة بن الصامت: “بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الحرب على السمعة والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا، والبعد عن الفواحش، فإنَّ البيعة الثانية كانت على الحرب والجهاد في سبيل الله، والدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأييده من قبل الرجال والنساء جميعا، وإذا قيل إنَّ آية بيعة النساء لم تتضمن المعنى السياسي قلنا: إنَّ قوله تعالى: “وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ” يعني إتباع أوامر النبي صلى الله عليه وسلم والامتناع عن نواهيه في شئون الدين

والدنيا، وهذا مبايعة للرسول صلى الله عليه وسلم بالمعنى السياسي، وهذا أفضل دليل على مشاركتها في الشئون العامة.

والمحظور الوحيد في إعطاء المرأة حق الانتخاب هو اختلاطها بالرجال أثناء الدعاية الانتخابية

والاقتراع، مما يعد ذريعة لفساد محتمل، مما يستوجب سد الذرائع بالتزام المرأة واجبات الإسلام

في مظهرها وسلوكها، فتتجنَّب التبرج والخلوة والخضوع بالقول والتكسر في مشيها، كما على

الدولة واجب توفير الأماكن الخاصة باقتراعهن تحصينا لهن من غوائل الفتنة والفساد.

[ موقع إسلام أون لاين نت ]

 

المبحث الرابع

ضوابط مشاركة المرأة

ولعل من المناسب في هذا الموضع إيراد جملة الضوابط الشرعية لمشاركة المرأة في الحياة العامة وظيفيا أو مهنيا أو سياسيا:

1 – الزي الشرعي: قال تعالى: “وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ”[النور:31]، وقال: “وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى”[الأحزاب:33]، فينبغي على المرأة أن تلبس اللباس المحتشم الساتر الفضفاض الذي لا يكون زينة في نفسه على نحو ما هو مبين في كتب الفقه.

2-غضّ البصر، قال تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾؟[النور: 30- 31]، قال ابن عبد البر: “وجائز أن ينظر إلى ذلك منها (الوجه والكفين) كل من نظر إليها غير ريبة ولا مكروه، وأما النظر للشهوة فحرام”.

3- التمييز عن الرجال واجتناب المزاحمة: عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه ومكث يسيرا قبل أن يقوم، قال ابن شهاب: “فأرى والله أعلم أنَّ مكثه لكي ينفذ النساء قبل أن يدركهن من انصرف من القوم” ويؤكد هذا قوله صلى الله عليه وسلم: “لو تركنا هذا الباب للنساء”.

4- اجتناب الخلوة: عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم” قال الحافظ ابن حجر: “فيه منع الخلوة بالأجنبية، وهو إجماع.. لكن اختلفوا هل يقوم غير المحرم مقامه في هذا كالنسوة الثقات؟ والصحيح الجواز لضعف التهمة به”.

5-جدية مجال اللقاء: قال تعالى: “وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا”، وتشير هذه الآية إلى أنَّ موضوع الحديث بين الرجال والنساء ينبغي أن يكون في حدود المعروف ولا يتضمن منكرا، كما ينبغي أن تكون للقاء أسباب جادة تدعو إليه.

6- وجوب إذن الزوج للدخول إن كان مقيما غير مسافر: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه”.

7- ألا يكون خروج المرأة للعمل العام على حساب زوجها وبيتها وأولادها: بمعنى ألا تمنعها المشاركة في العمل العام من الوفاء بكل واجباتها، زوجة وأما (وخير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش.. أحناه على ولد في صغره، وأرعاه لزوج في ذات يده)، ولا بدَّ من محاولة التوفيق والتوازن بين العمل داخل البيت وخارجه.

[ المرجع السابق ]

 

 

المبحث الخامس

الولاية العامة للمرأة هل تجوز ؟

أجاب الشيخ عطية صقر بقوله:

رئاسة المرأة للرجل في أي عمل لا تكون ممنوعة إلاّ في الرّئاسة أو الولاية العامة التي جاء فيها الحديث الصحيح:”

لن يفلح قومٌ ولَّوْا أمرهم امرأة ” رواه البخاري وغيره. وذلك أمر اتفق عليه العلماء، لخطورة هذه الولاية وحاجتها

إلى مواصفات عالية فيمن يتولاها، وبدون نقاش” الرجال أقدر من النساء في هذا المجال” وليس هذا تحيُّزًا أو تعصُّبًا، فالحياة أساسها التعاون ولا يتم الخير إلا بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب، كما سبق أن ذكرناه.

منتديات طالب العلم الشرعي

 

وممن أجاز ولاية المرأة الدكتور يوسف القرضاوي بقوله:

ففي حوار لفضيلته أفتى بجواز تولي المرأة لرئاسة الدولة وهذا هو نص الحوار:

فضيلة الشيخ نصل إلى قمة الهرم كما يقولون، وهو تولي المرأة منصب رئاسة الدولة، فالبعض يقول بالجواز، وبعضهم لا يقول بذلك، ويلحق الأمر بالإمامة الكبرى؟

– هذا الأمر يدور الكلام فيه حول حديث رواه البخاري عن أبي بكرة ـ رضي الله عنه ـ وجاء فيه قول النبي: “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” وهذا قاله حينما ولى الفرس عليهم بنت كسرى بعد وفاة والدها، فبلغ ذلك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”.

* يعني هذا كما يقولون هو حادثة عين؟

– نعم، ولكن حادثة عين جاء فيها حديث بلفظ عام؛ لأنه قال “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” وهذه نكرة في سياق النفي، والنكرة في سياق النفي تفيد العموم، وإنما هناك بحث آخر هل الأسباب لها علاقة بفهم ألفاظ العموم أم لا؟ هناك خلاف في هذه القضية، والرأي الراجح فيها أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

ولكن، بعض المحققين مثل الإمام الشاطبي في “الموافقات”، قال إنه لابد أن نرجع فيها إلى أسباب النزول، وإلا وقعنا في الخطأ، وضرب لها أمثلة، موضحا أن ابن عمر كان يرى الحروريين أو الخوارج شر الناس لأنهم يأخذون ما نزل في المشركين ويجعلونه في المسلمين.

وأنا أرى أن هذا الحديث يجب أن يخصص؛ لأن القرآن ذكر لنا امرأة حكمت الرجال حكمًا عادلاً عاقلاً، وانتهت بهم إلى خيري الدنيا والآخرة، وهي ملكة سبأ “بلقيس”، فحينما جاءها الخطاب من سليمان (ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين) قالت: (يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرًا حتى تشهدون) امرأة شورية تستشير في كل شيء، قالوا لها (نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين) فوكلوا لها الأمر، ونظرت في الأمر بغاية الحكمة وحسن التدبير، وانتهت إلى أنها لم تدخل المعركة وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين.

* لكن قد يعترض البعض هنا ويقول إن هذا شرع من قبلنا، وليس متفق على شرع من قبلنا؟

لماذا ذكرها القرآن إذن؟ هل القرآن يذكر هذه الأشياء عبثًا؟ أم يذكرها لننتفع بها (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) فلابد أن الإنسان يذكر له هذا النموذج، امرأة ومع هذا وصلت بقومها إلى النجاة من دخول حرب خاسرة لا معنى لها، وانتهت إلى الإسلام مع سليمان لله رب العالمين.

– فهذا يدل على أنه ليس كل امرأة غير صالحة للحكم، ولكن هناك إجماعًا للفقهاء على أن المرأة لا تصلح للخلافة العامة، أو الإمامة العظمى، والتي هي خلافة المسلمين جميعًا، ولكن هل الرئاسة الإقليمية في الدول القطرية الحالية تدخل في الخلافة، أم أنها أشبه بولاية الأقاليم قديمًا.

* إذن فضيلتكم ترى أنه ليس هناك ما يمنع من ترشح المرأة لرئاسة، أو لتولي منصب رئاسة الجمهورية؟

– نعم.

[مصطفى عبد الجواد-موقع القرضاوي/31-8-2009 ]

 

المبحث السادس

أبرز التحديات التي تواجه مشاركة المرأة السياسية

  • التحدي العالمي والاستلاب الغربي

ويتمثل هذا التحدي في المخططات التي تخطط للمرأة وتحاك من أجلها، والمؤتمرات العالمية التي تعقد في أنحاء العالم، والاتفاقيات التي تكتب ويوقع عليها دول وشعوب، لا لمصلحة المرأة وإنما – يقصد بها إقحام النموذج الغربي على حياة المرأة العربية الشرقية الملتزمة والمحافظة، وعولمة المرأة بحيث تصب صباً في قالب النموذج الغربي، والمرأة المسلمة لا تملك إزاء هذا التحدي العالمي والاستلاب الغربي إلا أن تقوم بما يلي:

  • أن تكون على وعي تام بهذه المؤتمرات والندوات وبكل أبعادها وآفاقها وأهدافه

يقول الشيخ (منصور الرفاعي عبيد):

” إن المرأة عليها أن تدرك أن مكانتها الصادقة ومجدها المتألق وحريتها المصونة هي في أن تحصِّن نفسها بالشرف، وتتوج مجدها بالعفة، وعليها أن تعلم أن الحرية التي تتغنى بها المدنيات اليوم رجوع بالمرأة إلى العبودية في ثوب براق، وأن الرجل يريد أن يجعلها مسلاة لمجلسه، وترفيها له في عمله ”

  • أن تتسلح بالثقافة الشرعية الأصيلة، وتطالع النماذج الباهرة لتاريخ النساء في العصور المتتابعة، لتقف على حقيقة موقف الإسلام من المرأة، وليتكون لديها مناعة ضد أي فكر مختل أو محاولات منحرفة تهدف إلى إفسادها.
  • أن توضح لغيرها وتبلغ لبنات جنسها مخاطر هذه الاتفاقيات والملتقيات على المرأة والموقف الشرعي الصحيح من المرأة، فإن الدائرة تكتمل مع العلم والفهم بالتبليغ والتواصل.
  • إذا كان الغرب يريد للمرأة أن تُصَبَّ في القالب الغربي عبر هذه الاتفاقيات والندوات فإن على نساء المسلمين أن يقمن بعقد ندوات وملتقيات متقابلة وإبرام اتفاقيات ولو عرفية لتكون دلالة واضحة على تمسك المرأة المسلمة بدينها.
  • وإذا كانت المجتمعات الغربية تقوم على التكتلات والمنظمات والاتحادات فيجب – بالمقابل – على المرأة المسلمة أن تشكل مع بنات جنسها جمعيات نسائية واتحادات ومنظمات تناهض هذه التيارات التغريبية التي تريد أن تفسد مجتمعات المسلمين.
  • تحدي الأعراف الموروثة والقناعات الاجتماعية السائدة

وهذا التحدي لا يقل خطورة عن التحدي السابق، فإذا كان السابق يريد أن يستلب المرأة من

أصولها ومقررات دينها، فإن هذا يريد أن يجعل المرأة أن تعيش في قرون ماضية بعيدا عن

مواجهة قضايا عصرها على نور وهدى من كتاب ربها وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

ويتحدث الشيخ الغزالي – رحمه الله – عن هذا الحال قائلاً:

” المرأة عندنا ليس لها دور ثقافي ولا سياسي، لا دخل لها في التربية ولا نظم المجمع، لا مكان لها في صحون المساجد، ولا ميادين الجهاد، ذكر اسمها عيب، ورؤية وجهها حرام، وصوتها عورة، ووظيفتها الأولى والأخيرة إعداد الطعام والفراش ” ومن أجل هذا التحدي وسابقه ألف الداعية الشيخ محمد الغزالي كتابه (المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة) لكي يضع الأمور في نصابها، بعيداً عن الراكد والوافد وبمعزل عن الإفراط والتفريط.

ومن هنا فإن أوضاع المرأة تحتاج إلى مراجعات شديدة في هذا الشأن، ولا سيما أوضاع المرأة داخل أروقة المؤسسات والحركات الإسلامية التي يفترض أن تكون رائدة في المجتمع، لتقدم المثال والنموذج المناسب للإسلام.

  • تحدي تطوير الذات والوعي بالحقوق والمسؤوليات

ويمكن أن يساعدها في ذلك أمور:

  • أن تدرك المرأة أهمية تطوير ذاتها، وأهمية وعيها بحقوقها ومسؤوليتها، حتى تصير على بصيرة من أمرها ما دامت تطالب بحقوقها بعد أن تؤدي واجباتها.
  • تمتين كيان الأسرة وتعزيز العلاقة بالزوج، لأن هذا أساس متين، إذا صح واستقر فإنه يمكِّنُ المرأة من الانطلاق الدائم، والعمل المستمر، حيث ستحظى بتشجيع الزوج ودعمه، لإيمانه بهذه الرسالة من خلال التفاهم والحوار الذي يفترض أن يكون بينهما دائماً.
  • نظراً لضيق الوقت وانشغال المرأة التي تخدم نفسها وبيتها ومجتمعها، عليها أن تتخير من الوسائل التطويرية ما يناسب وقتها، ولن تعدم المرأة في عصر ثورة المعلومات أن تجد وسائل تحقق لها هذا التطوير وتحفظ لها وقتها، وتضمن لها موازنتها بين مهامها المختلفة .
  • تحدي التوازن بين مهام المرأة المختلفة

يقول المستشار سالم البهنساوي في كتابه (مكانة المرأة): “إن القيد الوحيد على المرأة هو التوفيق بين مسؤوليتها بين أولادها وزوجها، وبين ممارستها للعمل الاجتماعي في الحياة العامة. إن هذا هو القيد الوحيد على المرأة، لأن الضوابط الأخلاقية ليست قيودا كما أنها إلزام على المرأة والرجل، وليست فرضاً على النساء وحدهن”.

عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “خير نساء ركبن الإبل نساء قريش ” وقال الآخر: “صالح نساء قريش، أحناه على ولده في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده ” [ متفق عليه ].

قال بن حجر في فتح الباري: “وفي الحديث الحث على نكاح الأشراف، وحسن التربية والقيام على الأولاد، وحفظ مال الزوج ” وحسن التدبير فيه ”

ويعين المرأة على التوازن في هذه المسؤوليات ما يلي:

  • التخطيط الجيد الذي يحدد الأهداف ويعي الأولويات.
  • تنظيم الوقت ومعرفة قيمته، وفن إدارته، فالوقت هو الحياة.
  • أن تشرك معها زوجها في التخطيط والتنظيم، فإن هذا أدعى لإحداث التوازن والتعاون والاستمرار.
  • أن تشرك معها أبناءها، فإن هذا ينمي مهارات وملكات ومواهب الأبناء، ويعين على التوازن المطلوب.
  • تحدي الدوام على العمل واستمراره

إن المرأة كثيراً ما تنشط في أعمال موسمية مثل الانتخابات البلدية أو التشريعية، أو في وقت أزمة من أزمات الأمة مثل الاعتداء على شعب، أو حصاره، أو احتلال بلد مسلم، أو في المقاطعة حين تحدث إساءة من دولة غير مسلمة، ثم ما تلبث أن يهمد النشاط وتخفت الهمة وتسكن الحركة. وهذا ليس من الإسلام في شيء، فعن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت سُئِلَ النبي – صلى الله عليه وسلم – أيُّ الأعمال أحب إلى الله قال: “أدومها وإن قل”.

[ رواه البخاري ]

فالإسلام يشجع على دوام العمل ولو كان قليلاً لأن في المداومة الإنجاز الدائم والمستمر، وتطوير الذات، وكسب الخبرات ويمكن أن تتعامل المرأة مع هذا التحدي كالآتي:

  • إدراك خطورة الانقطاع عن العمل على المستوى الشخصي والمجتمعي، وإدراك أهمية المداومة أيضاً والتواصل على نفس المستويين.
  • أن تخفف المرأة من مهامها، فلا تحِّمل نفسها مالا تطيق، فإن حمَّلت نفسها فوق طاقتها جاء عليها وقت تترك فيه العمل بالكلية.
  • أن توغل في النشاط برفق فلا تتحمس تحمساً شديداً في البداية ثم تهمل شيئاً فشيئا حتى تترك النشاط بالكلية.

هذه بعض التحديات التي تواجه المرأة أثناء مباشرتها للعمل السياسي، وهذه بعض التصورات لمواجهة هذه التحديات التي تواجهها.

[ مشاركة المرأة في العمل العام – وصفي عاشور أبوزيد ]

 

المبحث السابع

أهم الآليات التي تفعل طاقات المرأة ومشاركتها السياسية في المجتمع

  • أن نعيد للخطاب الديني بشأن قضاياها توازنه واعتداله:

فلا نميل مع المُفَرِّطين، ولا مع المُفْرطين، بل نبتغي سبيلاً معتدلاً وخطاباً وسطاً بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، ينشد من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين.

  • دور الإعلام في دعم مشاركة المرأة سياسياً:

وذلك من خلال تقديم الصورة المنضبطة للمرأة العاملة التي توازن بين واجباتها وتخدم مجتمعها ودينها، ويكون ذلك من خلال تقديم أعمال فنية تاريخية وواقعية، تبين النماذج الملتزمة، وتحذر من الأمثلة المنغلقة والمنفلتة.

  • دور الحركات والمنظمات الإسلامية:

وذلك عبر استلهام النماذج التطبيقية لمشاركة المرأة في عصر الرسالة بكل أبعادها، وما تلاها من عصور سارت على نفس الدرب مما يبرز جلياً اهتمام الإسلام بالمرأة في كل المشاركات وخصوصاً السياسية.

  • دور الأسرة والمجتمع والمدرسة:

وذلك من خلال تربية المرأة على النموذج الأمثل لطبيعة المرأة، والحفاظ عليها وإبراز مكانتها من خلال المناهج التربوية ومن خلال التوجيه والنصح والإرشاد.

  • دور الزوج:

وهو من أهم الأدوار الداعمة للمرأة في مسيرتها، وعليه يقع العبء الأكبر في توجيه وتشجيع وتنمية زوجته شرعياً وسياسياً وواقعياً ومعرفياً.

هذا ما أعددته في هذا البحث، والذي أرجو من الله سبحانه وتعالى أن يتقبله مني ويجعله في ميزان حسناتي يوم القيامة، والله يدعو إلى الحق ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

 


أهم المراجع والمصادر

أولاً: الكتب

  • القرآن الكريم
  • تفسير القرطبي
  • صحيح البخاري
  • صحيح مسلم
  • فتح الباري تحقيق (محب الدين الخطيب)
  • فقه السيرة للشيخ / محمد الغزالي دار الدعوة
  • السيرة النبوية للدكتور / علي محمد الصلابي مكتبة فياض
  • السيرة النبوية للشيخ / أبو شهبة
  • مبادئ أصول القانون للدكتور / عبد الرحمن البزاز
  • تحرير المرأة في عصر الرسالة للشيخ / محمد عبد الحليم أبو شقة دار القلم
  • فتاوى معاصرة الدكتور / يوسف القرضاوي دار وهبة
  • قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة للشيخ / محمد الغزالي دار الشروق
  • مكانة المرأة بين الإسلام والقوانين العالمية المستشار/ سالم البهنساوي دار القلم
  • الإسلاميون والمرأة للدكتور/ محمد سليم العوا دار الوفاء
  • الفقه الإسلامي في طريق التجديد للدكتور / محمد سليم العوا سفير الدولية للنشر
  • المرأة بين الفقه والقانون للدكتور / مصطفى السباعي مؤسسة الرسالة
  • المرأة ماضيها وحاضرها الشيخ / منصور الرفاعي عبيد أوراق شرقية
  • مشاركة المرأة في العمل العام للدكتور / وصفي عاشور أبو زيد منارات

ثانياً: الرسائل العلمية والدراسات

  • الحقوق السياسية للمرأة

د/ محمد فريد صادق (رسالة دكتوراه – كلية الحقوق جامعة القاهرة 1997م).

  • المرأة في العصر الفاطمي

د/ ناريمان عبد الكريم أحمد (الهيئة العامة المصرية للكتاب 1992م)

ثالثاً: (الشبكة العنكبوتية الدولية – الإنترنت)

  • [ مكانة المرأة قبل الإسلام ]
  • [ ويكبيديا – الموسوعة الحرة ]
  • [مؤسسة الحوار المتمدن]
  • [الحقوق السياسية للمرأة في الإسلام – محمد يعقوب عبدالله ]
  • [ موقع صيد الفوائد ]
  • [ إسلام اون لاين ] islamonline.net
  • موقع القرضاوي

 

[1] انظر: السيرة النبوية لأبي شهبة (1/87).

[2] دراسة تحليلية لشخصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، ص22، 23، 24.

[3] تفسير القرطبي (5/45).

[4] انظر: دراسة تحليلية لشخصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ص25، 26.

[5] انظر: السيرة النبوية لأبي شهبة (1/92).

[6] نفس المصدر (1/8).

زر الذهاب إلى الأعلى