البحوث القانونيةشرح القواعد الفقهية

القاعدة الخمسون: التصرف على الرعية منوط بالمصلحة, في شرح القواعد الفقهية

القاعدة الخمسون: التصرف على الرعية منوط بالمصلحة

143-  أحاديث في الراعي والرعية :

أولاً: أخرج الامام البخاري في صحيحه عن معقل بن يسار قال : سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول: ((ما من عبد يسرعيه الله رعيه فلم يحطها بنصحه لم يجد رائحه الجنه )) ومعنى ( لم يحطها ) أي : لم يكلاها وينصها، واخرج البخاري ايضا من معقل بن يسار انه قال : سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول: (( ما من وال يلي رعيته من المسلمين فيموت وهو غاش لهم الا حرم الله عليه الجنه )) .

ثانيا: اخرج الامام مسلم في صحيحه :

 أ-(( اللهم من ولي من امر امتي شئيا فشق عليهم فاششقق عليه، ةمن ولي من امر امتي شيئا فرفق بهم فارفق به )) .

ب_ وعن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صل الله عليه وسلم قال (( الا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعته ، فالامير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته والرجل راع على اهل بيته وهو مسؤول عنهم والمرأه راعيه على بيت بعلها وولدها وهي مسؤوله عنهم والعبد راع على مال سيدة وهو مسؤول عنه، إلا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)) وجاء في شرح هذا الحديث للإمام النووي: قال العماء: الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه، وما هو تحت نظره، ففيه أن كل ما كان تحت نظرة شيء فهو مطالب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته.

ج-وأخرج الإمام مسلم أيضاً عن معقل بن يسار المزني قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة))، وفي رواية أخرى للإمام مسلم لهذا الحديث جاء فيها: (( ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة)). قال الإمام النووي: وفي هذه الأحاديث وجوب النصيحة على الوالي لرعيته والاجتهاد في مصالحهم والنصيحة لهم في دينهم ودنياهم)).

د-وأخرج مسلم في صحيحه أن عائذ بن عمرو- وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- دخل على عبيد الله بن زياد فقال: أي بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( إن شر الرعاء الحطمة)) فإياك أن تكون منهم، فقال له: اجلس فإنما أنت من نخالة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: وهل كانت لهم نخالة؟ إنما كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم. وقوله: إنما أنت نخالتهم، يعني: لست من فضلائهم وعلمائهم وأهل المراتب منهم بل من سقطهم، والنخالة هنا استعارة من نخالة الدقيق وهي قشوره، وقوله: وهل كانت لهم نخالة؟ إنما كانت النخالة بعدهم و في غيرهم … و هذا من جزل الكلام و فصيحه و صدقه الذي ينقاد له كل مسلم , فإن الصحابة رضي الله عنهم كلهم هم صفوة الناس و سادة الأمة و أفضل ممن بعدهم و كلهم عدول قدوة لا نخالة فيهم و إنما جاء التخليط ممن بعدهم , و فيمن بعدهم النخالة , و قوله صلى الله عليه و سلم : (( إن شر الرعاء الحطمة )) , هو العنيف في رعيته لا يرفق بها في سوقها و مرعاها , بل يحطمها في ذلك و في سقيها و غيره و يرحم بعضه ببعض بحيث يؤذيها و يحطمها .

144- معنى القاعدة :

جاء في شرح هذه القاعدة : لما كان لإمام المسلمين ولاية نظارة على عموم الرعية في الأمور العامة كان تصرفه على الرعية منوطاً بالمصلحة العامة و لهذا يجب أن تكون أوامره و أوامر أولي الأمر و النهي موافقة لمصالح الرعية , لأن السلطان إنما أعطي السلطة لمصلحة العباد , صيانةً لدمائهم و أعراضهم و أموالهم . و الرعيةهم من كانو تحت من ولاه الشرع رعايتهم و الولاية عليهم , فيدخل في مفهوم الراعي , السلطان و القاضي , و سائر ولاة الأمور من سائر العمال و الموظفين و كل من له ولاية على غيره , فمن يلي من أمور الناس شيئاً فعليه أن يتصرف فيها التصرف الذي يحقق المصلحة لهم , لأنه ما ولي عليهم و ما أعطى السلطة في حدود ولايته إلا لخدمة من هم تحت ولايته و إقامة العدل فيهم و تحقيق المصلحة و الخير لهم , و على هذا فإن نفاذ تصرفات ولي الأمر (السلطان و من دونه من ولاة الأمر ) لا تنفذ شرعاً إلا إذا كان المراد منها تحقيق المصلحة للناس , و قال الفقيه ابن نجيم : إذا كان فعل الإمام مبنياً على المصلحة فيما يتعلق بالأمور العامة لم ينفذ أمره شرعاً إلا إذا وافقه , فإن خالفه لم ينفذ.

145- فروع و تطبيقات القاعدة :

  • لا يجوز لولي الأمر أن يعين في الوظائف العامة إلا الكفؤ الأمين , فقد جاء في الحديث النبوي الشريف : (( من ولي من أمر المسلمين شيئاً فولى رجلاَ و هو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله و رسوله )) .

  • لا يجوز لولي الأمر السماح بشئٍ من المفاسد و المحرمات الشرعية كدور الفسق و الدعارة و القمار و الخمور و لو بحجة جباية الضرائب .

  • الضابط الذي يجب أن يلاحظه الإمام في إسناد الوظائف و الولايات كلها هو : أن لا يقدم فيها إلا أقوم الناس بجلب مصالحها و درء مفاسدها فلا يقدم في ولاية الحرب مثلاً إلا أشجع الناس و أعرفهم بمكايد العدو و القتال , مع النجدةو حسن السيرة , و في الولاية على الأيتام , يقدم أعرفهم بمصالح الأيتام مع توافر الأمانة و العفة و الشفقة و الرحمة بالأيتام و هكذا .

    و إذا تعذرت أو ندرت الشروط المطلوبة في من يولي على ولايةٍ ما , فعلى ولي الأمر أن يتخير الأمثل فالأمثل , فقد قال الإمام العز بن عبد السلام : إذا تعذرت العدالة في الولايات العامة و الخاصة بحيث لا يوجد عدل وليا أقلهم فسوقاً .

د- لا يصح للسلطان أن يعفو عن قاتل من لا ولي له و إنما له القصاص و العفو على الدية ;  لأنه نصب ناظراً لمصالح الرعية و ليس من النظر لمستحق القصاص العفو عن القاتل العمد .

زر الذهاب إلى الأعلى