ما نترقبه في التشريعات القضائية
ما نترقبه في التشريعات القضائية (١)…
قبل أيام قليلة صرّح صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير / محمد بن سلمان آل سعود وفقه الله بقرب صدور حزمة من الأنظمة ( والتشريعات القضائية ) التي تحد من تدفق القضايا للمحاكم ، ومن شأنها أن تعالج المنازعات قبل وقوعها بمعرفة مآلاتها قبل الدخول في منازعاتها ، ومن شأنها تقليل أمد التقاضي ، وتجعل المتقاضين على معرفة بالأحكام قبل النطق بها بسبب وجود النص الواضح القطعي الذي لايقبل معه الاجتهاد أو التأويل .
بصفتي ممارس للعمل الحقوقي منذ عشرين سنة أجد نفسي وأمثالي يتطلعون لنصوص قاطعة ، وقواعد آمرة ، وتشريعات واضحة في العديد من المسائل التي ينشأ عنها الخصومات والمنازعات أمام القضاء ، والتي تختلف فيها المناهج والمدارس القضائية ، وبالتالي هي الجديرة أن تتناولها تلك التشريعات القضائية بالتقنين والتأطير ، والتي أبان سموه الكريم أن نظام وسائل الإثبات من ضمنها .
أيه القارئ الكريم :
تنص المواد القضائية على أن الصكوك الصادرة من المحاكم وكتابات العدل لها الحجية الذاتية ، ولايجوز الطعن فيها إلا بالتزوير ، لكنها لم تجرّم الصورية في تلك الصكوك ، أو تمنع سماعها ، لاسيما مع استمرار المرتهنين في رهن الأصول المملوكة للراهنين على هيئة البيع الصوري تفادياً من اللجوء للمحاكم في استيفاء الدين من العين المرهونة ، والتي غالباً ما تكون قيمتها أضعاف قيمة الرهن فيحصل الطمع والظلم ومن ثم الخصومة والنزاع ، ولو صدر نص قانوني يقضي بعدم سماع دعوى الصورية في تلك الصكوك مهما كان المبرر لها – بعد منح مدة كافية لمعالجة أصحاب الصورية في الصكوك الشرعية – لكان ذلك إعذاراً مقبولاً من شأنه أن يقلل تدفق المنازعات على المحاكم ، ويجعل المخالفين في موقف القناعة واليقين نتيجة رد دعاواهم ، لاسيما وأن محاصرة الصورية في ملكية الصكوك العقارية وتصحيحها يعين أيضاً على تنفيذ السندات التنفيذية في حق كل مدين متهرب من الوفاء قام بتسجيل أملاكه العقارية باسم الغير ، ومن شأنه تحديد ملاءة كل مواطن لاسيما موظفي القطاع العام ، ونظار الأوقاف ، وموظفي القطاع الثالث ، ومعرفة مدى توافق ذلك مع مدخولاتهم الشهرية .
إصدار السندات التنفيذية
وخصوصاً السند لأمر – بطريقة بدائية ، واستمرار قبول التوقيع على بياض باعتباره تفويضاً من الساحب للمستفيد ، واعتبار رأي الخبير ( الظني ) فيصلاً في صحة السند التنفيذي ( المليوني ) والإلزام به تسبب في كوارث حقوقية دمرت بيوتاً بأكملها ، ومع إنشاء وزارة العدل لبوابة ( نافذ ) الالكترونية المربوطة بنظام ( أبشر ) لإنشاء السندات لأمر ، ووجود الموثقين الذين يعملون طوال ساعات اليوم ، وأيام الأسبوع ، ومع فساد الذمم ، وجرأة حامل الورقة العادية الموقعة على بياض وتحويلها لورقة تجارية بمبالغ كبيرة جداً تحتم السياسة الشرعية منع إصدار أي سند تنفيذي إلا من خلال الموثقين ، أو من خلال بوابة ( نافذ ) العدلية التي تقضي على مظلوميات الناس ، وتقطع حيل الأبالسة المزورين ، وبالتالي نعالج الالاف من منازعات التنفيذ ، ودعاوى استرداد الحيازة ، ودعاوى عدم مشروعية الاستحقاق لموضوع السندات التنفيذية .
الكفالة الغرمية للمبالغ الكبيرة
من ذوي الدخل المحدود ، وآثارها الكارثية دون أي مصلحة لأحد ، وما يطعن فيها من دعاوى التزوير ، أو الجهالة والتغرير ، يتطلب تقنيناً يجعلها لاتتم إلا من خلال موثق معتمد ، وبعد التحقق من جدواها بصدورها من ذي ملاءة ويسار .
تحصين الأحكام القضائية
من سماع طلبات التماس إعادة النظر المتكررة بعد مدة محددة ، وتعميق فكرة القضاء المؤسسي الذي لايجعل الأحكام النهائية عرضة للالتماس وإعادة المرافعة أو النقض بسبب تغير أعضاء الدائرة القضائية مهم جداً لاستقرار القضاء ، واطمئنان المتقاضين لقضاء مؤسسي لا فردي ، وهذا ما أكد عليه معالي وزير العدل في مناسبات متعددة ، ولذلك هو بحاجة لتنظيم صارم يحصّن الأحكام القضائية وللأبد .
اعتبار الإقرارات المنتزعة
من ذوي الكفاءة الأهلية المتدنية ، وبناء الأحكام على شهادات مستأجرة عن حقوق لم تكن مشاهدة رغم وضوحها في العادة مظنة الكذب مع فساد ذمم البعض ، واشتهار أخذ الأجرة على الشهادة ، والحيل الباطلة فيها ، يتطلب عدم الاعتداد بأي شهادة أو إقرار ليس له رصيد من المادية المشاهدة التي تفرضها العادة ، ويؤكد عليها العرف والعقل .
التقادم المانع من سماع الدعاوى
متروك لتقدير المحكمة حسب قرار هيئة كبار العلماء رقم 68 وتاريخ 21/10/1399 ولكنه اليوم ، ومع سرعة تغير الأحوال والظروف ، وسرعة تلاشي البينات والقرائن ، يجب أن تكون المدة الزمنية لمنع سماع الدعاوى بسبب التقادم محددة تتناسب مع طبيعة الحق ، وأطرافه ، وبيناته ، وأسبابه .
كتبه/ المحامي
د. عبدالعزيز الشبرمي