البحوث القانونية

مصدر الحكم المراد تنفيذه تنفيذ الأحكام في نظام المرافعات

الفصل الخامس

الاعتبار الخامس

مصدر الحكم المراد تنفيذه

تنقسم طرق التنفيذ بهذا الاعتبار إلى قسمين : أحدهما أحكام محلية أو وطنية، وثانيهما أحكام أجنبية ، وبيان ذلك فيما يلي :

أولاً – الأحكام المحلية أو الوطنية : المقصود بذلك ما يصدر من أحكام من نفس الدولة المطلوب التنفيذ فيها . وهذا النوع هو الغالب من الأحكام ولا إشكال في وجوب تنفيذها تنفيذاً جبرياً متى  ما توفرت الشروط التي سبقت الإشارة إليها .

كما سبق بيان موقف الشريعة الإسلامية من ذلك ().

ثانياً – الأحكام الأجنبية : تتفق النظم الوضعية على تنفيذ الأحكام القضائية وأحكام المحكَّمين والسندات الصادرة من دولة أجنبية ، وذلك بعد قيام المحكمة المختصة أو إدارة التنفيذ بالتأكد من توافر الشروط المطلوبة لذلك . انظر : ( المواد 235 – 238 إجراءات إماراتـي ) ، و ( المواد 252 – 255 مرافعات بحريني) و ( المواد 379 – 383 مرافعات قطري ) ، و ( المواد 199 – 203 مرافعات كويتي ) ، و ( المواد 296 – 301 مرافعات مصري ) .

أما في المملكة العربية السعودية فإن ديوان المظالم هو الجهة المختصة بالفصل في طلبات تنفيذ الأحكام الأجنبية ( المادة 8 / ز مظالم سعودي ).()

وانظر التعميم الصادر من معالي وزير العدل برقم 8/ت/191 في 5/8/1414 هـ()  المبلِّغ لقرار مجلس الوزراءالصادر برقم 78 في 14/7/1414هـ الذي نصت الفقرة ثانياً منـه على ما يـلي : ” يختـص ديوان المظالم بالنظر في طلبات تنفيذ أحكام المحكَّمين الأجنبية “. أ هـ .

وقد تضمن قرار مجلس الوزراء المنوَّه عنه : الموافقة على انضمام المملكة إلى اتفاقية الاعتراف وتــنفيذ أحكام المحكَّمين الأجنبية لدى هيئة الأمم المتحدة على أنها ستُقصر على إقليم دولة متعاقدة .

وقد نصت (المادة الخامسة / 2) من هذه الاتفاقية على ما يلي : يجوز للسلطة المختصة في البلد المطلوب إليه الاعتراف وتنفيذ حكم المحكَّمين أن ترفض الاعتراف والتنفيذ إذا تبيَّن لها :

( أ ) أن قانون ذلك البلد لا يجيز تسوية النـزاع عن طريق التحكيم .

( ب) أو أن في الاعتـراف بحـكم المحكَّمين أو تنفيذه ما يخـالف النظـام العام في هذا البلد ” . أهـ.

كما أن الاتفاقية المعقودة بين دول الجامعة العربية –حول تنفيذ الأحكام –الواردة لرئاسة القضاة شفع كتاب مدير مكتب وزارة الخارجية بالرياض رقم 1/28/68 في 11/4/1390هـ ، المعمَّمة على المحاكم من سماحة نائب رئيس القضاة برقم 67 / 2/ت في 16/5/1390هـ المتضمنة : أن حكومات السعودية والأردن وسوريا والعراق ولبنان ومصر واليمن قد اتفقت على عدة أمور تتعلق بتنفيذ الأحكام فيما بين دولها ، نصَّت ( المادة الثانية ) منها على ما يلي : ” لا يجوز للسلطة القضائية في الدولة المطلوب إليها التنفيذ أن تبحث في موضوع الدعوى ، ولا يجوز لها أن ترفض تنفيذ الحكم إلا في الأحوال الآتية :

أ  – إذا كانت الهيئة القضائية التي أصدرت الحكم غير مختصة بنظر الدعوى بسبب عدم ولايتها – عدم الاختصاص المطلق – أو بحسب قواعد الاختصاص الدولي.

ب – إذا كان الخصوم لم يُعلَنوا على الوجه الصحيح .

ج – إذا كان الحكم مخالفاً للنظام العام أو الآداب العامة في الدولة المطلوب إليها التنفيذ ، وهي صاحبة السلطة في تقدير كونه كذلك وعدم تنفيذ ما يتعارض منه مع النظام العام أو الآداب العامة فيها ، أو إذا كان الحكم مناقضاً لمبدأ معتبر كقاعدةٍ عموميةٍ دوليةٍ .

د – إذا كان قد صدر حكم نهائي بين نفس الخصوم في ذات الموضوع من  إحدى محاكم الدولة المطلوب إليها التنفيذ ، أو أنه توجد لدى هذه المحاكم دعوى قيد النظر بين نفس الخصوم في ذات الموضوع رُفعت قبل إقامة الدعوى أمام المحكمة التي أصدرت الحكم المطلوب تنفيذه ” .أ هـ.

كما نصَّت ( المادة الثالثة ) منها على ما يلي :  ” مع مراعاة ما ورد في المادة الأولى  من هذه الاتفاقية () لا تملك السلطة المطلوب إليها تنفيذ حكم محكَّمين صادر في إحدى دول الجامعة العربية إعادة فحص موضوع الدعوى الصادر فيها حكم المحكَّمين المطلوب تنفيذه ، وإنما لها أن ترفض طلب تنفيذ حكم المحكَّمين المرفوع إليها في الأحوال الآتية :

أ  – إذا كـان قانون الدولة المطلوب إليها تنفيذ الحكم لا يجيز حَلَّ موضوع النـزاع عن طريق التحكيم .

ب – إذا كان حكم المحكَّمين غير صادرٍ تنفيذاً لشرطٍ أو لعقد تحكيمٍ صحيحين .

ج – إذا كان المحكَّمون غير مختصين طبقاً لعقد أو شرط التحكيم أو طبقاً للقانون الذي صدر قرار المحكَّمين على مقتضاه .

د  – إذا كان الخصوم لم يُعلَنوا بالحضور على الوجه الصحيح .

هـ – إذا كان في حكم المحكَّمين ما يخالف النظام العام أو الآداب العامة في الدولة المطلوب إليها التنفيذ ، وهي صاحبة السلطة في تقدير كونه كذلك وعدم تنفيذ ما يتعارض منه مع النظام العام أو الآداب العامة فيها .

و  – إذا كان حكم المحكَّمين ليس نهائياً في الدولة التي صدر فيها “.  أ هـ. ()

أما بالنسبة للمستندات التي يجب إرفاقها بطلب التنفيذ المنصوص عليها في المادة الخامسة من هذه الاتفاقية فقد سبق بيانها عند الكلام عن مقدمات التنفيذ ().

كما أن اتفاقية تنفيذ الأحكام والإنابات والإعلانات القضائية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي أقرها المجلس الأعلى لمجلس التعاون في دورته السـادسة عشرة التي عُقدت بمدينة مسقط خلال الفترة من 12 إلى 14 رجب لعام 1416هـ المصادق عليها بالمرسوم الملكي الكريمالصادر برقم م / 3 في 28/4/1417هـ () قد نصَّت( المادة 2) منها على ما يلي :

” يُرفض تنفيذ الحكم كلِّه أو جزءٍ منه في الحالات الآتية :

أ – إذا كان مخالفاً لأحكام الشريعة الإسلامية أو أحكام الدستور أو النظام العام في الدولة المطلوب إليها التنفيذ .

ب – إذا كان غيابياً ولم يُعلَن الخصم المحكوم عليه بالدعوى أو الحكم إعلاناً صحيحـاً.

ج – إذا كـان الـنــزاع الصادر في شأنه الحكم محلاً لحكمٍ سابقٍ صادرٍ في الموضوع بين الخصوم أنفسهم ، ومتعلقاً بذات الحـق محلاً وسبباً ، وحـائزاً لقوة الأمر المقضـي به لدى الدولة المطلوب إليها التنفيذ أو لدى دولةٍ أخرى عضوٍ في هذه الاتفاقية .

د  – إذا كان النـزاع الصادر في شأنه الحكم المطلوب تنفيذه محلاً لدعوى منظورة أمام إحدى محاكم الدولة المطلوب إليها التنفيذ بين الخصوم أنفسهم ويتعلق بذات الحق محلاً وسبباً ، وكانت هذه الدعوى قد رُفعت في تاريخ سابق على عرض النـزاع على محكمة الدولة التي صدر عنها الحكم .

هـ – إذا كان الحكم صادراً ضد حكومة الدولة المطلوب إليها التنفيذ أو ضد أحد موظفيها عن أعمال قام بها أثناء الوظيفة أو بسببها فقط .

و – إذا كان تنفيذ الحكم يتنافى مع المعاهدات والاتفاقات الدولية المعمول بها لدى الدولة المطلوب إليها التنفيذ “. أ هـ. ()

أما بالنسبة للمستندات التي يجب إرفاقها بطلب التنفيذ فقد سبق بيانها عند الكلام عن مقدمات التنفيذ () .

علماً بأنه قد صدرت بعد ذلك اتفاقية الرياض العربيةللتعاون القضائي التي أقرّها مجلس وزراء العدل العرب وتم التوقيع عليها بمدينة الرياض بتاريخ 23/6/1403هـ الموافق 6/4/1983م المصادق عليها بالمرسوم الملكي الكريم الصادر برقم م/14 في 12/8/1420هـ , وقد تضمن الباب الخامس من هذه الاتفاقية وجوب الاعتراف بالأحكام الصادرة في القضايا المدنية والتجارية والإدارية وقضايا الأحوال الشخصية وتنفيذها وفق الشروط المتعارف عليها , فلا يتم رفضه إلا في الحالات الواردة في المادة ( 30) بالنسبة للأحكام القضائية والمادة (37) بالنسبة لأحكام المحكمين ,وقد ورد في هاتين المادتين ـــ من ضمن ما نصت عليه ـــرفض تنفيذ الحكم إذا كان مخالفاً للشريعة الإسلامية .

وسواءً أتمَّ النص على عدم جواز تنفيذ الأحكام الأجنبية المخالفة للشريعة الإسلامية -كما في الاتفاقيتين الأخيرتين – أم لم يتم النص على ذلك – كما في الاتفاقيتين السابقتين – فإن عدم جواز تنفيذ هذه الأحكام في السعودية يعد أمراً مُسلَّماً به ؛ لأن النظام العام – الذي نصت عليه الاتفاقيتان السابقتان – هو الشريعة الإسلامية في المملكة العربية السعودية () .

ومما يؤكد ذلك التعميم الصادر من معالي رئيس ديوان المظالم السعودي برقم 7 في 15/8/1405هـ حيث أن الفقرة ثالثاً منه –بعد الإشارة إلى أن للدولة الحق في رفض تنفيذ الحكم الأجنبي إذا كان مخالفاً للنظام العام أو الآداب العامة في الدولة المطلوب إليها التنفيذ نصت على ما يلي : ” إن أهم ما يتعين الالتزام به لدى النظر في طلبات تنفيذ الأحكام الأجنبية أنه لما كانت الشريعة الإسلامية هي الدستور والمرجع الأعلى للقضاء والحكم بالمملكة العربية السعودية ، فإنه لا يجوز بحال من الأحوال تصور إمكان إقرار تنفيذ أي حكم أجنبي إذا كان مخالفاً لأصل من الأصول العامة للشريعة .

وقد استقر قضاء ديوان المظالم على ذلك منذ المرحلة السابقة على نفاذ نظامه الجديد حيث جرى على رفض تنفيذ بعض الأحكام الأجنبية فيما تضمنته من فوائد ربوية، ونؤكد على ضرورة الالتزام الكامل والمطلق بأحكام شرعنا الحنيف باعتبار أن هذا أمر مُسَلَّمٌ به ويسمو على كل ما عداه “. أ هـ .

 

موقف الشريعة الإسلامية من تنفيذ الأحكام الأجنبية :

إذا كانت الأحكام المطلوب تنفيذها صادرةً من دول أخرى ، فما وافق منها الشريعة الإسلامية وجب تنفيذه وما خالفها لم يجز تنفيذه .

ولابد من التنبُّه هنا إلى المسائل الآتية :

أولاً : هل القاضي الذي أصدر الحكم مسلم أم كافر ؟

ثانياً : هل تتوفر شروط القضاء فيمن أصدر الحكم ؟

ثالثاً : هل من قام بتولية القاضي سواءً أكان رئيس دولة أو نحـوه له ولاية شـرعية ؟

رابعاً : هل الحكم في ذاته متفق مع الشريعة الإسلامية أم هو متفق مع نظم وضعية تخالف الشريعة الإسلامية ؟

خامساً : هل وسائل الإثبات والثبوت التي يعتمد عليها القاضي من بيّنات وقرائن يمكن الاعتماد عليها شرعاً أم لا ؟

فبالنسبة للبلدان التي لا تحكم بشريعة الله لا شك أن المسلمين فيها لا يمكن أن يُتركوا سُدىً ، بل إذا كانت لهم جماعة قائمة وجب عليها أن تعمل من خلال القنوات الرسمية على تنصيب قاضٍ مسلم فإذا تم تنصيبه فإنه يعتبر قاضياً شرعاً وتَنْفُذُ تصرفاته وتُقبل خطاباته إن كان صالحاً للقضاء ، وإن لم تستطع جماعة المسلمين ذلك رسمياً فلتنظر إلى القضاة الذين نصبتهم حكوماتهم فإن كان فيهم من يصلح للقضاء اعتمدت الجماعة تنصيبهم ؛ فتكون توليتهم صحيحةً شرعاً لصدورها من جماعة الحل والعقد من المسلمين.

وإن لم يكن للمسلمين في بلد من هذه البلدان جماعة منتظمة ، فمن كان أهلاً للقضاء من الذين نصبتهم الحكومات يستمد سلطته الشرعية من تراضي الناس عليه فيكون كالمحكَّم () .

 

أما القضاة الكفار الذين تنصبهم الدولة الكافرة لفصل الخصام بين رعاياها وتطبيق أنظمتها فبالإمكان اعتبار مخاطباتهم مجرد قرائن ، فيقبل القاضي المسلم منها ما اقتنع بصحته؛ للضرورة وعموم البلوى () . والله أعلم .

زر الذهاب إلى الأعلى