Web Analytics
البحوث القانونية

حبس المدين في الفقه الإسلامي والذي يتبناه القضاء السعودي

حبس المدين في الفقه الإسلامي والذي يتبناه القضاء السعودي

إن كان معسراً فقد منع جمهور الفقهاء حبس المدين الفقير المعدم الذي لا مال له، لأن الحبس شرع للتوصل إلي آداء الدين لا لعينه ، فهو ليس غاية في ذاته وإنما وسيلة لإكراه المدين المماطل على دفع الدين، ولذا لا فائدة في إكراه المدين الفقير ـ إعمالاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم وإن كان ذو عسرة فنظرة إلي ميسرة) روى أبو هريرة رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال (إياكم والظن فإن الظن أكثر الكذب) الحديث .

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ في هذا الحديث وغيره نهى عن الظن وسجن المتهم مجهول الحال ما هو إلاّ اعتماد على الظن فلا يجوز .

وينبغي على المسلم إن استدان ديناً : أن يقوم بوفائه في حينه من غير تلكؤ ولا مماطلة لقوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلي أجل مسمى فاكتبوه) إلي أن قال …فإن آمن بعضكم بعضاً فليؤد الذي أؤتمن أمانته وليتق الله ربه ..) صدق الله العظيم .

وجه الدلالة :

إن الله جل وعلا قد حث المدين في هذه الآية وهو المؤتمن على الدين أن يؤديه كاملاً في حينه مراعياً في ذلك تقوى الله والخوف منه. وقال تعالى : (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها) .
وقد حث الإسلام على حسن النية في المبدأ بأن ينوي المدين في نفسه أن يسدد في أقرب وقت عندما يتوفر لديه الثمن قال صلى الله عيه وسلم : ( من أخذ حقوق الناس وهو يريد آداءها، أعانه الله ومن أخذها وهو يريد إتلافها أتلفه الله) رواه البخاري .
لا يلجأ إلي توقيف أي مدين ما لم يكن هناك شكوى من صاحب حق حالاً واجب الدفع وعند تقديمه الشكوى إلي الجهة المختصة، إلا أن يكون هناك منازعة من المدين أولاً .

أ- فإن كان هناك منازعة وكان الحق غير ثابت فتحال الشكوى إلي جهة إختصاصها وهي غالباً : إما المحكمة الشرعية أو مكتب العمل والعمال أو لجنة الأوراق التجارية أو هيئة حسم المنازعات التجارية حتى يتم إثبات الحق.

ب- في حال عدم وجود منازعة في الحق المدعى به أو كان الحق ثابتاً، باعتراف من جهة مختصة ومكتسباً صفته القطعية وكان مستحق الدفع فيتبع الآتي :

1- يكلف المدين بالوفاء فوراً وإلاّ سجن ما لم يقبل الدائن إمهاله أو إطلاق سراحه .
2- عند طلب المدين مهلة قصيرة لا تزيد على سبعة أيام للوفاء بالحق الذي عليه، وكان ظاهر حاله يرجح معه أن ذلك في مكنته، وأنه جاد في طلبه وكان له محل إقامة ثابت ومعروف بالمملكة فيجوز لمدير الحقوق المدنية المختصة منحه تلك المهلة، وإطلاق سراحه خلالها بعد التعميم برقياً بمنعه من السفر خارج المملكة، كما يجوز اشتراط تقديمه كفيل إحضار قبل إطلاق سراحه، ولا يجوز تكرار منح هذه المهلة أو تجاوزها للمدة المشار إليها سابقاً إلا برضاء الدائن وموافقته .
3- إذا ادعى المدين الإعسار فيسجن ما لم يقدم كفيلاً غرمياً مليئاً يؤدي عنه الدين خلال مدة يقبلها الدائن .
4- إذا لم يقدم الكفيل الغريم فيسجن المدين ويكلف الدائن بالبحث والتحري خلال مدة مقبولة تحددها له إدارة الحقوق المدنية لمعرفة الآتي :

أ- إذا كان للمدين أموالاً منقولة أو عقارية يمكنه اقتضاء حقه منها. في هذه الحالة تأمر المحكمة الشرعية بسداد دينه، ولو اقتضى الأمر أن يبيع أمواله المنقولة والعقارية، أو بعضها خلال مدة محدودة.(م 217 مرافعات شرعية)

ب- إذا كان ظاهر حال المدين أن له أموالاً يمكن أن يسدد منها الدين ولكنه يخفيها فإذا تبين للمحكمة:
1- أن للمدين أموالاً يخفيها حتى لا يقضي الدائن حقه منها .
2- أو أنه متلاعب بأموال الناس .
3- أو أن الأموال التي كانت عليه بسبب جرائم ارتكبها من سرقات ونحوها .
وحكمت برفض الإعسار، أو قررت إرجاء النظر في ادعائه الإعسار فيستمر في سجنه ولا يجوز إطلاق سراحه، وهذا هو الذي يتفق مع رأي الجمهور سابق الذكر .

ج – إذا كان حقيقة معسراً لا يستطيع سداد ما عليه، وذلك بأن يتبين للمحكمة أن المدين لم يكن متلاعباً بأموال الناس وأن الأموال التي عليه لم تكن بسبب جرائم أرتكبها تعمد ارتكابها من سرقات ونحوها، وأنه غير ظاهـر أن له أمـوالاً يخفيها وثبت لديها إعساره وحكمت بذلك في مواجهة دائنيه أو بعضهم فيجب إطلاق سراحه والكف عن ملاحقته. وهذا هو الذي يتفق مع رأي الفقهاء رحمهم الله .

شروط حبس المدين :

هناك شروط معينة يجب توافرها حتى يمكن حبس المدين نصَّ عليها الفقهاء وهي المعمول بها في تعليمات المملكة والمحاكم الشرعية هنا، وهذه الشروط هي :

 

الشرط الأول :

أن يكون الدين حالاً : فلا يسجن المدين في الدين المؤجل ـ لأن الحبس شرع لدفع الظلم المتحقق بتأخير قضاء الدين قد أخّر اقتضاء حقه بالتأجيل فلا يكون هناك ظلم ولا مبرر للحبس .

 

الشرط الثاني :

طلب الدائن حبس مدينه : إذا لم يطلب الدائن حبس مدينه فإن القاضي لا يحبسه، لأن الحبس وسيلة لاقتضاء حق الدائن، وحق المرء إنما يطلبه بطلبه .

 

الشرط الثالث :

ثبوت الدين : أن يكون الدين ثابتاً بإقرار المدين أو البينة، فإن أنعدم ثبوت الدين فلا سجن، لأن السجن جزاء الظالم، وهذا غير ظالم لعدم ثبوت الحق عليه .

 

الشرط الرابع :

قدرة المدين على القضاء : فإن كان معسراً فإنه لا يحبس لقوله تعالى : ( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلي ميسرة …) فالآية بعمومها تقضي بأن كل معسر ينظر إلي ميسرة، وسجن المعسر يتنافى مع الأنظار الذي أمر الله سبحانه وتعالى به . كما أن سجن المدين إما أن يكون لإثبات عسره، أو لدفع الدين وطالما أن عسرته ثابتة والقضاء متعذر فلا فائدة في الحبس .

 

الشرط الخامس :

مماطلة الدين من موسر : أي تأخير قضاء الدين لقوله ـ صلى الله عليه وسلم (مطل الغني ظلم) ، والمطل يعني الامتناع والتأخير، وامتناع المدين عن قضاء الدين مع الغنى واليسار ظلم، والظالم يحبس حتى يزول الظلم وذلك بوفاء الحق .

الشرط السادس :

أن يكون المدين مكلفاً : فلا يسجن الصغير ولا المجنون، لأن أهم مقاصد سجن المدين عقوبته، والعقوبة لا تكون إلاّ على جناية، وفعل الصغير والمجنون لا يوصف بأنه جناية، ثم إن من مقاصد سجن المدين التضييق عليه، والمجنون لا يشعر بهذا الضيق والصغير لا يتحمل هذا الضيق لأنه فوق طاقته، وعلى هذا فالولي على الصغير والمجنون هو الذي يقوم مقامهما في ذلك .

الشرط السابع :

أن لا يكون المدين أحد أصول الدائن : فلا يجوز حبس الوالدين وإن علو بدين الولد وإن سفل، وعلة ذلك : إن الحبس لهؤلاء ليس من الإحسان، والمصاحبة في الدنيا بالمعروف المأمور بها بالنسبة للوالدين في قوله تعالى : (وقضى ربك ألاّ تعبدوا إلاّ إياه وبالوالدين إحسانا) الإسراء 23 وقوله تعالى: (وصاحبهما في الدنيا معروفاً) لقمان15 .
كما أن السجن نوع عقوبة، ولا يعاقب الوالد بالولد، أما سائر الأقارب ـ غير الأصول ـ فإنهم يسجنون بدين قريبهم كائناً من كان وذلك لعدم الإيلاد .

الشرط الثامن:

أن يكون المدين سليماً غير مريض : وذلك على قول الشافعية خلافاً للجمهور فإن كان مريضاً فلا يسجن بل يوكل به من يراقبه ويلازمه، أما عند الجمهور فإنه يسجن لو كان مريضاً حفاظاً لحقوق الناس .

الشرط التاسع :

أن لا تكون المرأة مخدرة : هذا عند الشافعية، لأن المرأة المخدرة لا تسجن، بل يوكل بها من يراقبها، أما عند الجمهور، فإن المرأة تسجن بسبب الدين سواء أكانت برزة أم مخدرة .
والمعمول به في المملكة هو إفراد سجن للنساء على حده ـ وتوكيل الأمينات عليهنّ / بل النساء مصنفات حسب السن ونوع الجرائم وهذا ليس فيه ضرر لأن عدم سجنها قد يفضي إلي تضييع حقوق الآخرين ويدعوها إلي التمادي في ذلك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى