Web Analytics
السوابق والمبادئ القضائية

المقصود من الحكم بإفلاس المدين والحكمة منه

المقصود من الحكم بإفلاس المدين والحكمة منه

وحيث أن هيئة التدقيق تلاحظ على الحكم محل التدقيق أنه على الرغم من كون الدائرة نظرت القضية على أساس أن المطروح أمامها هو النظر في إفلاس المدين ، ألا أنها للوصول إلى ما خلصت إليه – من رفض دعوى الإفلاس – سلكت طريقة لا تؤدي إلى ذلك ، حينما اعتمدت على كون المدين لم يوافق على العمل لدى الدائرة لوفاء دينه وكونه لم يوافق على تقسيط المبلغ ، ذلك أنه من المقرر أن الغرض من الحكم بشهر الإفلاس هو التصفية الجماعية لأموال المدين المتوقف عن الدفع ، وليس الغرض منه الوصول إلى ما ذكرته الدائرة من تقسيط الدين أو عمل المدين لدى غريمة وقد أوردت الدائرة في معرض الاستدلال أن الفقهاء رحمهم الله نصوا على أن من أفلس وله صنعه فيكلف بالعمل لسداد دينه وهذا الذي أوردته الدائرة لا يصلح دليلا لرفض دعوى الإفلاس وعدم الحجر على أموال المفلس لأن تكليف المفلس بالعمل لسداد دينه يأتي بعد الحجر على المفلس وتفريق ماله على غرمائه يوضح ذلك ما جاء في كتاب المغني لابن قدامة – رحمه الله – وإذا فرق مال المفلس وبقيت عليه بقية وله صنعه فهل يجبره الحاكم على إيجار نفسه ليقضي دينه ؟ على روايتين . ثم بين أن أحد إهمالا يجبره وهو قول مالك والشافعي ، وأورد أدلة ذلك ، والثانية يجبر على الكسب وهو قول عمر بن عبد العزيز وسوار العنبري وأسحق ، وأورد دليلهم . ومن هذا يتبين أن البحث في مسألة إجبار المفلس على العمل يأتي متأخراً عن الحكم بشهر إفلاسه وقسمة أمواله على غرمائه .

وحيث أنه وأن كان الأمر كما سبق بيانه إلا أن هيئة التدقيق ولغير الأسباب التي بني عليها الحكم محل التدقيق ترى الموافقة على مؤدي نتيجته وذلك لأمور منها :

(1) أن المدين في هذه القضية لم يوجد له أموال يمكن الحجر عليها يتضح ذلك من أقواله وأقوال غريمة – الذي ظهر أنه ليس للمدين غريم سواه – والمعروف عند الفقهاء أن المفلس من دينه أكثر من ماله وخرجه أكثر من دخله .

ولا تختلف أنظمة الإفلاس مع مباحث الحجر على المفلس لدى الفقهاء في أن نظام الإفلاس أو الحجر على المفلس يهدف إلى تنظيم التصفية الجماعية لأموال المدين الذي زادت ديونه على أمواله بما يكفل تحقيق المساواة بين دائنيه دون تفضيل لأحدهم على الآخر طالما لم يوجد سبب يبرر مثل هذا التفضيل ، وإن كانت الأنظمة تخص الإفلاس بالتجار كما أن مواد الإفلاس في نظام المحكمة التجارية جاءت بكيفية تصفية أموال المفلس وتوزيعها على غرمائه وما يتبع ذلك ، ولم تتعرض للمفلس الذي لم يبق له مال ، الأمر الذي يدل على أن من عجز عن دفع ديونه وليس لديه مال يمكن أن يصفي ويوزع على غرمائه لا يطلق عليه الإفلاس وإنما يعتبر معسراً ومن ثم فلا يوجد ما يوجب إعلان إفلاسه .

(2) ومن جهة أخرى فإن الغريم لم يطلب إعلان إفلاس المدين وكذلك المدين حقيقة ما يطالب به هو إثبات إعساره لأن طلب المدين من المحكمة إعلان إفلاسه حقيقته طلب أن تتولى المحكمة بين أمواله وقسمتها على غرمائه بالتسوية ، وليس هذا مؤدي ما طلبه من الدائرة لأنه أبدى أمامها عدم قدرته على تسديد المبلغ وأنه لا يملك شيئا لا في المملكة ولا خارجها وكذلك الغريم أبدى أنه لا يعلم للمدين شيئا ولكنه سبق أن سمع من المذكور أنه له مبالغ ومزرعة في تنزانيا ولكنه لا يستطيع إثبات ذلك ، الأمر الذي يتضح منه أن المدين عندما طلب إعلان إفلاسه أمام الدائرة كان يقصد إثبات إعساره ولذا نراه فيما أبداه للاعتراض على الحكم يوضح مقصده بأنه لم يطلب إعلان إفلاسه .

ومما سبق كله يتضح أنه فضلاً عن عدم وجود أموال للمدين يمكن الحجر عليها فإن إعلان الإفلاس يعتبر غير مطلوب لا من المدين ولا من غريمه ، وقد نصت المادة ( 108 ) من نظام المحكمة التجارية على أن : (( إعلان الإفلاس أما أن يكون بطلب من المفلس مباشرة أو بطلب من أحد غرمائه )) .

ومن ثم فإنه لا يوجد ما يوجب إعلان إفلاس المدين ولم يبق سوى إثبات إعساره الذي هو من اختصاص المحاكم العامة وفقاً لما نصت عليه المادة (489) من نظام المحكمة التجارية – سالف الذكر – (( إذا أقر المدعي عليه بالدين المدعي به وأدعى الإعسار ولم يوجد ما يوجب إعلان إفلاسه فعلى المحكمة أن تحكم بالدين فقط أما دعوى الإعسار فللمدعية الحق في إثباته بالمحكمة الشرعية .

وحيث أن هيئة التدقيق تخلص مما سبق إلى إقرار مؤدي نتيجة حكم الدائرة التجارية التاسعة محل التدقيق لغير الأسباب التي بنى عليها .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى