البحوث القانونيةالخطاباتالقرارات القضائيةاوامراوامر القضائيةتعاميممباحثنماذج قاضي التنفيذ

كيفية تنفيذ أمر القبض

كيفية تنفيذ أمر القبض ي

يجب على الشخص المكلف بالقبض على المتهم ان يطلعه على الامر بصورة واضحة ، فقد يختار المتهم تنفيذ هذا الامر طوعا وبالتالي لا يجوز استخدام القوة معه مما يعني عدم جواز المساس بحريته وبسلامة جسمه ما دام قد خضع لأمر القبض الصادر بحقه (2) . وعليه فان الاصل في تنفيذ امر القبض ان يكون طواعية ومن دون أي مساس بجسم المتهم ،وان يحفظ كرامته وادميته وسلامته الجسمية واي تعد من قبل القائم بالتنفيذ على المتهم يجعل من فعله هذا عملا غير مشروع يستوجب المسؤولية . وقد نص بيان صادر من ديوان الرئاسة على ضرورة اصطحاب مختار المحلة او اي عنصر قيادي عندما يقتضي الامر اجراء التحري او القبض على من يعنيهم الأمر. ان هذا الامر يمثل ضمانة للمتهم من ارتكاب افعال بحقه قد تشكل مساسا بسلامة

جسمه . ولكن المتهم قد لا يخضع لأمر القبض طوعا فهل يجوز استخدام وسائل الاجبار لتنفيذ امر القبض ؟ بعبارة اخرى هل يجوز المساس بجسم المتهم إذا امتنع عن تنفيذ امر القبض طوعا ؟

ان قانون اصول المحاكمات الجزائية وفي المادة (108) منه اجاز استخدام القوة المناسبة التي تمكن المأذون قانونا بالقبض على المتهم ، وذلك في حالتين هما مقاومة المتهم ومحاولة الهرب . الا انه يؤخذ على نص المادة المذكورة هو ان المشرع استعمل مصطلح ( القوة المناسبة ) مما يعني انه ترك تقدير استخدام الوسائل اللازمة للقبض على المتهم لتقدير الشخص المكلف بالقبض على المتهم ، وعليه فبإمكان المكلف بالقبض ان يدعي انه كان في وضع يجبره على استخدام الوسائل التي استخدمها من اجل القبض على المتهم التي قد تكون مبالغاً فيها ، وتشكل مساسا جسيما بجسم المتهم إذا ما قورنت بحالة الممانعة التي أظهرها المتهم .

إن اللجوء إلى استخدام القوة والعنف مسألة تقديرية تختلف باختلاف مقاومة المتهم ، فقد منح القانون المأذون بالقبض ( ممثل السلطة او أي شخص عادي مسموح له بذلك ) سلطة تقديرية في استخدام القوة اللازمة بما يمكنه من أداء واجبه على اكمل وجه والا تعرض للعقاب.

والسؤال الذي يمكن ان يثار هنا ، هو ما نوع القوة التي تستخدم ضد المتهم ؟ وهل يجوز استخدام السلاح للتغلب على مقاومة المتهم او لمنعه من الهرب ؟

من خلال التدقيق في نص المادة (108) من قانون أصول المحاكمات الجزائية نجد ان المشرع العراقي اجاز استخدام القوة المناسبة للقبض على المتهم أو لمنع هروبه ، وهذا يعني امكانية استخدام السلاح ( الناري ، الجارح ) . ولكن استخدام السلاح لا يتم اللجوء إليه إلا بعد استنفاذ الوسائل المناسبة الاخرى ، فالمكلف بالقبض ، عليه ان يدعو المتهم إلى ضرورة الانصياع لأمر القبض طوعا فان امتنع لجأ إلى اسلوب الشدة والتهديد القولي ، فاذا لم يجدي ذلك نفعا معه لجأ إلى استخدام القوة المناسبة، كاستخدام حديد الايدي او القوة البدنية فاذا لم تكن كل تلك الوسائل كافية جاز له استخدام السلاح . ويرى البعض ان استخدام السلاح الناري غير جائز في المخالفات ويستحسن عدم استخدامه ايضا في الجنح ، ونرى ان هذا الرأي غير مقبول لان القبض على المتهم قد يتطلب استخدام السلاح ، كما ان عدم استخدامه لكون التهمة مخالفة او جنحة قد يسهل هرب المتهم مما يعرض المكلف بالقبض للمسألة القانونية .

 ان المشرع العراقي اجاز لرجل الشرطة استخدام السلاح الناري إذا كان المتهم خطراً، ويكون المجرم خطرا إذا كان حاملا لسلاح . ولكن الذي يؤخذ على المشرع العراقي في قانون واجبات رجل الشرطة في مكافحة الجريمة رقم (176) لسنة 1980 انه لم يحدد نوع السلاح الذي يحمله المتهم حتى يمكن لرجل الشرطة استعمال السلاح ضده ، فكان من الافضل تحديد نوعية السلاح ( ناري ، جارح ) لان ترك الامر دون تحديد يجعله خاضع للسلطة التقديرية لرجل الشرطة ، مما قد يجعله يتجاوز القدر اللازم في استخدام القوة تحت حجج واهية مما يشكل بالتالي مساسا بسلامة جسم المتهم. وعليه ، فان استخدام القوة اللازمة امر يخضع لتقدير المحكمة المختصة ، فهي التي تقرر ان كان هناك تجاوزاً لحدود استخدام القوة اللازمة ام لا .

وهناك تساؤل اخر يطرح ، وهو هل يمكن استخدام الكلاب البوليسية من اجل تسهيل مهمة القبض على المتهم ؟

ان هذا الأمر لا يمكن تصوره في حالة استجابة المتهم لأمر القبض طوعا ولكن يمكن اللجوء اليه عند مقاومة المتهم او هروبه ، ولكن ينبغي ان يكون استخدام هذه الكلاب على قدر كبير من الحيطة والحذر وان يتم بإشراف ومتابعة من قبل اشخاص ذوي خبرة في هذا الميدان ، وان يكون استخدامها في حالات محددة ، لان هذه الكلاب قد تشكل مساسا بجسم المتهم إذا ما تركت دون مراقبة واشراف من قبل ذوي الاختصاص .

أما بالنسبة لاستخدام حديد الايدي عند القبض على المتهم ، فهذا الامر مسموح به قانونا . ولكن يجب ان يكون استخدامها لوقت محدد وان لا يتم اللجوء للقوة في استخدامها إلا إذا رفض المتهم الخضوع للأمر طواعية . فاستخدام ماسكات الايدي تعد احدى صور استخدام القوة . الا ان المشرع العراقي لم يبين امكانية استخدام هذه الوسيلة بصورة صريحة، وانما اجاز استخدام القوة المناسبة للحيلولة دون هرب المتهم او للتغلب على مقاومته . ولكن عمومية نص المادة (108) من قانون أصول المحاكمات الجزائية يشمل امكانية تكبيل المتهم . ولكن ينبغي تحديد الحالات التي يجوز فيها التكبيل كما ينبغي تحديد المدة اللازمة لهذا التكبيل ، بوصف ان هذا التحديد يشكل ضمانة للمتهم من المساس بسلامة جسمه من حالات قد لا تستوجب التكبيل او لمدة قد تطول إذا ما ترك الامر لتقدير رجل السلطة المكلف بالقبض ، لاسيما إذا ما علمنا ان هذا التكبيل قد يترتب عليه احداث مرض او اذى شديدين من جراء سوء استعمال ماسكات الايدي او استخدام البدائل كالحبال وقطع القماش والاسلاك المعدنية.

لهذا ندعو المشرع العراقي إلى وضع نص قانوني يتضمن تحديد الحالات التي يجوز فيها للمكلف بالقبض للجوء إلى تكبيل المتهم واقتصار ذلك على الجنايات والجنح من دون المخالفات. كما ينبغي تحديد المدة التي يستمر فيها التكبيل ، وعليه يجب على المكلف بالقبض عدم التوسع في استخدام القيود الحديدية او القيود الاخرى تحت ستار خشية هروب المتهم او شل مقاومته ، وانما يجب ان يقتصر الامر على قيام اسباب جدية ومعقولة على المقاومة او محاولة الهرب . ولكن استخدام القوة هل يقتصر على افراد السلطة العامة ام يمكن لغير افراد السلطة العامة استخدام القوة من اجل القبض على المتهمين ؟

وبعبارة اخرى هل يجوز للأفراد المساس بحرية المتهم وسلامة جسمه في سبيل القبض عليه ؟

أجازت المادة ( 102 / من قانون أصول المحاكمات الجزائية ) لكل شخص ولو بغير امر من السلطات المختصة القبض على متهم بجناية او جنجة وفي حالات حددتها المادة المذكورة ، وهذا يعني ان القانون اجاز لكل شخص القبض على متهم بجناية او جنحة وفي حالات محددة ، ولما كانت المادة (108) من قانون أصول المحاكمات الجزائية قد تضمنت على انه ( لمن كان مأذونا بالقبض عليه ” على المتهم ” الذي يقاوم القبض عليه او حاول الهرب أن يستعمل القوة المناسبة التي تمكنه من القبض عليه وتحول دون هربه )، فمن خلال هذا النص ونص المادة (102) المذكورة سابقاً يمكن القول ان للأفراد الحق في استخدام القوة اللازمة للقبض على المتهم بجناية او جنحة وبإحدى الحالات التي ذكرتها المادة (102) الاصولية ، وبالشروط نفسها الواجب اتباعها من قبل رجال السلطة ، على ان يقوم الشخص بإحضار المقبوض عليه إلى اقرب مركز شرطة او يسلمه إلى احد اعضاء الضبط القضائي ، إذ لا يجوز لهم الاحتفاظ به اكثر من الوقت اللازم لإيصاله إلى المركز.

ولكن لأي مدة يجوز القبض على المتهم ؟ لم يحدد المشرع العراقي المدة التي يبقى فيها الشخص مقبوضا عليه ، بينما حددت تشريعات اخرى المدة التي يجب على القائم بالقبض ان يسلم المقبوض عليه فيها إلى المحقق كالتشريع الكويتي ، إذ حدد هذه المدة بـ ( 4 ) أيام ، بينما حددها القانون المصري بـ ( 24 ساعة ) عندما اوجب على مأمور الضبط القضائي ان يرسل المتهم خلالها للنيابة العامة التي تقرر توقيفه او اطلاق سراحه . ولهذا نرى ضرورة تحديد المدة التي يبقى فيها المتهم مقبوضاً عليه، وان لا تزيد عن (24) ساعة قابلة للتمديد مرة واحدة وبما ينسجم مع الاحكام الدستور العراقي النافذ.

ومن الضمانات المهمة للمتهم هي ان يكون امر التكليف بالقبض (مذكرة القبض)مكتوبا حتى يتسنى له الاطلاع عليه، وهو ما جرى عليه العمل لدينا في العراق، وما تؤكده الاحكام القضائية، على عكس ما ذهبت اليه محكمة النقض المصرية التي لم تشترط الكتابة في امر التكليف بالقبض ، وهذا الامر يثير الاستغراب ،لأنه اهدار لضمانة من ضمانات المتهم ، فكيف يتعرف المتهم على ان هناك امرا صادرا من سلطة مختصة بالقبض عليه .

زر الذهاب إلى الأعلى