البحوث القانونية

موقف الشريعة الإسلامية من التنفيذ على الأشخاص

المطلب الرابع : موقف الشريعة الإسلامية من التنفيذ على الأشخاص

أولاً – الحبس() :

المدين إما أن يكون معسراً أو موسراً أو مجهول الحال.

فــالمـدين الــذي ثبـت إعـســاره يُمهَل حتى يوسر ؛ لقوله تعالى :  (( وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ )) ().

والمدين الموسر يعاقب بالحبس إذا امتنع من وفاء الدين الحالِّ عند جمهـور الفقهـاء() لقول رسولنا محمد – صلى الله عليه وسلم – : “ليُّ الواجد ظلم يُحِلُّ عرضه وعقوبته “().

أما المدين مجهول الحال الذي لا يُعرف غناه ولا فقره فيُحبس عند جمهـور الفقهاء بطلب من الغرماء حتى يستبين أمره . ()

ومن هذا يتبين قُرب النظام السعودي من الشريعة الإسلامية في هذه المسـألة.

 

ثانياً – المنع من السفر :

إن المدين الذي حلَّ عليه أجل الدين ولزمه الوفاء – سواءً أكان ذلك بإقراره أم بحكم صادر عليه – ليس له الحق في السفر قبل وفاء ما عليه من حقوق، وليس هذا محل خلاف بين الفقهاء. ()

أما بالنسبة للمدين الذي لم يحل موعد سداد ما عليه من دين فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن المدين إذا أراد سفراً وعليه حق يحلُّ قبل عودته من سفره فلصاحب الحق مَنْعُه ما لم يقدِّم كفيلاً أو رهناً يفي بمقدار الحق ، وله منعه أيضاً إذا كان السفر مما لا يؤمن معه السلامة كالجهاد ونـحـوه حـتـى وإن كــان الــدين لا يــحــل مــوعد سداده إلا بعد العودة من السفر ؛ لما في مثل هذا السفر من خطر الموت وفوات الحق. () وهذا المذهب يتمشى مع قاعدة  : ( درء المفاسد أولى من جلب المصالح ) () ، وقاعدة : ( إذا تعارض المانع والمقتضي يُقدَّم المانع إلا إذا كان المقتضي أعظم ) () .

فسفر المدين فيه مصلحة ومنفعة له ومفسدة ومضرة على الدائن لاحتمال فوات حقه، كما أن في منع المدين من السفر مفسدة ومضرة عليه لاحتمال ضياع مصالحه بسبب تأخر سفره بينما فيه مصلحة ومنفعة للدائن بحفظ حقه.

فالسفر والمنع منه كلاهما يتضمنان مصلحةً باعتبارٍ ومفسدةً باعتبارٍ آخر ، إلا أن مراعاة جانب الدائن أولى ؛ لأن الضرر الواقع عليه من سفر المدين قد لا يمكن رفعه بينما باستطاعة المدين رفع الضرر عن نفسه بتعجيل أداء الدين أو بإحضار من يكفله أو برهن شيء من عقاراته أو نحو ذلك . ومن القواعد الفقهية المقررة شرعاً : أنه ( يُرتكب أخفُّ الضررين لدفع أعلاهما ) ().

ومع أن الفقهاء قد اختلفوا في هذه المسألة إلا أن الظاهر عدم اختلافهم في مشروعية منع المدين من السفر بناءً على طلب الدائن الذي يدّعى أن دينه قد حلَّ وذلك ريثما يصدر الحكم بإلزامه بالتسديد ؛ حفاظاً على الحقوق من الضياع .والله أعلم

والنظم الوضعية تتفق في ذلك مع الشريعة الإسلامية .

 

ثالثاً – التنفيذ على ذات الأشخاص :

لقد أتت الشريعة الإسلامية بعقاب المجرم ، وقد يكون هذا العقاب قصاصاً وقد يكون حدّاً وقد يكون تعزيراً حسب نوعية الجريمة التي تمَّ ارتكابها، والدولة السعودية -أيَّدها الله -قائمة بتطبيق هذه الأحكام ، وهذا من فضل الله، وستستمر على ذلك إن شاء الله .

وبالنسبة لتنفيذ الحكم بتسليم الولد إلى وليِّه ، والمرأة إلى محرمها وبالتفريق بين الزوجين وتسليم الصغير والصغيرة للحاضنة جبراً بصورة مستعجلة ، يتمشى ذلك مع أحد المقاصد العامة للشريعة وهو جلب المصالح للعباد ودرء المفاسد عنهم.

أما عدم جبر المرأة على الانقياد لزوجها بالقوة التنفيذية في النظام السعودي فذلك يتفق مع قول نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – : ( لا ضرر ولا ضرار ) الذي استُنبطت منه القاعدة الفقهية : ( الضرر يُزال ) ، فإلزام المرأة بالانقياد لزوجها مع بغضها الشديد له أو مع إيذائه لها , في ذلك ضرر عليها ، بل ربما ينتج عن ذلك الإضرار به أيضاً كقيامها بقتله للتخلص منه ، وقد لا يكون لديها من المال ما تتمكن معه من طلب الطلاق وافتداء نفسها من زوجها ، فلم يبق إلا الحكم بنشوزها إن أبت الانقياد له ما دامت لا تطيق العيش معه.

أما في حالة طلبها الطلاق ؛ لبغضها لزوجها أو عدم تمكُّنها من إثبات إيذائه لها وهي قادرة على فداء نفسها ، وكذلك في حالة ثبوت وقوع الضرر البالغ عليها حتى ولو لم تكن قادرةً في هذه الحالة على فداء نفسها بإعادة المهر ، فإنه في نهاية المطاف وبعد تعذُّر محاولات الصلح وإصرار الزوج على إمساكها يقوم القاضي بفسخ نكاحها حسبما يراه شرعاً بعوض أو بغير عوض.

زر الذهاب إلى الأعلى