البحوث القانونيةشرح القواعد الفقهية

القاعدة الحادية عشرة: الاجتهاد لا ينقض بمثله, شرح القواعد الفقهية

القاعدة الحادية عشرة: الاجتهاد لا ينقض بمثله

٤١ – شرح القاعدة:

في المسائل الاجتهادية التي يسوغ فيها الاجتهاد، إذا اجتهد فيها المجتهد، وخرج فيها برأي سائغ فلا ينقض – أي يبطل – باجتهاد آخر سائغ مثل الاجتهاد الأول، كما لو حكم حاكم في قضية باجتهاده بحكم معين، ثم تبدل اجتهاده فيها، فلا يجوز له أن ينقض حكمه الأول ليحكم باجتهاده الثاني، الذي هو مثل الأول من حيث إنه اجتهاد سائغ ، كما لا يجوز لحاكم آخر أن ينقض باجتهاده ما حكم به الحاكم الأول باجتهاده، لأنه لا امتياز لاجتهاده على اجتهاد القاضي الأول ، ما دام كلاهما من الاجتهادات السائغة المقبولة.

٤۲ – دليل هذه القاعدة وحكمتها:

ودليل هذه القاعدة الإجماع وما سار عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد حكم أبو بكر رضي الله عنه في مسائل ، وخالفه عمر رضي الله عنه فيها ، ولم ينقض حكمه ، وعلته بأنه ليس الاجتهاد الثاني بأقوى من الأول وأنه يؤدي إلى أن لا يستقر حكم وفيه مشقة شديدة.

٤۳ – الاجتهاد القديم لا يقيد صاحبه:

ولكن الاجتهاد القديم لا يقيد صاحبه في المستقبل ، فله في المستقبل أن يقضي باجتهاده الجديد المخالف لاجتهاده القديم في نظير القضية الأولى ولا يتقيد بما حكم فيها في الماضي، وهذا ما فعله سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في قضية إرثية مشهورة عرفت باسم المسألة المشتركة أو المسألة الحجرية، أو المسألة العمرية لقضاء عمر بن الخطاب فيها إذ أنه قضى بمشاركة الإخوة الأشقاء للإخوة لأم في ميراثهم وهو الثلث نظرا˝ لاستغراق فروض أصحاب الفروض التركة ، فلم يبق للإخوة الأشقاء شيئ من التركة باعتبارهم عصبة، والعصبة يأخذون الباقي من التركة بعد أخذ أصحاب الفروض فروضهم، فإن لم يبق شيئ من التركة لم يأخذوا شيئا، وهذا ما حصل في هذه المسألة فقد اجتمع فيها زوج وأم و إخوة لأم، وإخوة أشقاء، فللزوج النصف وللأم السدس، وللإخوة لأم الثلث ، ولا شيئ للإخوة الأشقاء.

ثم حدثت قضية ميراث كالأولى، فلما رفعت إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يقضي فيها بمثل قضائه السابق في نفس هذه القضية فاعترض أحد الإخوة الأشقاء وقال: يا أمير المؤمنين احسب أبانا حجرا˝ في اليم، أليست أمنا واحدة، فكيف يرث الإخوة لأم ـ ولا نورث نحن، ونحن جميعا أمنا واحدة، ونزيد عليهم بالأب؟ فأخذ عمر رضي الله عنه بحجتهم وأشركهم في ميراث الأخوة لأم. وأساس قضاء عمر رضي الله عنه بمشاركة الإخوة الأشقاء للإخوة لأم بميراثهم ، اشتراك الجميع بالأم الواحدة وهي سبب توريثهم، مع امتياز الأشقاء بقوة قرابتهم للميت ، بإدلائهم إليه بالأب ، وإذا كانت قوة قرابتهم للميت لا تزيدهم إرثا ولا تقدمهم على غيرهم فلا يجوز أن تكون سببا لحرمانهم من الميراث وعدم مساواتهم بالإخوة لأم، ولما سمع الإخوة الاشقاء في القضية الأولى بقضاء عمر الجديد جاؤوا عليه معترضين وطالبين أن يورثهم بإشراكهم مع الإخوة لأم كما قضى في المسألة الجديدة، فقال سيدنا عمر كلمته التي صارت أصلا وقاعدة : تلك على ما قضينا ، وهذه على ما نقضي.

٤٤ – من تطبيقات هذه القاعدة:

  • ومن تطبيقات هذه القاعدة: لو حكم الحاكم بشيء ثم تغير اجتهاده لا ينقض حكمه الأول، ولكن له أن يحكم في المستقبل باجتهاده الجديد، كما لا يجوز لحاكم آخر أن ينقض حكم الحاكم الأول بحجة مخالفته لرأيه ، لأن الاجتهاد لا ينقض بمثله.

٤٥- ما الحكم إذا أمر السلطان باتباع رأي اجتهادي معين:

ما قلنا في الفقرة السابقة هو إذا لم يكن قد صدر أمر من السلطان ((ولي الأمر)) بوجوب الحكم برأي أحد المجتهدين لأنه في هذه الحالة لا يجوز للحاكم أن يحكم برأي آخر ، وهذا ما جاء في المادة (١٨۰١) من مجلة الأحكام العدلية: ((وكذلك لو صدر الأمر السلطاني بالعمل برأي مجتهد في مسألة ، لأن رأيه بالناس أرفق، ولمصلحة العصر أوفق، فليس للحاكم أن يعمل برأي مجتهد آخر يخالف رأي ذلك المجتهد، وإذا عمل لا ينفذ حكمه)).

وعلى هذا وبناء˝ على هذه المادة إذا حكم الحاكم بما يخالف ما أمر به السلطان ثم رفع حكمه إلى حاكم آخر وجب عليه أن ينقضه.

زر الذهاب إلى الأعلى