البحوث القانونيةشرح القواعد الفقهية

القاعدة الرابعة عشرة: الأصل بقاء ما كان على ما كان, شرح القواعد الفقهية

القاعدة الرابعة عشرة: الأصل بقاء ما كان على ما كان

٥۲ – مرجع هذه القاعدة:

هذه القاعدة تندرج في قاعدة ((اليقين لا يزول بالشك)) فهذه القاعدة هي مرجع القاعدة التي نحن بصدد شرحها فالقاعدة الثابتة التي نتمسك بها هي إبقاء الحالة التي كان عليها الشيء في الماضي حتى يقوم الدليل على تغييرها ، لأن الحالة السابقة يقين فلا نتحول عنه حتى يقوم الدليل على خلافه.

٥۳ – معنى القاعدة:

تشير هذه القاعدة إلى ما يعرف ب (الاستصحاب) وهو الحكم بقاء أمر محقق لم يثبت تغيره، وهو على نوعين: (الأول): إبقاء الشيء في الوقت الحاضر على ما كان عليه في الماضي إلى أن يقوم الدليل على خلافه و (الثاني) : اتخاذ الحال الحاضر للشيء دليلا على أن هذا الحال هو ما كان عليه الشيء في الزمن السابق، ويقال له: الاستصحاب المقلوب ، لأنه عكس الأول.

٥٤- من أمثلة القاعدة وفروعها :

  • من أمثلة القاعدة في نوعها الأول:

أ. إن المفقود- وهو الغائب غيبة منقطعة بحيث لا يعلم موته ولا حياته – يعتبر حيا˝ في حق نفسه في الحال الحاضر ،باستصحاب الحال في الزمن الماضي ،بمعنى أن حياته قبل غيبته لما كانت متيقنة فيعتبر حيا في الحال الحاضر إلى أن يتيقن موته زمن ثم لا تقسم أمواله بين ورثته .

ب.ادعت الزوجة على زوجها عدم وصول النفقة المقدرة إليها ،وادعى الزوج الايصال فالقول قولها بيمينها ،لأن الأصل بقاؤها بعد أن كانت ثابتة في ذمته حتى يقوم الدليل على خلافه .

ج.كل مدين ادعى ابقاء الدين والدائن ينكر فالقول قول الدائن وعلى المدين اثبات الإبقاء ،فلو ادعى المستقرض دفع الدين إلى المقرض ،وادعى المشتري دفع الثمن إلى البائع ،وادعى المستأجر دفع الأجرة إلى المؤجر ،وأنكر المقرض والبائع والمؤجر القبض ،فالقول قولهم،لأن الأصل بقاء مبلغ القرض والثمن والأجرة بعد ثبوتها في ذمته.

د.ادعت المعتدة امتداد الطهر وعدم انقضاء العدة فالقول قولها بيمينها ،ولها نفقة العدة ،لأن الأصل بقاء العدة بعد وجودها .

55.ومن أمثلة القاعدة في نوعها الثاني (الاستصحاب المقلوب )

لو ادعى المستأجر سقوط الأجرة بزعم أن المأجور غضب منه ففات الانتفاع به ،وأنكر المؤجر ذلك ،ولا بينة لأحدهما ،فإنه يحكم الحال الحاضر ،فقد جاء في المادة 1777 ،من مجلة الأحكام العدلية “إذا اختلف في قدم مسيل ماء يجري في دار رجل أو في حدزثه ،فادعى صاحب الدار إحداثه وطلب رفعه ،ولم تكن لكلا الطرفين بينة ،ينظر :فإن كان الماء وقت الخصومة يجري في المسيل ،أو كان يعلم جريه قبل ذلك يبقى على حاله ،لصاحب المسيل بيمينه فيحلف بأن المسيل غير محدث ،وإن كان الماء لا يجري في المسيل وقت الخصومة ،ولم يعلم جريه قبل ذلك ،فالقول لصاحب الدار بيمينه .”

56.حجية الاستصحاب :

الاستصحاب إنما يصلح حجة للدفع لا للاستحقاق ،ومن ثم لا يقسم مال المفقود بين ورثته ولا تفسخ إجارته ،لأنه يعتبر حيا وحياته وإن كانت ثابتة بالاستصحاب فهذا الثبوت يكفي لمن يريد تغييرها ،إذ لا يمكن تغييرها إلا إذا ثبت موته حقيقة أو حكما .

وكذلك لا تقسم أموال المفقود المودعة عند آخر إلى أن يعلم موته أو حياته وعلى هذا نصت المادة 785 من مجلة الأحكام العدلية إذ جاء فيها : إذا كان صاحب الودبعة غائبا ،غيبة منقطعة بحيث لا يعلم موته ولا حياته يحفظها المستودع إلى أن يعلم موت صاحبها …الخ” .

وكذلك لا يرث المفقود من غيره ولا يستحق ما أوصي له به ،لأن شرط الإرث حياة الوارث عند موت الموروث ،وحياة المفقود ثابتة بالاستصحاب ،وهو لا يصلح حجة للاستحقاق ،أي لايصلح حجة لاستفادة حق جديد لم يكن ثابتا للمفقود قبل فقده ،ولكن لاحتمال حياته فإن حصته من إرث موروثه تحفظ إلى أن يظهر أمره  فإن ظهر حيا أخذ حصته الموقوفة ،وإن ظهر ميتا بعد موت مورثه حكم له بتلك الحصة ،وإن علم أنه مات قبل موت مورثه أعيدت حصته إلى باقي الورثة .

والخلاصة فإن المفقود التي تثبت حياته بالاستصحاب يعتبر حيا في حق نفسه ،وفي حق أمواله فلا تورث عنه ،ويعتبر ميتا للاستحقاق من غيره فلا يورث من هذا الغير و إنما توقف حصته حتى تتبين حاله .

ومن الأمثلة على حجية الاستصحاب ،ونوع هذه الحجية :لومات نصراني فجاءت امرأة مسلمة وقالت ،أسلمت قبل موته ،وقال الورثة :أسلمت بعد موته ،فالقول للورثة أيضا ،إلا إذا أثبتت بالبينة ما تدعيه .
وتوضيح عدم استحقاق الزوجة لميراث زوجها في الحالتين :أن المرأة التي ادعت أنها أسلمت بعد موت زوجها النصراني فإنها تدعي استحقاق الإرث بناء على الاستصحاب الحقيقي ،وهو استمرارها على دين زوجها بعد موته ،وبالتالي فتستحق منه الميراث ،ولكن الاستصحاب أو ما يثبت به لا يصلح حجة لاستحقاق شيء ،والورثة يدفعون ادعاءها استحقاقها الميراث تمسكا منهم بالاستصحاب المعكوس –أي اعتبار إسلامها كان قائما قبل موت الزوج بدلالة إسلامها الحاضر ،والاستصحاب يكفي حجة للدفع ،فكان القول قولهم وعليها إتيان العكس .

أما في الحالة الثانية ،حالة موت رجل مسلم وامرأته نصرانية ،وادعت أنها أسلمت قبل موته ،وبالتالي فهي تستحق الميراث ،وقال الورثة :أسلمت بعد موته ،فإنه فإنه لا يحكم لها بناء على الاستصحاب المعكوس استحقاق الإرث ،والاستصحاب أو ما يثبت به ،لا يصلح حجة للاستحقاق ،فيكون القول قول الورثة ،لأنهم يتمسكون بالاستصحاب الحقيقي وهو بقاؤها على دينها إلى ما بعد موت زوجها ،ويدفعون بذلك ادعاءها الاستحقاق من ميراث زوجها ،ويؤيد قولهم أيضا ،قاعدة :يضاف الحادث إلى أقرب أوقاته ،حيث أنهم يضيفون إسلامها إلى أقرب أوقاته ،أي :ما بعد موت الزوج .

57: من مستثنيات القاعدة :

أ-المودع إذا ادعى رد الوديعة إلى صاحبها أو ادعى هلاكها بلا تعد منه ولا تقصير ،والمالك ينكر فالقول للمودع ،مع أن الأصل بقاؤها عنده وذلك لأن المودع أمين ،والأمين إذا ادعى رد الأمانة إلى مستحقها فالقول قوله بيمينه ،لأن الأصل براءة الذمة وعدم التعدي والتقصير .

ب-لو ادعت امرأة مضي عدتها في مدة تحتمل انقضاء العدة فيها ،فالقول قولها بيمينها ،مع أن الأصل بقاء العدة بعد ثبوتها ،لأن مضي العدة من الأمور التي لا تعلم إلا منها ،فإن لم يقبل قولها في مضيها لا يمكن ثبوت مضيها أصلا ،فقبل قولها للضرورة .

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى