Web Analytics
أحكام القضائية السعوديةالأحكام والاستشارات القضائيةالبحوث القانونية

حكم قضئي: يتعلق بالاعتراض على تأخر محكمة التنفيذ باصدار منع السفر مما نتج عنه خروج المنفذ ضده لبلده

  • دعوى ضد فرع وزارة العدل
  • حكم يتعلق بالاعتراض على تأخر محكمة التنفيذ باصدار منع السفر مما نتج عنه خروج المنفذ ضده لبلده .
  • الحكم أسس لمبدأ مسؤولية الدولة عن اخطاء القضاة ، واختصاص القضاء الإداري بنظر دعاوى التعويض .
  • نرفق كم تسبيب الحكم الجميل

الأسباب

حيث إن المدعي يهدف من إقامة دعواه الحكم بإلزام المدعى عليها تعويضه عن المبلغ الثابت في ذمة مدينه وقدره أربعة وثلاثون ألف ريال لقاء تسبب المدعى عليها في سفره خارج المملكة رغم صدور قرار قضائي بمنعه من السفر، بالإضافة لتعويضه بمبلغ ثلاثون ألف ريال أخرى مقابل أتعابه وإقامته وكيل شرعي، بما مجموعه (64.000) أربعة و ستون ألف ريال، ومن ثم فإن هذه الدعوى بناء على تكييفها النظامي الصحيح تعتبر من قبيل دعاوى التعويض التي تقدم من ذوي الشان عن أعمال جهة الإدارة، وتختص المحاكم الإدارية بنظرها وفقا للمادة (13/ج) من نظام ديوان المظالم الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/78) وتاريخ: 1428/9/19هـ، التي نصت على أن: (تختص المحاكم الإدارية بالفصل في: دعاوى التعويض التي يقدمها ذوو الشأن عن قرارات أو أعمال جهة الإدارة). ولا ينال من ذلك ما دفع به ممثل المدعى عليها بعدم الاختصاص الولائي بنظر هذه الدعوى، مستنداً ابنداء إلى نص المادة الرابعة عشر من نظام ديوان المظالم التي نصت على أنه: (لا يجوز لمحاكم ديوان المظالم النظر في الدعاوى المتعلقة بأعمال السيادة، أو النظر في الاعتراضات على ما تصدره المحاكم – غير الخاضعة لهذا النظام – من أحكام داخلة في ولايتها، )؛ ذلك أن محل طلب المدعي في هذه الدعوى ليس اعتراضاً على حكم صادر من محكمة أخرى، وإنما محله طلب التعويض، بمواجهة جهة إدارية، عن خطأ في إجراءات فضائية، وبالتالي فمحاكم الديوان مختصة ولا ريب بنظر هذه الدعوى، سواء كان محل هذا الطلب هو التعويض عن عمل إجرائي صادر من المحاكم أو اللجان القضائية، أو حتى التعويض عن خطأ قضائي متمحض ثبت قضاء اكتسابه هذا الوصف، إذ أن فقهاء الإسلام واستناداً إلى مبادئ الشريعة المقررة في منع الضرر ورفعه بعد وقوعه قرروا في غير ما موضع بأن القاضي يضمن في حال خطته في حكمه، وأن هذا الضمان يكون على بيت المال (وزارة العدل في الدعوى المائلة)، وعللوا ذلك بأن القاضي يعمل في الدعوى لعامة المسلمين تعود منفعتها إليهم، برد الحقوق إلى أهلها، فكان خطؤه عليهم بحيث لا يضمن القاضي من ماله الخاص.

وهذا الأمر المتقرر فقها، قررته المحكمة العليا في قرارها رقم (10/م) وتاريخ 1435/11/8هـ الصادر من الهيئة العامة للمحكمة العليا المتضمن أن هيئة المحكمة قررت بالإجماع: (أن التعويض عن خطأ القاضي في عمله تتحمله الدولة)، وهذا القرار يعد من قبيل المبادئ القضائية التي لها الحجية عملاً وأعتباراً، إعمالاً لمقتضى نص المادة الثالثة عشرة والتي تنص فقرتها الثانية على أن: (تتولى المية العامة للمحكمة العليا مايلي: أ- تقرير مبادئ عامة في المسائل المتعلقة بالقضاء)، وعليه فإن أخطاء القضاة في أعمالهم القضائية أمرر متقرر فقهاً وقضاء. ولا ينال من ذلك دفع ممثل المدعى عليها من أن المادة الرابعة من نظام القضاء منعت: (مخاصمة القضاة بسبب أعمال وظيفتهم إلا وفق الشروط والقواعد الخاصة بتأديبيهم)، إذ أن دعوى مخاصمة القضاة) تختلف عن دعوى (تضمين بيت المال عن أخطاء القضاة)، بل إن هذه المادة بمفهومها مؤكدة للاختصاص، فالمنظم منع (دعوى المخاصمة) ولم يمنع دعوى التضمين عن خطأ القاضي، مايدل على إجازته لها، ثم إن دعوى (المخاصمة) تكون ضد القاضي، بخلاف دعوى التضمين فهي على وزارة العدل أو الجهة الإدارية التي يتبعها القاضي، ويخلص من كل ذلك أنه مع تقرير مبدأ عدم جواز (مخاصمة القاضي عن أعماله)، فإن ثمة مبدأ مقابل لذلك وهو صحة المنازعة بتضمين بيت المال عن أعمال القضاة الخاطئة.

وبما أن الدعوى ضد (جهة إدارية) فإن الاختصاص منعقد للمحكمة الإدارية دون مواربة أو شك، ولا يصح الاحتجاج بسلب الاختصاص بقاعدة: (أن الأصل يتبع الفرع دائماً في تحديد الاختصاص)، ذلك أن هذه الدعوى ليست فرعاً عن الدعوى الأصلية، بل ناشئة عنها، وفرق بين كونها فرعاً وبين كونها ناشئة عنها، فهي مستقلة لا ارتباط لها، كأن ينشأ عن الدعوى المدنية دعوى إدارية كدعوى التعويض عن خطأ الطبيب فقد ينشأ عنها مسؤولية المرفق في جزء من أجزاء المسؤولية، ومع ذلك لاقائل بأن المحكمة المختصة بنظر دعوى تضمن الأطباء تنظر الدعاوى ضد جهات الإدارة الناشئة عنها، والنظائر في ذلك لا تحصى و بالتالي فلا وجه لهذا الإيراد المتوهم هنا، لكونه لا توجد دعوى أصلية حتى تكون هذه الدعوى تبعاً لها، وعليه فيصار في تقرير الاختصاص لما هو منصوص عليه نظاماً بنص صريح وهي المحاكم الإدارية، بل إن من المبادئ المقررة أن النزاع لا يجوز نظره من قبل الذي هو طرف فيه، وبالتالي فإنه وإن كانت دعوى التعويض هذه ليست متعلقة بشخص القاضي إلا أنه قد يكون سبب في الخطأ المتسبب في وقوع الضرر على المدعي وبالتالي فلا يجوز بحال أن يتم نظر هذا الطلب من قبله، وعلى مثل ذلك جاءت قواعد الرد والتنحي للقضاة، فليس ذلك طعناً فيهم وإنما هو احتياط لجانب العدالة بأن يكون الذهن خالياً من المؤثرات حين نظر النزاع والفصل فيه، ولا يتأتى ذلك عند القول بأن نظر دعوى التعويض عن خطأ القاضي يكون أمام القاضي في الدعوى الأصلية، إذ كيف يقضي بإثبات خطفه الموجب للتعويض. وتشير الدائرة إلى أن ما انتهت إليه هو ما أخذ به القضاء الإداري المقارن، وتقرر فيها بأن الدولة تسأل عن تعويض الأضرار التي تنشأ عن الأخطاء التي يقع فيها مرفق القضاء في حالة الخطأ الجسيم وحالة إنكار العدالة وفقاً لمصطلحاتهم في ذلك، وفي هذه الحالة تضمن الدولة حصول المضرور على تعويض عن الأضرار التي أصابته من هذه الأخطاء الشخصية.

كما لا ينال من ذلك ما أورده ممثل المدعى عليها بأنه صدرت عدد من الأحكام القضائية تتضمن الحكم بعدم الاختصاص الولائي بنظر مثل هذا الطلب من المدعي، فإنه عند التحقيق يتبين أن طلب المدعي في هذه الدعوى يخالف الطلبات المضمنة في الأحكام التي استند عليها، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن هذه الأحكام غير ملزمة لهذه الدائرة في انتهت إليه في قضائها، وإن التزام المبدأ المقرر من المحكمة العليا السابق الإشارة إليه أولى من التزام هذه الأحكام لكونها صادرة من محاكم أقل درجة منها، والحجية للمبدأ أعظم وألزم، ما تنتهي معه الدائرة لكل ما سبق إلى القضاء باختصاصها بنظر هذه الدعوى، وبه تقضي، عملاً بعموم المادة الثالثة عشر من نظام الديوان، وأن المحاكم الإدارية هي صاحبة الولاية العامة في كل قضية يكون أحد طرفيها جهة الإدارة.

كما تختص هذه المحكمة مكانياً وفقا لأحكام المادة الثانية من نظام المرافعات أمام ديوان المظالم الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/3)، وتاريخ : 1435/1/22 هـ، والمحالة لهذه الدائرة طبقاً لقواعد توزيع القضايا الصادرة بقرار رئيس مجلس القضاء الإداري.

وأما عن قبول الدعوى شكلاً: فإن الثابت أن الحق نشأ للمدعي من تاريخ سفر المنفذ ضده بتاريخ 1438/11/10هـ، ورفع هذه الدعوى بتاريخ 1439/3/22هـ ما تكون معه الدعوى مرفوعة خلال الأجل المحدد لها نظاماً وهو عشر سنوات من تاريخ نشوء الحق، وفق ما نصت عليه الفقرة (6) من المادة (8) من نظام المرافعات أمام ديوان المظالم الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/3) في 1435/1/22هـ، ما تعد معه هذه الدعوى مقبولة شكلا أما عن الموضوع: فلما كان المدعي حصر طلبه في إلزام المدعى عليها دفع المبلغ المستحق له لدى ابراهيم نواي موسي سوداني الجنسية وقدره أربعة وثلاثون ألف ريال جراء تسبب المدعى عليها في سفره رغم صدور قرار قضائي بمنعه من السفر، بالإضافة لتعويضه بمبلغ ثلاثون ألف ريال أخرى مقابل أتعابه وإقامته وكيل شرعي بما مجموعة (64.000) أربعة وستون ألف ريال، وذلك لخطأ المدعى عليها بعدم التأشير في النظام الإلكتروني بموجب القرار القضائي الصادر على المنفذ ضده، وبما أن من المستقر عليه فقها وقضاء أن التعويض يقوم على أركان ثلاثة:

أولها: التعدي المعبر عنه قانوناً بالخطأ، وثانيها: تحقق وقوع الضرر، وثالثها: الإفضاء المعبر عنه قانوناً بالعلاقة السببية، فإذا توفرت الأركان الثلاثة مجتمعة في المدعى به، كان للمدعي الحق في حصول التعويض العادل عن جميع الأضرار، وإذا اختل ركن من تلك الأركان سقط الحق في التعويض جملة  واحدة.

فأما عن الركن الأول ولما كان المدعي ينعي على المدعى عليها عدم التأشير في النظام الإلكتروني بموجب القرار القضائي الصادر على المنفذ ضده بمنعه من السفر، وأن ذلك تسبب بسفر المدين له قبل أن يستوفي منه حقه؛ فإنه عند البحث يتبين أن الفعل المنسوب للمدعى عليها من قبل المدعي إنما هو من قبيل التسبب في عدم استعادته للمبلغ المحكوم له به في مواجهة غريمه، لكن من باشر أخذ هذا المال منه هو المدين، وأن القاعدة الشرعية المقررة تنص على أنه إذا اجتمع المباشر والمتسبب يضاف الحكم إلى المباشر، وأنه لم ينص على الاستثناء من هذه القاعدة وتضمين المتسبب إلا في حال ما لو كان المباشر مجهولاً أو غير مكلف، وهو ما لم يتحقق في هذه الحالة؛ إذا المباشر لأخذ مال المدعي هو المدين المشار إليه، ولم يقدم المدعي ما يثبت تعذر استحصاله لحقه منه بعد سفره، وأن سفره لبلده لا يحول دون اقتضاء الحق منه، وأن له الرجوع عليه بهذا المبلغ المستحق له وبما خسره في سبيل استحصاله لهذا الحق له، وأنه بعد سؤال الدائرة له قرر بأنه لم يتقدم بطلب إلزام المدين بدفع المبالغ المستحقة عليه أمام الجهات المختصة بالدولة التي يقطن بها، أو ثبوت تعذر ذلك، وما دفع به بأن تكاليف رفع هذا الطلب أكبر من قيمة مبلغ الدين المستحق له، ليس فيه ما يؤدي قيام المسئولية التقصيرية في مواجهة جهة الإدارة، ما تنتهي معه الدائرة إلى الحكم برفض الدعوى.

هذا من جهة ومن جهة أخرى تشير الدائرة إلى أنه من المبادئ المقررة في القضاء الإداري هو عدم قبول الدعاوى الإدارية متى كان للمدعي فيها سبيلاً لاستحصال حقه من جهة قضائية أخرى، وهو ما يسمى بالطعن الموازي، فالمدعي في هذه الدعوى حتى وإن صدر له حكم بإلزام المدعى عليها تعويضه بالمبلغ المطالب به فإن له التقدم إلى الجهات القضائية بالدولة التي يقطن بها المدين له ومطالبته بما هو في ذمته بموجب السند التنفيذي الذي في يده، خاصة وأن جمهورية السودان هي من الدول التي يجمع المملكة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى