أخبار التنفيذ العاجلالبحوث القانونيةلوائحة اعتراضية

الاعتراض على الأحكام

الاعتراض على الأحكام

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصَحْبه، ومَن اهتدى بهداه.

أمَّا بعدُ:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحيَّاكم الله مستمعي الأفاضل في برنامجكم “فقه التقاضي”، وسَبقت الإشارة في حلقات مضَت إلى أنَّ القاضي إذا أصدر حكمَه في القضية المعروضة عليه، فإن الأنظمة القضائية في الدول قاطبةً، تُعطي الطرف المحكوم عليه حقَّ الاعتراض على الحكم، وطلب رَفْعه إلى جهة قضائيَّة أعلى تتولَّى تدقيقَ الحكم وتمييزه، أو تتولَّى استئنافَ النظر في القضيَّة؛ أي: إعادة النظر فيها من جديد من قِبَل محكمةٍ أعلى من المحكمة الأولى التي أصدَرت الحكم الأوَّلي أو الابتدائي.

وأنَّ الباب الحادي عشر من نظام المرافعات السعودي الصادر عام 1421هـ، قد خُصِّص لطرق الاعتراض على الأحكام، وقد انتظَم هذا الباب في ثلاثة فصول: الأوَّل “أحكام عامة” في خمس مواد، وسبَق استعراضها في الحلقة الماضية، وأمَّا الفصل الثاني، فيستعرِض إجراءات وأحكام الاعتراض بطلب “التمييز” في ثلاث عشرة مادة، نَستعرض منها ما يتيسَّر في الحلقة.

ففي المادة الثامنة والسبعين بعد المائة، بيانٌ لمدة الاعتراض التي يُسوَّغ للمُعترض تقديم اعتراضه على الحكم خلالها، ونصُّ المادة: (مدة الاعتراض بطلب التمييز ثلاثون يومًا، فإذا لَم يُقدِّم الخَصم اعتراضًا خلال هذه المدة، سقَط حقُّه في طلب التمييز، وعلى المحكمة اتِّخاذ محضرٍ بذلك في ضبط القضيَّة، والتهميش على الصك وسِجلِّه بأنَّ الحكم قد اكْتَسَب القطعيَّة).

والمراد باكتساب الحكم القطعيَّة؛ أي: يكون نهائيًّا واجبَ التنفيذ.

وأوضَحت اللائحة التنفيذيَّة للمادة أنه إذا وافَق اليوم الأخير من مدَّة الاعتراض عُطلة رسميَّة، فيمتدُّ الميعاد إلى أوَّل يوم عملٍ بعدها، والعُطلة الرسميَّة خلال مدة الاعتراض تُحسب منها.

ومثال لهاتين الصورتين:

لو كانت المدة المحدَّدة للاعتراض تَنتهي يوم الخميس، وقد وافَق أوَّل أيام إجازة العيد مثلاً، فإن المدة تمتدُّ إلى أوَّل يومٍ من أيام الدوام الرسمي.

وأما إذا كانت المدة تَبدأ قبل إجازة العيد بعشرة أيام مثلاً، وتنتهي بعد الإجازة بخمسة أيام، فإن المدة لا تتأثَّر بهذه الإجازة ما دامَت داخلة فيها.

كما أوضَحت اللائحة التنفيذية أنه إذا قنَع المحكوم عليه بالحكم بعد رَفْعه لمحكمة التمييز، وقبل إعادته إلى القاضي، فتُدوَّن قناعته في الضبط، وتُبَلَّغ محكمة التمييز بذلك.

وأنه إذا قنَع المحكوم عليه بالحكم، أو اصْطَلح مع خَصمه، بعد إبداء محكمة التمييز ملحوظاتها على الحكم، فيُدوِّن ذلك حاكمُ القضية في الضبط والصكِّ، وتنتهي بذلك القضيَّة، ولا تُعاد إلى محكمة التمييز؛ وذلك لأن الرَّفع إلى التمييز حقٌّ للمعترض، وإذا أسْقَط المعترض حقَّه سقَط، واكتسَب الحكم الابتدائي القطعيَّة بذلك.

وأمَّا إذا امتنَع المحكوم عليه أو المحكوم له ببعض طلباته، من التوقيع في الضبط على القناعة، أو عدمها – فيُعامل وَفْق الفقرة الرابعة من لائحة المادة (68)، ونصُّها:

(إذا امتنَع المحكوم عليه عن التوقيع في الضبط على القناعة بالحكم، أو عدمها – فيُدوِّن القاضي ذلك في الضبط، ويُشهد عليه، وإذا حضَر قبل انتهاء المدة المنصوص عليها، فيُمكَّن من التوقيع على القناعة أو عدمها في الضبط، وفي حال عدم القناعة، يُعطى صورة من صكِّ الحكم؛ لتقديم اللائحة الاعتراضيَّة خلال المدة المُتبقِّية من مدة الاعتراض، وإلا سقَط حقُّه في طلب التمييز، واكتسَب الحكمُ القطعيَّة، ويلحقُ ذلك في الضبط وصكِّ الحكم”.

وأُشير هنا إلى ما يتوهَّمه بعض الخصوم من أنَّ امتناعهم عن التوقيع، يؤثِّر في القضية، أو يكون سبيلاً للضغط على القاضي؛ كي يُعدِّلَ حُكمه أو يَعْدِلَ عنه، والمقطوع به أنَّ هذا الامتناع لا يُفيد الخَصم شيئًا، ولا يؤثِّر في القاضي؛ لأنه ليس من حقِّ القاضي أن يُجبر الخصوم على الرِّضا بحكمه، أو التوقيع على ضبط القضيَّة، وإنما يَلزم القاضي في حال امتناع الخصوم عن التوقيع على الضبط، أن يُوثِّق ذلك في ضبْط القضيَّة بمحضرٍ، وأن يُفهمَ الخَصم المُمتنع بما يترتَّب على امتناعه عن التوقيع، وأنه إذا مضَت المدة المُقرَّرة للاعتراض، ولَم يُوقَّع الضبطُ، فإن حقَّ الخَصم في الاعتراض يَسقط, ويَكتسب الحكمُ القطعيَّة.

وأما المادة التاسعة والسبعون بعد المائة، فقد قرَّرت مبدأً مهمًّا، ونصُّها:

(جميع الأحكام تكون قابلةً للتمييز، باستثناء الأحكام في الدعاوى اليسيرة التي يُحدِّدها مجلس القضاء الأعلى، بقرارٍ يَصدر من هيئته العامة؛ بناءً على اقتراحٍ من وزير العدل، على أنه إذا كان المحكوم عليه ناظرَ وقف، أو وصيًّا، أو وليًّا، أو مأمورَ بيت مال، أو ممثِّلَ جهةٍ حكوميَّة ونحوه، أو كان المحكوم عليه غائبًا – فعلى المحكمة أن ترفعَ الحكم إلى محكمة التمييز؛ لتدقيقه مهْمَا كان موضوع الحكم، ويُستثنى من ذلك ما يأتي:

أ- القرار الصادر على بيت المال من القاضي المُختص مُنفذَّا لحكمٍ نهائي سابق.

ب- الحكم الصادر بمبلغ أوْدَعه أحدُ الأشخاص لصالح شخصٍ آخر، أو ورَثته، ما لَم يكن للمُودع، أو مَن يُمثِّله معارضة في ذلك).

وأُشير إلى أنه حتى الآن لَم يَصدر قرارٌ يُحدِّد الدعاوى اليسيرة التي لا يحقُّ رَفْعها إلى التمييز.

وأمَّا المادة الثمانون بعد المائة، فقد بينَّت كيفيَّة تقديم المذكرة الاعتراضيَّة، ونصُّها:

(تُقدَّم المذكرة الاعتراضية إلى إدارة المحكمة التي أصدَرت الحكم، مُشتملة على بيان الحكم المُعترَض عليه وتاريخه، والأسباب التي بُنِي عليها الاعتراضُ، وطلبات المُعترِض، والأسباب التي تُؤَيِّد الاعتراضَ).

وأُشير هنا إلى أخطاء يقعُ فيه كثيرٌ من كاتبي اللوائح الاعتراضيَّة، ومنها:

1- التهجُّم على شخص القاضي، وتصرُّفاته التي لا علاقة لها بالقضيَّة، فبعض الجهَّال يتوهَّم أن القاضي خَصمٌ له يريد إبطالَ حقِّه، والأصل في القاضي العدالة، ولو أخطَأ القاضي في حكمه، فإن محكمة التمييز تُراجع حكمَه وتُدَقِّقه.

2- عدم إرفاق نسخة من الوثائق التي يُحتجُّ بها في اللائحة الاعتراضيَّة، مما لَم يبرزه الخَصم خلال نظر القضيَّة، ومعلوم أنَّ للوثائق حُجيَّتها متى كانت ثابتةً، ومؤثِّرة في الدعوى.

3- الإفاضة في ذِكر تفصيلات لا علاقة لها بالقضيَّة، ومعلوم أنَّ اللائحة الاعتراضيَّة تُقدَّم إلى ذَوِي الاختصاص من القاضي الذي حكَم في القضيَّة وقُضاة محكمة التمييز، وهم بطبيعة تأهيلهم وخِبرتهم، لا يحتاجون إلى تفصيلات واستطرادات لا تَمسُّ القضيَّة.

ولذا فإن بعض كاتبي اللوائح الاعتراضيَّة يَخدعون البُسطاء بتكثير صفحات اللوائح الاعتراضيَّة بحَشْو الكلام، ظانِّين أنَّ كثرة المكتوب يؤثِّر في القاضي وقُضاة التمييز.

وشواهد الحال تُنبئ أنَّ بعض اللوائح الاعتراضية لا تتجاوز صفحة أو صفحتين، ومع ذلك قد يُنقض الحكمُ بسببها؛ لِما فيها من إيضاح ودِقَّة، وإبرازٍ لنقاط الخَلل في الحكم المُعتَرَض عليه، بل إن من المعلوم أنَّ تركيز الكلام واختصاره، يُسهم في إيصال المعاني المطلوبة، ويُعين على قراءة المكتوب كلِّه.

زر الذهاب إلى الأعلى