البحوث القانونيةشرح القواعد الفقهية

القاعدة السادسة و الثمانون: الأصل في المضار التحريم, شرح القواعد الفقهية

القاعدة السادسة و الثمانون: الأصل في المضار التحريم

254 – معنى القاعدة :

المضار جمع المضرة ، و المضرة خلاف المنفعة و الضرر يعني سوء الحال و النقصان في النفس أو البدن ، أو حالة ظاهرة من قلة مال و جاه و أما التحريم فيراد به طلب الشارع الكف عن الفعل على وجه الحتم و الإلزام و معنى ذلك : يحرم على الإنسان إلحاق الضرر بالغير ابتداء ، أو مجازاة و إنما عليه مراجعة القضاء لرفع الضرر عنه أو تعويضه و لذلك جاءت القاعدة الفقهية : ” لا ضرر و لا ضرار ” و لأن الضرر إذا وقع يجب أن يزال كما جاء في القاعدة الفقهية : ” الضرر يزال ” .

255 – أدلة هذه القاعدة من القرآن الكريم :

لقد وردت آيات كثيرة في النهي عن إلحاق الضرر بالغير ، أو أن يفعل الإنسان فعلا ظاهره أنه مشروع و في حدود ما يملك ، ولكنه ممنوع شرعا إذا كان القصد الإضرار بالغير ، قال تعالى : ” لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده ” وقال تعالى بشأن تعسف الرجال استعمال سلطاتهم تجاه زوجاتهم أو المطلقات منهن ، قال تعالى : ” ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن ” و قال تعالى : ” ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ” و جاء في تفسيرها : ” ولا تمسكوهن ضرارا ” كما كانت تفعل الجاهلية من طلاق المرأة حتى يقرب انقضاء عدتها ثم مراجعتها لا عن حاجة ولا لمحبة ولكن لقصد تطويل العدة و توسيع مدة الإنتظار ” ضرارا لتعتدوا ” أي : بقصد الاعتداء منكم عليهن و الظلم لهن ، وقال تعالى في شأن الوصية و الدين : ” من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار ” .

256 – أدلة القاعدة من السنة النبوية :

منها قوله صلى الله عليه و سلم : ” لا ضرر ولا ضرار ” ووجه الدلالة بهذا الحديث الشريف أنه جاء نكرة في سياق النفي فيفيد العموم ،والنفي هنا ليس واردا على الإمكان ولا على الوقوع ؛ لأن كلا من الضرر و الضرار واقع و موجود فلا يصح أن يراد بالنفي الوارد بالحديث نفي إمكانه ولا نفي وقوعه فيتعين أن يكون المراد : لا يجوز الضرر ولا الضرار في ديننا الإسلامي و إذا انتفى الجواز ثبت التحريم .

ويكاد شراح الحديث يجمعون على هذا المعنى ، قال الزرقاني : وفيه تحريم جميع أنواع الضرر .

257 – فروع القاعدة و أمثلتها :

ما ذكرناه من فروع و أمثلة و تطبيقات لقواعد الضرر و منها قاعدة : ” لا ضرر ولا ضرار ” و قاعدة ” الضرر يزال ” تصلح تلك الفروع و الأمثلة ، فروعا و تطبيقات لهذه القاعدة ، وكذلك ما ذكرناه من تعارض الإضرار و اختيار أقلها ضررا ، و ما ذكرناه من أمثلة هناك تصلح أمثلة أيضا لهذه القاعدة .

وبناء على هذه القاعدة يمكن القول : إن المطعومات و المشروبات من حيوان أو نبات أو سوائل و التي لم يرد بحكمها نص خاص يبين حكمها من جهة الحل و الحرمة ، ولكن تلحق ضررا بمن يتناولها ، يمكن للمجتهد أن يقول فيها : إنها تخرج من دائرة الحل و الإباحة وتقع في دائرة المحظورات لوجود الضرر فيها ، و إنها كلما اشتد ضررها اشتد خطرها شرعا أي : اشتد منعها شرعا .

وإذا كان ضررها لا يصيب من يتناولها إلا إذا أكثر من استعمالها فإنها تمنع شرعا أيضا بناء على قاعدة أو أصل سد الذرائع . و كذلك إذا ثبت علميا و طبيا ضرر بعضها كالتدخين ولو كان استعمالها قليلا فإن جانب الحظر فيها يكون شديدا ، وإذا انضم إلى ذلك ملاحظة قاعدة سد الذرائع فإن القول بتحريمها قد يكون من الاجتهاد السائغ المقبول ومن أمثلة ذلك ( التبغ ) أي : التدخين .

زر الذهاب إلى الأعلى