البحوث القانونية

ضوابط تقرير العقوبة التعزيرية في نظام السعودي الجزائي

إن تقدير العقوبة التعزيرية المناسبة للجاني تعد من أهم مراحل المحاكمة، إذ يجب على القاضي أن يستجمع الظروف المشددة والمخففة في الواقعة ثم يطبق بعض الضوابط ليصوغ حكما عادلا متوازنا – المجني عليه والمتهم والمجتمع . وهنا يتمايز المحامون في إبراز هذه الظروف والضوابط بما يخدم موكليهم، مساعدين القضاة في لفت أنظارهم لتلك الأمور .

 

إن السؤال الذي يتكرر كثيرا من أصحاب الفضيلة الملازمين القضائيين، والزملاء المتدربين، هو كيف تقدر العقوبة التعزيرية المناسبة؟ وقبل الجواب على ذلك نقول إن تقنين العقوبات التعزيرية بشكل دقيق يمنع التفاوت المقبول فيه الكثير من الصعوبة، نظرا لتجدد الوقائع، مع ما تحمله كل قضية من ظروف توجب التشديد أو التخفيف في العقوبة، الأمر الذي حدى بالمنظم السعودي – كغيره من المنظمين – يجعل مساحة مقبولة لتقوم المحكمة بتقدير العقوبة وفقا لما يحيط بالجريمة، ويمكن أن توضع ترشيدات لهذه التقديرات، لاسيما في القضايا التي ترد للمحاكم بكثرة.

وهنا أطرح بين أيديكم بعض الضوابط التي ترشدنا لتقدير التعزير المناسب في القضية الجنائية، ومن أهم هذه الضوابط(۱):

عدم بلوغ العقوبة الحد من جنسها: فلا يعاقب القاضي مثلا على الخلوة و مقدمات الزنا من غير المحصن بأكثر من حد الزاني البكر(٢).

ألا تكون العقوبة قليلة لا تتلاءم مع الجريمة، فلا بد أن يكون هناك توازن بين العقوبة والجريمة .

تحقيق العقوبة التعزيرية لأهدافها: من زجر الجاني وردعه، وإصلاحه، وإنصاف المجني عليه، وإصلاح المجتمع، وحفظ الأمن.

الأمن من الحيف : بأن لا تتعدى العقوبة القدر الواجب، فتسبب ضررا أو هلاكا للمحكوم عليه.

كون العقوبة من جنس الجريمة ما أمكن: يقول ابن تيمية (الثواب والعقاب يكونان من جنس العمل في قدر الله وشرعه … فإذا أمكن أن تكون العقوبة من جنس المعصية كان ذلك هو المشروع قدر الإمكان) (٣) فمن ضرب آخر حسن عند تعزيره أن يجلد، ومن ارتكب جريمة غسل الأموال أن يحكم عليه بغرامة مالية بالإضافة لسجنه.

 

ألا تتعدى العقوبة إلى غير الجاني. قال تعالى : (ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى)(٤).

 

التدرج في العقوبة من الأخف إلى الأشد: فلا ينتقل القاضي إلى عقوبة أشد وهو يرى أن ما دونها مغنيا عنها، والجاني كلما أصر على جنايته زيد في عقوبته، ولذا جاء الشرع بالتدرج في تأديب الناشز بالوعظ ثم الهجر ثم الضرب.

 

التوازن بين العقوبة والجاني: فاعتداء رجل الأمن وجنايته ليست كالاعتداء الذي يقع من غيره، ومقدمات الزنا من المحصن أو كبير السن ليست مثل الشاب الأعزب، يقول أبويعلى (إن تأديب ذي الهيئة من أهل الصيانة أخف من تأديب أهل البذاءة والسفاهة ولذا قال : (أقيلوا ذَوي الهيئاتِ عثَراتِهم إلا الحدود)(٥) فإن تساوی الناس في الحدود المقدرة فإنهم يتفاوتون في التعزير، من الإعراض أو الزجر أو الحبس(٦).

 

اعتبار المآلات عند تقرير العقوبة: فالنبي لا ترك قتل المنافقين حتى لا يتحدث الناس أنه لا يقتل أصحابه، ذلك أن الأحكام البديلة فيها أثر متعدي على أسرة الجاني وقد لا يزوج ولا يتزوج منه، والقضية التي حكم بسببها يسيرة، ولا يعني . هذا أن القاضي يعمل استحسانه العقلي مجردا من النصوص الشرعية، بل يراعي النصوص أولا ثم المصالح والمفاسد (٧).

 


المصادر

  1. وقد استقيتها اختصارا من بحث شيخنا الباذل معالي الشيخ عبد الله بن خنين حفظه الله، في العدد الأول من المجلة القضائية .
  2. من الملحوظات أن البعض يحكم في قضايا الخلوة بالسجن المقارب للعام مع أن المتهم بكر، وهذا ظلم أن الشرع جعل  التغريب لعام على الزاني البكر مع جلده مائة، والسجن أشد بكثير من التغريب، إذ المغرب سيكون حرا طليقا يمارس كامل أعماله وترفيهه في البلد الذي غرب إليه، ويتواصل مع غيره، بخلاف السجين. وهنا مسألة وهي هل يمكن أن يغرب البكر تعزيرا أقل من عام واحد إذا وقع في مثل تلك المحظورات ولم يصل إلى الزنا؟
  3. الفتاوی (۱۱۹/۲۸)
  4. سورة الأنعام الآية رقم (١٦٤)
  5. رواه أحمد وأبو داود والنسائي، والحديث فيه ضعف، وله شواهد ترقية إلى درجة الحسن كما قرره بعض المحدثين .
  6. الأحكام السلطانية (٢٧٩).
  7. وقد يحكم بعض القضاة بإعلان الجلد في أمر تعزيري يسير، أو على ألفاظ لا تصل لحد القذف، فلا تتوازن العقوبة مع الجناية، كما يمتد أثرها على أسرة الجالي، ويلحق بعضهم العار، في أمر لم ينص عليه الشرع الحكيم.

 

? للتحميل: للتحميل بصيغة PDF إضغط هنا

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى