البحوث القانونية
أخر الأخبار

قضية من عالم التحقيق الجنائي لـ مروان ابوالجدايل

✍️إعداد/ محام ومستشار قانوني

وعضو النيابة العامة سابقاً

مروان عبدالرحمن ابوالجدايل

مروان عبدالرحمن ابوالجدايل

تويتر مروان عبدالرحمن ابوالجدايل

في عالم التحقيق الجنائي لا يسعك يوماً تلو يوم إلا أن تتفاجأ وتصدم ثم تتفاجأ وتصدم من تصرفات البشر بعضهم ببعض ويستمر الحال على هذا المنوال حتى تصل لمرحلة اللاشعور. وفي غمرة هذا التبلد تظهر تلك القضية التي لا شك أنها تظل حاضرة معك لا تنساها أبداً كونها جمعت بك كل مشاعر الغضب والسخط والحزن من مدى البشاعة الإنسانية والخسة والنذالة المتمثلة في شخص هذا الجاني أو ذاك.
في هذا الثريد سأروي لكم بشيء من الاختصار الغير مخل قصة أبشع جريمة قتل باشرتها يوماً وكان الباعث عليها كما هو معتاد دوماً وأبداً (المال والطمع) ذات خميس من العام ١٤٢٨هـ وبينما كنت مستغرقاً في النوم رن جرس هاتفي فإذا المتصل العمليات الأمنية ليخبرني المتحدث أن هنالك جثة شخص مقتول كوني كنت المحقق المناوب حينها حيث بدأت مناوبتي من الساعة ٨ صباح الأربعاء والمفروض أنها ستنتهي عند ال ٨ من صباح الخميس نظرت للساعة فوجدتها ٧:٥٥ دقيقة فطلبت من محدثي أن يتصل على الزميل الذي يليني في المناوبة فأخبرني انه قام بذلك بالفعل إلا أن الزميل رفض الإنتقال بحجة أن مناوبته لا تبدأ إلا بعد ٥ دقائق للعلم هذا الزميل من أحب الناس إلي اليوم ولا يزال عضواً بالنيابة العامة ما كان أمامي إزاء ذلك إلا أن صحوا من نومي وتجهزت وأنتقلت لمكان العثور على الجثة فوجدت رجال الضبط الجنائي والأعوان وكل يقوم بعمله، بادرني ضابط القضية بالسلام ونحن نسير بإتجاه الجثة التي كان يحتاطها الأعوان هذا يصور وهذا يرفع الآثار والطبيب الشرعي يجري فحوصه اللازمة كالمعتاد من الجميع في مثل هذه المواقف.
إقتربت لمكان تجمعهم وبدأت أشم رائحة نتنة لم يخطر لي يوماً أن أشم مثلها وكنت كلما أقتربت إزدادت الرائحة كرهاً ونتانةً وأقتربت أكثر حتى وجدت نفسي أمان منظر لم أشاهد مثله يوماً في حياتي وانا المحقق المتمرس يومها !! صدمت أيما صدمة وذهلت وأندهشت ما هذا؟؟ وجدت أمامي جثة مفصولة الرأس عبارة عن صدر رجل حتى منتصف البطن والأمعاء خارجها ثم على مسافة ٣٠ سم تقريباً الجزء السفلي حتى الركبة فقط ، أصابني في ذلك الوقت ما أصابني من مشاعر الغضب والتيه والحقد على مرتكب هذه الجريمة النكراء، ثم بدأت في أتخاذ إجراءاتي المعتادة والسؤال عن كيفية العثور على الجثة التي أتضح ان من عثر عليها هو عامل النظافة وقت صلاة الفجر حيث كان يقوم بعمله بجوار حاوية القمامة اعزكم الله فوجد كيس اسود حاول ان يرفعه الا انه استشعر ثقله فقام بسحبه لجوار الحاوية ولما قام بفتحه انبعثت منه رائحة كريهة وشاهد الدماء والسوائل وما يشبه جثة آدمي فأخذ يصيح ويستغيث بالمصلين المتوجهين للمسجد ومن ثم حضر رجال الأمن بناءً على بلاغ الأهالي وعثروا على الكيس الآخر الذي به الجزء السفلي للجثة اتخذنا حينها ما أتخذناه من إجراءات وكانت الإشكالية الكبرى هي في صعوبة التعرف على صاحب الجثة لعدم وجود رأسه، ثم عدت لمنزلي يشغلني سؤال واحد كيف سيتم القبض على الفاعل وهل ستنجح المحاولات في ذلك ، وما أن دخلت المنزل وكانت الساعة وقتها ال ١١ صباحاً تقريباً ومررت بجوار زوجتي حتى تأففت من رائحتي بشكل واضح اذ يبدو أن طول مكوثي بمكان العثور على الجثة قد تسبب مع رطوبة الجو في انتقال الرائحة لي الامر الذي اضطررت معه أن أشرح لها سبب الرائحة دفاعاً عن نظافتي، وقضيت باقي اليوم أتواصل مع رؤسائي وجهة الضبط حيال الواقعة.

وفي اليوم التالي عصراً وردني إتصال من جهة الضبط واذا بضابط القضية يخبرني بفرح بالغ انه جرى التعرف على المقتول والقبض على الفاعل في المدينة المنورة فعجبت من سرعة القبض عليه وسررت في ذات الوقت من ذلك وشكرت رجل الضبط (ما زال على رأس الخدمة) على أداءه الحسن هو ورجاله وأخذت أهيئ نفسي للإستجواب.

وفي يوم الثلاثاء وردتني القضية ظهراً ومثل المتهم أمامي، رجل يمني في العقد الثالث متوسط البنية يشعر المرء من مظهره الخارجي أنه غير مريح فما بالكم بمن شاهد فعله.
بدأت إستجوابه فأقر لي أنه هو الفاعل، فلفتني إقراره السريع بالجريمة الأمر الذي لم أطمئن له وأستمريت في إستجوابه حيث كانت روايته كالتالي؛ (كنت مع عديلي المقتول في منزله المؤقت بمدينة جدة كون مقر سكننا الأساسي بالمدينة المنورة بعد أن أقليته لمدينة مكة لوجود أعمال توريد مواد غذائية له مع بعض الفنادق هناك ثم عدنا لمدينة جدة واشترينا العشاء وتوجهنا لمنزله وتناولنا العشاء ثم أخذ عديلي (المقتول) يسرب شيشته المعسل وعند الساعة الثانية بعد منتصف الليل تقريباً طلبت منه أن يعلمني العمل الذي يعمله حيث أنه يعتبر ذو مال ودخله كبير وأنا عاطل عن العمل فقال لي انت حمار فطلبت منه عدم نعتي بهذه الصفة فقام بصفعي على وجهي فأخذني الغضب وقمت وقام هو ايضا كونه كان يرغب في النوم وأراد أن يزيل الفحم عن الشيشة ليضعه في موقد الفحم وفي تلك الاثناء توجهت سريعاً للمطبخ وأحضرت سكين وطعنته به في ظهره كونه لم يشاهدني أثناء إقترابي منه لان وجهه كان للجهة الأخرى لانزال الامر من على رأس الشيشة وظهره لي) فسألته ماذا فعلت بعد ذلك فأفادني (أنه ظل يمسك بعديله من الخلف والسكين في ظهره حتى سقط أرضاً فلما سقط قام بنحر رقبته خوفاً من أن يلتفت إليه ومن ثم بدأ في تقطيعه) فانا سألته لماذا لم تكتفي بهذا ولماذا قمت بتقطيعه أفادني (أنه كان يرغب في إخفاء الجثة) هذه الرواية بطبيعة الحال لم ترق لي كمحقق لعدة جوانب منها أنه لو صدق في روايته تلك فالانفعال الذي صاحبه لا يمكن أن يؤدي به للقتل، ثم أن قيامه من مكانه بعد صفعه لا بد أن تكون ملفتة وكان المتوقع من القتيل ان لا يأمن منه في ذروة الموقف المحتدم كذلك ان تقطيع القتيل يدل على ان الامر تم نتيجة تخطيط وليس فقط إنفعال، فالمنفعل والغاضب قد يقتل ولكن ذهنه لا ينصرف لتقطيع الجثة لإخفاءها بهذه السرعة فمثل هذا الامر قد يستغرق منه وقتا حتى يفيق من هول الكارثة التي قام بها ومن ثم يبدأ في التفكير كيف سيتخلص منها، أما أن تراوده جميع الأفكار بهذه السرعة فهذا مريب بطبيعة الحال ، كما أنني لا أرتاح لمثل هذه الاعترافات السريعة بطبعي كمحقق.
استمر إستجوابي له الى ما بعد عصر ذلك اليوم فيما أذكر ثم آثرت تأجيله لليوم التالي مع مخاطبة جهة الضبط لبعث السكين للمختبر لمعرفة ما إذا كانت ما اذا كانت السكين جديدة من عدمه ، فجاءني الرد لاحقاً بأنها فيما يبدو جديدة لكونه لا يوجد عليها آثار دهون متراكمة ونحوه، وهنا بدأ عدم تصديقي لروايته يزداد، ومن خلال اتصالي بضابط القضية أفادني أن للمقتول زوجة وإبن في المدينة المنورة فطلبت مثولها أمامي في أسرع وقت حتى أسمع روايتها للأحداث، إلى هنا أستأذنكم في إكمال الرواية كون لدي لقاء مع زملائي المحامين لماقشة بعض الامور في القضية الإفتراضية وقد وعدتهم أن اكون معهم عند الساعة ١١ مساءً وهنا قد يسأل سائل كيف تم القبض على المتهم بهذه السرعة؟
ما حدث أن المتهم بعد قيامه بجريمته قام بالتوجه لسوق شعبي بمدينة جدة وباع هاتف المجني عليه لأحد محلات الجوال هناك وكما تعلمون انه عند بيع الهاتف الجوال كما هو حال بيع أي غرض فلا بد أن يطلب المحل هوية البائع ويسجل بياناته، فلما طلب البائع من المتهم هويته ذكر له إسم مختلق ورقم هوية ايضاً وأفاده بأنه سيقوم بإحضار الهوية من السيارة وأستلم قيمة الجوال (٨٠) ريالاً وأنطلق مغادراً المحل فتبعه صاحب المحل لأنه شك في أمره وتمكن من إلتقاط رقم لوحة السيارة ولونها ودونها لديه ودون أن أخوض في كيفية وصول رجال الأمن لصاحب المحل التي تبقى سراً أمنيًا لا أفضل الخوض فيه فما يهمنا هو أنهم وصلوا له بطريقة أو بأخرى والذي أعطاهم بدوره رقم لوحة السيارة ولونها وهنا بات الأمر سهلاً في القبض عليه، وقد يسألني أحدهم كيف توصلوا لجوال المجني عليه وسأجيب بأن رجال الأمن رجعوا لبلاغات المفقودين ودققوا في جميع البلاغات وفحصوها حتى توصلوا لبلاغ زوجة المقتول والذي استدلوا منه على رقم الهاتف الجوال وبدأوا تحرياتهم التي أوصلتهم لمحل الجوال الذي زودهم ببقية المعلومات التي أدت للقبض على الفاعل في المدينة المنورة في اليوم التالي ، وبالانتقال والقبض والتفتيش عثر بمنزله على أكياس مشابهة لتلك التي عثر فيها على أجزاء القتيل فحرزوها وأحضروها أيضا وقد كان لضابط القضية دور عظيم هو وأعوانه في سرعة تحديد المتهم والقبض عليه وكان وقتها ضابط برتبة ملازم أول، ونعود لمحور الحديث من أنني طلبت زوجة القتيل وشقيقتها أيضاً إما لتطمئن نفسي لإعتراف القاتل أو تتبدى لنا أمور أخرى، كما طلبت في ذات الوقت برنت إتصالات المتهم حتى أقف على وجود شركاء له من عدمه، ولكم صدمت عندما ظهر لي من برنت الاتصالات الأمني الذي وردني أن المتهم كان يقوم بشحن رصيد جواله عند الساعة الثالثة والربع فجراً وهو تقريباً ذات الوقت المقدر لإنتهاءه من تقطيع جثة المغدور وان أحد أي اتصال صادر أو وارد منه. وهنا بدأت تتبدى لي بعض الأفكار التي قررت أن أسير خلفها والتي سآتي عليها لاحقاً، إذا أنا الان أمام متهم لم يشاركه أاو د فعلته تلك يقر بإرتكابه الجريمة بدافع الغضب فقررت مخاطبة الطبيب الشرعي حيال بعض الأمور ومنها الطعنة التي ذكر انه وجهها للقتيل في ظهره وما ترجيحه لسلاح الجريمة المستخدم، فوردنا تقرير الطبيب الشرعي الذي كان يعمل أساساً على فهم سبب الوفاة متضمناً عدم وجود طعنات ظاهرة الا أن تكون موضع قطع وفصل الجزء العلوي عن السفلي، فأضطررت لمحادثته لإستجلاء ذلك فذكر لي معلومة هامة جداً حيث قال ان من قام بعملية التقطيع والفصل إما طبيب جراح او جزار، ذلك أن فصل سلسلة الظهر قد تم بإحترافية ودون كسر العظام وكذلك الحال بالنسبة لعظمتي الركبتين، وكنت قد علمت أن زوجة المقتول وشقيقتها آتيتين بعد عدة أيام فطلبت من جهة الضبط إحضار السكين المستخدمة في الحادثة والتي ضبطت بأحد الكيسين ولكون مقبضها خشبي لم يتم رفع البصمات عنها خاصة وقد تلوثت بالدماء والسوائل، وفي الموعد المقرر حضرت زوجة المقتول وشقيقتها وباشرت الإستماع لكل واحدة على إنفراد وبدأت بالزوجة التي ذكرت انها وزوجها من سكان المدينة المنورة ولكن لزوجها منزل بمدينة جدة عبارة عن شقة يسكن بها كلما حضر لجدة لمتابعة أعماله في التوريد، وقد تعودت على إتصاله في كل ليلة ليطمئن عليها وعلى إبنهما الطفل الرضيع وأطلب منكم التركيز معي في الآتي: ذكرت الزوجة بعد ذلك أن آخر مكالمة من زوجها كانت ليلة الإثنين وفيها سألها عن عديله فقالت انه في جدة وسألته إن كان تواصل معه فنفى ذلك وطلب منها إبلاغ شقيقتها في حال اتصل عليها زوجها ان تبلغه بضرورة حضوره لمقابلته الا انه وفي يوم الثلاثاء عاودت الاتصال به في الوقت المعتاد وهو الواحدة ليلاً الا ان جواله كان مغلقاً واستمر كذلك حتى الاربعاء فقامت بابلاغ الشرطة عن إختفائه، وأن زوج أختها (القاتل) عاد من مدينة جدة صباح الخميس وأبدى تفاعله معهم في إختفاء زوجها وافاد بأنه لم يشاهده حينها أضطررت لسؤالها عن السكين وما إذا كانت عائدة لهم لأني كنت أساساً أشك في رواية القاتل كما تقدم فذكرت لي انها ليست من مقتنيات منزلهم بجدة كونه غير معد مسكن زوجي وانما هو منزل مؤقت فقط لا تتوافر فيه أدوات مطبخ بشكل كامل وأنها متأكدة من ذلك كونها في المرة الأخيرة التي جاءت فيها مع زوجها وبينما كانت تقوم بتقطيع بعض الفاكهة سقطت منها السكين الوحيدة بالمنزل خلف دولاب المطبخ فلما ذكرت ذلك لزوجها قال لها دعيها حيث لا حاجة لها وبالفعل تركتها ثم بعد ذلك راجعتها في بعض الامور ومن ثم طلبت شقيقتها لأسمع روايتها التي جاء فيها ان زوجها كان يعمل سماكاً في سوق السمك بمدينة جدة وقد كان يعرف المغدور حبنها فطلب منه مساعدته على الزواج فرشحها له كونها شقيقة زوجته وتكفل المغدور بكافة مصاريف الزواج وان زوجها ترك عمله بمدينة جدة وسكن معها بالمدينة وبدأت نقوده تنفذ حيث انه بلا عمل في المدينة فذكر اها انه سيذهب لجدة في يوم السبت السابق للواقعة للبحث عن عمل، إلا أنه عاد في يوم الأربعاء صباحاً عند الساعة الحادية عشر تقريبا (والمعذرة ان كنت كتبت الخميس سابقاً) ومعه بعض اللحوح وهي أكلة خاصة بالأشقاء من دولة اليمن وأكياس قمامة أعزكم الله ومن ثم تناول بعض اللحوح وسألته وقتذاك ان كان شاهد المقتول فنفى ذلك تماما فأخبرته بتغيبه الا انه خلد للنوم طوال يوم الأربعاء وكان كلما إستيقظ يسألها عما اذا كان عديله قد ظهر أم لا ؟ وأستمر على هذه الحال يغط في نومه إلى يوم القبض عليه.
أنهيت سماع رواية كل واحدة منهما وقررت ضرورة الإنتقال لمنزل المغدور مع الجاني لتمثيل الجريمة ومعنا الأعوان من الأدلة الجنائية لتصوير ذلك، فلما دخلنا المنزل لاحظت أثناء مروري من الصالة الضيقة التي تلي باب المنزل من الداخل وجود بقع بنية بسيطة وغير ملفتة للنظر ثم أتجهنا يساراً حيث الغرفة التي تمت فيها الجريمة وهي عبارة عن غرفة صغيرة بها سجاد وجلسات أرضية من الإسفنج الخفيف ولاحظت ان هناك شيشة معسل بالفعل ولكن رماد الجمر ما زال على الشيشة ولا يوجد أي آثار لعراك او نحوه مما يمكن أن يدل على أن هذا هو مكان وقوع الجريمة، ومع إستحضار ما ذكره اي من كيفية الطعن ‏وسقوط المجني عليه الذي كان يفترض أن يكون للأمام فتسقط معه الشيشة او تختل فيسقط الجمر منها لم أجد ذلك بل وجدت أن كل شيء على حاله الذي لا يدل أبداً على أن هذا هو مكان الجريمة ، وحينئذ طلبت من الأعوان البحث خلف الدولاب الوحيد في المطبخ عما اذا كانت هناك سكين من عدمه فعادوا لي سريعا ومعهم سكين عليها غبرة وفيما يبدو انها موجودة هناك منذ زمن، وهنا تأكد لي بما لا يدع مجالاً للشك أن هذا الماثل أمامي يكذب في روايته عن كيفية ومكان القتل، فأخذت جولة في الشقة بعد ذلك وما ان وصلت لغرفة النوم حتى رأيتها مقلوبة رأس على عقب مما يدل على أن هناك من كان يقوم بتفتيشها مما أدى لبعثرتها على هذا النحو، سجلنا كل شي وأعددنا محاصرنا وغادرنا المكان وطلبت المتهم للإستجواب في اليوم التالي، وما أن وصلت لمكتبي حتى وردني تقرير الطبيب الشرعي الذي تضمن فيما تضمنه أن الوفاة قد حدثت قبل ٢٤ ساعة على أقل تقدير وهذا هو سبب إنبعاث الرائحة الكريهة من الجثة لتجمع الدماء وسوائل الجسم في مكان مغلق مع حرارة الشمس، وفي اليوم التالي حضر المتهم وجاءت لحظة المواجهة الحتمية بكل ما جمعته من أدلة على كذبه وأخذت أستجوبه حتى بدأ يقر بالحقيقة التي كانت ‏انه بعد زواجه ومكوثه بالمدينة المنورة بجانب زوجته بدأت نقوده تنفذ بينما كان يشاهد عديله متنعماً برغد العيش، فلما نفذت كل نقوده توجه لمدينة جدة للبحث عن عمل وفي يوم الثلاثاء قرر أن يمر على عديله عله يساعده على العثور عن عمل، فتوجه إليه باكراً فطلب منه الأخير إيصاله ‏لمدينة مكة كونه لا يجيد القيادة، فقام بذلك وتوجها لبعض الفنادق التي يتعامل معها عديله وفي طريق العودة سمعه يخابر إبنه الأكبر من زوجته التي في اليمن ويأمره بأن يخبر المقاول بأن لا يزيل دعامات (السقالات) عن العمارة التي يقوم ببنائها في مدينته باليمن وأنه سيقوم بتحويل مبلغ أربعمئة ألف ريال له في اليوم التالي، ثم قام بإنزاله عند بيته وبعد ذلك إختمرت الفكرة في رأسه فأشترى السكين وأكياس القمامة وانتم بكرامة وأتجه لمنزل عديله عند الساعة ١٢ مساءً وما ان فتح له الباب وتوجه للداخل حتى اقفل الباب وأثناء سيرهما في الصالة باغته بطعنه بالسكين التي اشتراها وبادر سريعا الى نحره بعد أن سقط أرضاً وبعد تأكده من وفاته باشر في تقطيعه وانتهى من ذلك عند الساعة الثالثة بعد منتصف الليل ثم أنتظر حتى أذن الفجر ومن ثم قام بالتوجه للصلاة (هنا بلغ بي الحنق ايما مبلغ) وعاد لسيارته بعد أن أحضر الأكياس منها وقام بتوزيع الجثة على الأكياس ومن ثم قام بتفتيش المنزل فلم يجد النقود انما عثر على الجوال فأنزل الأكياس للسيارة وأتجه بسيارته لعدة أحياء تخلص فيها من الرأس والقدمين وباقي أجزاء الجثة حتى لا يعثر عليها أبداً ، ومن ثم توجه لحي (حارة اليمن) وباع الجوال وكرر عليّ ما قاله العامل بمحل الجوال ومن ثم توجه لشراء اللحوح وغادر للمدينة حيث وصلها قبل الظهر وباقي ما روته زوجته في هذا الشأن. وهنا تغير الإتهام بالكلية، فما كان يسعى له المذكور أن يكون اتهامه قصاصاً بأقواله التي ذكرها قبل ذلك، وهنا يمكن له ان يعيش وان كان داخل أروقة السجن حتى يبلغ إبن القتيل ذلك الطفل الرضيع، وأحمد الله أنني تمكنت بفضله سبحانه وتعالى من إستطهار الحقيقة كاملة لأوجه له الإتهام بقتل الغيلة والذي وافقت عليه لجنة إدارة الهيئة ومنذ المرة الأولى مع شكري على الجهد المبذول.
ومرة أخرى يطل علينا ‏هابيل في هيئة ذلك القاتل والذي اتضح أنه أقدم على جريمته تلك بدمٍ بارد دون أن تتنازعه نفسه في أمر قتل عديله الذي قام بمد يده إليه وأحسن إليه وأكرمه وكل ذلك من أجل المال الذي لم يجد منه سوى قيمة الاحوال الذي قام ببيعه (٨٠) ريالاً فقط، إلا أنني تذكرت مقولة القدماء وأبي منهم وأنا أكتب قرار الإتهام وقتذاك بأن (الروح منصورة ولو بعد حين).
هذه القضية نشرت في صحيفة عكاظ في حينه، وقد لفت أحد الأصدقاء نظري أنني كنت ظاهراً بالصورة أثناء معاينتي للجثة ومكان العثور عليها وشهودها حضور ومنهم شقيق المجني عليه الذي لا يزال يراسلني من اليمن في كل جمعة عرفاناً منه بدوري البسيط في هذه القضية.

إستكملت لكم القصة وجزء من كتابتي وافق وقت السحور الذي التهمته وأنا مستمر في الكتابة والمدام تنظر إلي متعجبة وساخطة فأعانني الله على تهدئتها الآن.

اسأل الله الرحمة للمغدور والعذاب للغادر القاتل.

✍️إعداد/ محام ومستشار قانوني

وعضو النيابة العامة سابقاً

مروان عبدالرحمن ابوالجدايل

زر الذهاب إلى الأعلى