Web Analytics
البحوث القانونية

‏هل يعتمد القاضي التسجيل الصوتي كوسيلة اثبات، ام قرينة يستأنس بها

مدى الاعتماد على قرينة التسجيل الصوتي في الإثبات، أو النفي بعد أن بينت في المبحث السابق جواز استخدام التسجيل الصوتي وسيلة للإثبات، وأنه قرينة يستعان بها في بيان كنه القضية موضوع النزاع، سواء أكانت جنائية أم لا، أبين في هذا ألمبحث مدى قوة هذه القرينة، فأقول:

إن الدليل المستمد من التسجيل الصوتي يعد قرينة ضعيفة لا يدان المتهم بموجبها، ولكن يمكن الاستعانة بها لتقوية التهمة ولا سيما إذا انضمت مع قرائن أخرى، وذلك للأسباب الآتية:

1- أن الأصوات تتشابه، والمقصود بالتشابه هنا التشابه الظاهر للناس، وإلا فالأصوات تختلف من شخص لآخر، يدل لذلك قول البارئ -جل شأنه – (وومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألستكم وألوانكم إنّ في ذلك لآيات للعالمين).

يقول طنطاوي جوهري عند تفسير هذه الآية: “والحقيقة التي لا مرية فيها أنه لا رجل ولا امرأة في الشرق والغرب يشبه لونه لون الآخر ولا نطقه نطق الآخر؛ فترى اللغة واحدة، واللون واحداً، كالعربية والبياض، ولكن لا ترى وجهين يتحدان بياضاً، ولا لسانين يتحدان منطقا (۲).

2- أن الأصوات يمكن تقليدها، وذلك يصعُب تمييز الصوت المقلد من الصوت المقلد؛ فقد يقلد شخص صوت شخص فيوهم السامع بأن المتكلم فلان، والحقيقة أن المتكلم غيره، ولكن الصوت تقليد الصوت فلان، وهذا ما نشاهده كثيراً، ونسمعه فبعض الأشخاص لديه المقدرة التامة على تقليد أصوات الرجال والنساء والأطفال.

بل والدواب في وقت واحد، ويخيل للسامع أن هذا حوار بين أشخاص حقيقيين وهو في الحقيقة تقليد لأصواتهم.

ولا شك أن تقليد الأصوات ومحاكاتها يضعف الاحتجاج بهذه القرينة، ويوهنها.

3- أنه من الممكن فنيًا إدخال تبديل وإحداث تغيير، وإجراء عمليات حذف ونقل لعبارات من موضع إلى موضع آخر على شريط التسجيل. وهذا ما يطلق عليه عملية «المونتاج وبذلك أصبح من الميسور تغيير مضمون التسجيل، فيتغير التسجيل من إنكار للتهمة إلى اعتراف بها وبناء على ذلك فالاعتماد على هذه القرية في الإثبات، أو النفي مغامرة ومجازفة لا تتفق مع روح الشرع ومقاصده، ولا يصح أن تتخذ أساسا للحكم على أعراض الناس وأموالهم ودمائهم.

4- أن عملية التشخيص الصوتي ما زالت تدور في حيز الظنون، والدراسات والتجارب التي لم تسفر عن أمر، ولم تثبت على حال، فلا يعتد بها الشرع – والحال ما ذكر حجةً في تعيين شخصية الفاعل، لأن أحكام الشرع تناط بأمور ثابتة، ولا تناط بأمور ما زالت لم تتبلور بشكل نهائي؛ حفاظا على دماء الناس، وأموالهم، وأعراضهم، وتحقيقا للضروريات الخمس التي جاء الشرع مقررا لها ومحافظا عليها.

ولا يعني هذا عدم إفادة القاضي من تلك القرينة، بل على العكس من ذلك، فإن التسجيل الصوتي قد يكون سببا في انتزاع الاعتراف من المتهم، وقد تنضم إلى التسجيل الصوتي قرائن أخرى تقوي وترجع جانب التهمة، وذلك يجعل الاستئناس بتلك القرينة له وجاهته

زر الذهاب إلى الأعلى