البحوث القانونية

التنفيذ على الأموال في تنفيذ الأحكام في نظام المرافعات

المبحث الأول

ألقسم الأول : التنفيذ على الأموال

لقد سبق الكلام عن شروط التنفيذ على الأموال ، وما يجوز التنفيذ عليه منها وما لا يجوز ، وموقف الشريعة الإسلامية من ذلك ().

 

ترتيب الأموال التي يتم التنفيذ عليها :

إن من المقرر في معظم النظم الوضعية عدم اشتراط البدء بالتنفيذ على مالٍ معيّن، فللدائن أن يحجز أولاً على أموال المدين المنقولة أو على أمواله العقارية، وله أن يحجز على المال ذي القيمة القليلة أو يبدأ بالحجز على مال كبير القيمة ، وله أن يحجز على عقار معيّن دون عقار آخر ، أو يحجز على منقول دون آخر ، وله أن يبدأ بمال معين ولو كان التنفيذ عليه أكثر كلفةً على المدين من التنفيذ على غيره ، أو كانت لهذا المال قيمة خاصة لديه ، وللدائن أيضاً أن يفضّل حجز ما للمدين لدى الغير ، وله الحجز على مال آخر للمدين غير المال المرهون له ؛ لأن جميع أموال المدين ضـامنة للوفــاء بــديــونــه () . انــظــر : ( المــادة 217 مــرافــعــات سعودي ) ، و( المادة 564تجارية سعودي) ، و ( المادة 391/1 مدنـي إماراتـي ) ، و ( المادة 234/1 مدنـي مصري ) .

الغرامات التهديدية :

يوجد في بعض النظم ما يسمى بالإكراه المالي أو الغرامات التهديدية وذلك بأن يتم الحكم على المدين بتنفيذ الالتزام بالعمل أو بالامتناع عن عمل تنفيذاً عينياً خلال مدةٍ معينة ، فإذا تأخر في التنفيذ كان ملزَماً بدفع غرامة للدائن يحددها القاضي عن كل وحدة زمنية أو عن كل مرة يأتـي عملاً مخلاً بالتزامه ، وذلك إلى أن يقوم بالتنفيذ العيني ، أو حتى يمتنع نهائياً عن الإخلال بالالتزام ، ثم يرجع إلى القاضي لتصـفية ما تـراكم على المدين من غرامات تهديدية ، فيجـوز له أن يخفّضهــا أو أن يعفي منها تماماً ، وذلك وفقاً لما أصاب الدائن من ضرر وما بـدا من المـدين من عنت ( المادتين 213 ، 214 مدنـي مصري ). ()

 

موقف الشريعة الإسلامية من طريق التنفيذ على الأموال بالغرامات التهديدية :

إن من المسائل القريبة لهذا الطريق مسألة الشرط الجزائي ، وهذا الشرط يكون بين طرفين متعاقدين ، أي برضا من المشروط عليه لا جبراً عنه .

وسبق أن صدر من مجلس هيئة كبار العلماء في السعودية قرار حول الشرط الجزائي نص المقصود منه : ” أن المجلس يقرر بالإجماع أن الشرط الجزائي الذي يجب اشتراطه في العقود شَرطٌ صحيح معتبر يجب الأخذ به ما لم يكن هناك عذر في الإخلال بالالتزام الموجب له معتبر شرعاً فيكون العذر مسقطاً لوجوبه حتى يزول ، وإذا كان الشرط الجزائي كثيراً عرفاً بحيث يراد به التهديد المالي ويكون بعيداً عن مقتضى القواعد الشرعية فيجب الرجوع في ذلك إلى العدل والإنصاف على حسب ما فات من منفعةٍ أو لَحِقَ من مضرةٍ. ويرجع تقدير ذلك عند الاختلاف إلى الحاكم الشرعي عن طريق أهل الخبرة والنظر عملاً بقوله تعالى :  (( وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ )) () وقوله سبحانه : ((وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)) ()  وبقوله صلى الله عليه وسلم ” لا ضرر ولا ضرار”(). وبالله التوفيق وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم  “.أ هـ. ()

 

كما أصدر مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته الثانية عشرة القرار رقم 109 (3/12) الذي ينص على ما يلي :

 

أولاً : الشرط الجزائي في القانون هو اتفاق بين المتعاقدين على تقرير التعويض الذي يستحقه من شُرط له عن الضرر الذي يلحقه إذا لم ينفِّذ الطرف الآخر ما التزم به ، أو تأخر في تنفيذه .

ثانياً : يؤكد المجلس قراراته السابقة بالنسبة للشرط الجزائي الواردة في قراره في السَّلَم رقم 85 (2/9) ونصه : ( لا يجوز الشرط الجزائي عن التأخير في تسليم المُسْلَم فيه ؛ لأنه عبارة عن دين ، ولا يجوز اشتراط الزيادة في الديون عند التأخير)، وقراره في الاستصناع رقم 65 (3/7) ونصه : ( يجوز أن يتضمن عقد الاستصناع شرطاً جزائياً بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان ما لم تكن هناك ظروف قاهرة ) ، وقراره في البيع بالتقسيط رقم 51 (2/6) ونصه : ( إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط بعد الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أيَّ زيادة على الدين بشرطٍ سابقٍ أو بدون شرط ؛ لأن ذلك ربا محرم ) .

ثالثاً : يجوز أن يكون الشرط الجزائي مقترناً بالعقد الأصلي ، كما يجوز أن يكون في اتفاق لاحق قبل حدوث الضرر.

رابعاً : يجوز أن يُشترط الشرط الجزائي في جميع العقود المالية ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها ديناً فإن هذا من الربا الصريح .

وبناءً على هذا فيجوز هذا الشرط – مثلاً – في عقود المقاولات بالنسبة للمقاول، وعقد التوريد بالنسبة للمورد ، وعقد الاستصناع بالنسبة للصانع إذا لم ينفِّذ ما التزم به أو تأخر في تنفيذه .

ولا يجوز – مثلاً – في البيع بالتقسيط بسبب تأخر المدين عن سداد الأقساط المتبقية سواءً كان بسبب الإعسار أو المماطلة ، ولا يجوز في عقد الاستصناع بالنسبة للمستصنِع إذا تأخر في أداء ما عليه .

خامساً : الضرر الذي يجوز التعويض عنه يشمل الضرر المالي الفعلي ، وما لحق المضرور من خسارة حقيقية ، وما فاته من كسب مؤكَّد ، ولا يشمل الضرر الأدبي أو المعـنوي .

سادساً : لا يُعمل بالشرط الجزائي إذا أثبت من شُرط عليه أن إخلاله بالعقد كان بسببٍ خارجٍ عن إرادته . أو أثبت أن من شُرط له لم يلحقه أيُّ ضرر من الإخلال بـالعقد .

سابعاً : يجوز للمحكمة بناءً على طلب أحد الطرفين أن تعدِّل في مقدار التعويض إذا وجدت مبرراً لذلك ، أو كان مبالغاً فيه  .() أ هـ .

كما أن من المسائل القريبة لهذا الطريق من طرق التنفيذ مسألة التعزير بالمال، فقد قال جملة من الفقهاء بجواز التعزير بالمال ، سواءً بالإتلاف مثل : شق أوعية الخمر وتحريق أمكنة الخمارين ، أو بتغيير المال مثل تقطيع السِّتر الذي فيه صورة إلى وسادتين ، أو بتمليك المال مثل إضعاف الغرم على السارق من غير حـرز. ()

فهذه ثلاثة أنواع للتعزير بالمال أَقْرَبُها لمسألة الغرامات التهديدية النوع الثالث أي التعزير بتمليك المال. إلا أن هذا النوع أيضاً يكون التمليك فيه لبيت مال المسلمين ؛ ذلك أن المسروق ماله من غير حرز لا يُحكم له إلا بما سُرق منه فقط أما ضِعْفُ الغرم فيكون لبيت مال المسلمين . بينما حصيلة الغرامات التهديدية يُحكم بها للدائن ، فهذا أسلوب ربوي يترتب بموجبه أرباح للدائن على مدينه بدون وجه حق ، ومن خلال هذا العرض أرى عدم جواز الحكم بالغرامات التهديدية . والله أعلم .

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى