البحوث القانونية

السند الذي يجوز التنفيذ بمقتضاه تنفيذ الأحكام في نظام المرافعات

الفصل الأول

الاعتبار الأول

السند الذي يجوز التنفيذ بمقتضاه

يتفق نظام المرافعات السعودي مع بقية النظم الوضعية على اشتراط وجود السند التنفيذي حتى يصح التنفيذ .

كما تكاد تتفق هذه النظم على أن السند التنفيذي له عدة أنواع فهو يشمل الأحكام , والأوامر , والمحررات الموثقة , ومحاضر الصلح التي تصدَّق عليها المحاكم أو مجالس الصلح , والأوراق الأخرى التي تعطيها النظم قوة التنفيذ .

انـظـر : ( المــادتــيــن 50 , 55 تنظيم سعودي ) , و ( المادة 196 مرافعات سعودي ) , و ( المادتين 571 , 582 تـجـاريـة سعودي ) , و ( المادتين 20 , 21 تحكيم سعودي ) , و ( المادة 225 إجراءات إماراتي ) , و ( المادة 244 معدلة مرافعات بحريني ) , و ( المادة 362 مرافعات قطري ) , و (المادة 190 مرافعات كويتي ) , و ( المادة 280 مرافعات مصري ) . فتشترط هذه النظم أن يكون للسند قوةٌ تنفيذية حتى يمكن التنفيذ بموجبه , ولا يلزم أن يكون هذا السند حكماً .

وبيان أنواع هذه السندات فيما يلي :

1- أحكام المحاكم: إن الأحكام القضائية هي أهم السندات التنفيذية ؛ فهي تؤكد الحق الموضوعي على نحو لا تفعله أي من السندات الأخرى .

2- أحكام المُحكَّمين : يلتزم أطراف النزاع بناءً على عقد التحكيم بالحكم الصادر من المحكَّمين . إلا أن هذا الحكم لا يتمتع بالقوة التنفيذية إلا بصدور أمر قضائي بتنفيذه .

فالسند التنفيذي هنا مُركَّبٌ من حكم المحكَّمين الذي يحتوى جميع عناصره الإلزامية , ومن الأمر القضائي بالتنفيذ الذي يعطي الحكم قوته التنفيذية .

3- الأوامـر : هـي مـا يصدره القضاة من قرارات بناء على طلب خصمٍ دون سماع أقوال الآخر وفي غيبته , أي بغير طريق الخصومة القضائية .

ولها عدة صور منها :

أ- الأوامر على العرائض : كتقرير نفقة وقتية من أموال التركة , والإذن بالحجز التحفظي .

ب- أوامر الأداء : تصدر هذه الأوامر للإلزام بقضاء الحقوق الثابتة بالكتابة , متى كانت حالَّة الأداء , سواءً كان الحق مبلغاً من النقود مُعيَّن المقدار , أو كان منقولاً معيَّناً بذاته أو بنوعه ومقداره .

ج- أوامر التقدير : كتقدير مصاريف الدعوى , و تقدير أتعاب الخبراء ومصروفاتهم .

4 – المحرَّرات الموثَّقة : إن الأوراق المتضمنة لتصرفات نظامية ويتم تحريرها أمام مكاتب التوثيق التابعة لوزارة العدل تُعدُّ سنداً تنفيذياً عند بعض النظم .

وينبغي التنبيه هنا إلى أن ( المادة 96 قضاء سعودي ) قد جعلت للأوراق الصادرة من كتابة العدل قوة الإثبات فقط دون قوة التنفيذ .

5 – محاضر الصلح القضائي : إذا قامت خصومة أمام القضاء ثم اتفق الخصوم على صلح معين في أية حالة تكون عليها الدعوى فإنه يتم إثبات ذلك في محضر الجلسة ، ويتم توقيعه من الخصوم أو وكلائهم ، ويُعدُّ هذا المحضر سنداً تنفيذياً بمجرد توقيع الكاتب والقاضي عليه .

6 – الأوراق الأخرى المعتبرة سنداتٍ تنفيذيةً () : تعترف معظم نظم المرافعات بالقوة التنفيذية لبعض المحاضر ، وأهم هذه المحاضر ما يلي :

أ – محضر بيع المنقولات المحجوزة : حيث يلتزم من رسا عليه المزاد بدفع الثمن فوراً ، وإلا وجب على مندوب التنفيذ إعادة المزايدة على ذمته بأيِّ ثمن كان . انظر ( المادة 229 مرافعـات سعودي ) .

ب – محضر التسوية الوُدِّية لتوزيع حصيلة التنفيذ: ولم تتم الإشارة إلى هذا المحضر في نظام المرافعات السعودي .

 

موقف الشريعة الإسلامية من اشتراط وجود السند التنفيذي :

الأصل في الشريعة الإسلامية عدم التنفيذ إلا بوجود سندٍ تنفيذي , إلا أن الفقهاء أجازوا التنفيذ في حالاتٍ معينةٍ ولو لم يكن السند التنفيذي موجوداً , وذلك فيما يسمى مسألة الظفر .()

موقف الشريعة الإسلامية من التنفيذ بموجب السندات المذكورة :

1 – أحكام المحاكم : يتفق الفقهاء على وجوب تنفيذ الأحكام القضائية متى كانت مستوفيةً لشروط إصدارها () . وبهذا تكون النظم الوضعية متفقةً مع الشريعة الإسلامية في ذلك .

2 – أحكام المحكَّمين : يتفق الفقهاء أيضاً على وجوب تنفيذ أحكام المحكَّمين إذا توفَّرت الشروط المطلوبة لإصدارها ، والتي من أهمها كون المحكَّم أهلاً لولاية القضاء () . فالنظم الوضعية متفقةٌ في مسألة تنفيذ أحكام المحكَّمين مع الشريعة الإسـلامية .

3 – الأوامر : بالنسبة لأوامر الأداء حيث أنها تُعدُّ في حقيقتها من باب الحكم على الغائب دون توفُّر الشروط اللازمة للحكم عليه عند الفقهاء ؛ فإنـي أرى عدم اعتبارها سنداً تنفيذيـاً .

أما بالنسبة للأوامر على العرائض وأوامر التقدير فإن الضرورة تدعو إليها لذا فإنه يلزم الـتـنفيذ بموجبها فيما أرى وهذا يتفق في مجمله مع نظام المرافعات السعودي مع شيء من التفصيل .

4 – المحرَّرات الموثقة : أرى أن هذه المحررات لها قوة الإثبات  فقط دون قوة التنفيذ ؛ لأنه ربما يستدعي تنفيذها نظراً قضائياً ، كأن تكون الوصية لوارث لم يعلم الموثق بأنه أحد الورثة أو لم يكن حين توثيق الوصية وارثاً .

فنظام القضاء السعودي يتفق مع هذا الرأي بينما تخالفه بقية النظم الوضعية .

5 – محاضر الصلح القضائي : حيث أن الصلح الذي يتم بين الخصوم في مجلس القضاء ويُحرَّر محضر بموجبه دون أن يكوِّن القاضي رأياً فيه قد يكون مشتملاً على بعض المخالفات الشرعية ؛ فإنـي أرى عدم اعتبار هذا المحضر سنداً تنفيذياً . أما إذا درسه القاضي وأثبت صحته فإن هذا الصلح يصبح حينئذٍ واجب التنفيذ، ولا يلزم أن يصرح القاضي بلفظ الحكم ؛ لأن الصلح عقدٌ ملزمٌ لطرفي الخصومة تأسيساً على أن حقوق الآدميين مبنيَّةٌ على المُشاحَّة ، ويستوي في ذلك أن يصدر بشكل صكٍّ كما في النظام السعودي أو أن  يصدر بشكل محضرٍ كما في بقية النظم الوضعية ، ولكن بشرط أن يكوِّن القاضي رأياً في موضوع الصلح ويثبت صحته .

6 – الأوراق الأخرى المعتبرة سندات تنفيذيةً :

أ  – محضر بيع المنقولات المحجوزة :

أرى اعتبار هذا المحضر سنداً تنفيذياً وهذا يتفق مع نظام المرافعات السعودي .

ب – محضر التسوية الوُديِّة لتوزيع حصيلة التنفيذ :

أرى أنه إذا تم اتفاق ذوي الشأن على توزيع حصيلة التنفيذ بتسوية وُدِّيةٍ دون سبق نزاع بينهم على ذلك ، فإن القاضي يقوم بإثبات هذا الاتفاق بعد التأكد من صحته،  ثم يصدر بذلك صكاً ؛ ويكون لهذا الإثبات قوة التنفيـذ .

وهذا الرأي يتفق مع نظام المرافعات السعودي ولكنه يخالف ما ذهبت إليه بقية النظم الوضعية التي لا تلزم القاضي بالتأكُّد من صحة هذا الاتفاق .

زر الذهاب إلى الأعلى