البحوث القانونيةشرح القواعد الفقهية

القاعدة الثانية و الخمسون: دليل الشئ في الأمور الباطنة يقوم مقامه, في شرح القواعد الفقهية

القاعدة الثانية و الخمسون: دليل الشئ في الأمور الباطنة يقوم مقامه

148- معنى القاعدة :

إن الأحكام الشرعية التي بنيت على علل و أوصاف خفية يعسر الاطلاع عليها ربط الشرع هذه الأحكام بأشياء ظاهرة يدل وجودها على وجود تلك العلل و الأوصاف التي هي مناط هذه الأحكام أي عللها الحقيقية كالقصاص في القتل العمد بني على (العمدية ) و هي علة القصاص في القاتل العمد , و لكنها لما كانت شيئاً خفياً يعسر الاطلاع عليه , فقد ربط الشارع وجوب القصاص بالآلة التي استعملها القاتل , فإن كانت الآلة من شأنها إجداث الوفاة كان استعمالها من قبل الجاني دليلاً على قصده في إزهاق روح المجني عليه و بالتالي يتحقق القتل العمد فيجب القصاص على القاتل . و هكذا الأحكام الشرعية الأخرى إذا كانت عللها التي بنيت عليها خفية لا يمكن الاطلاع عليها , فإن هذه الأحكام ربطت بأشياء ظاهرة يدل وجودها على وجود علل هذه الأحكام , و معنى ذلك كله أنه جاء في آخر المادة 68 من مجلة الأحكام العدلية : (( يعني : أنه يحكم بالظاهر فيما يتعذر الاطلاع عليه , باعتبار أن هذا الظاهر يدل على الباطن الذي يتعذر الاطلاع عليه و هو علة الحكم )).

149- أمثلة و فروع للقاعدة :

منها : الرضا بالعيب القديم فيما اشتراه المشتري مسقط لخيار العيب , و لما كان الرضا أمراً باطنياً خفياً أقام الشرع مقامه شيئاً ظاهرياً يدل عليه و ربط به الحكم الشرعي و هو سقوط خيار العيب كما لو تصرف فيه تصرف الملاك كاستعماله و إيجاره و مداواته , و هذا ما نصت عليه المادة 344 من المجلة و نصها : (( بعد اطلاع المشتري على عيب في المبيع إذا تصرف فيه تصرف الملاك سقط خياره , مثلاً : لو عرض المشتري المبيع للبيع بعد اطلاعه على عيب قديم فيه كان عرض المبيع للبيع رضا بالبيع فلا يرده بعد ذلك )) .

و منها : إقامة الخلوة الصحيحة بالزوجة مقام الوطء في إلزام الزوج كل المهر ; لأن الوطء من الأمور الخفية , و الخلوة الصحيحة دليل عليه فأقيمت مقامه , و منها : إن العمال و الجباة و التابعين لبيت المال و متولي الأوقاف و نحوهم إذا توسعوا في الأموال و بنوا البيوت و العمارات , و لم يكن لهم مورد رزق إلا ما لديهم من وظائف كان ذلك دليلاً على خيانتهم الباطنة فللحاكم حينئذ مصادرتهم بأخذ الأموال و عزلهم .

و أرى وجوب التحقيق معهم للتأكد من خيانتهم قبل مصادرة أموالهم و عزلهم

زر الذهاب إلى الأعلى