البحوث القانونيةشرح القواعد الفقهية

القاعدة الخامسة و السبعون: الحدود تدرأ بالشبهات, في شرح القواعد الفقهية

القاعدة الخامسة و السبعون: الحدود تدرأ بالشبهات

216- أصل القاعدة:

أصل القاعدة حديث نبوي شريف فقد أخرج الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (( ادرؤا الحدود عن المسلمين ما استطعتم , فإن كان له مخرج فخلوا سبيله , فإن الإمام أن يخطأ في العفو خير من أن يخطأ في العقوبة )) ثم قال الترمذي : وقد روى نحو هذا غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أنهم قالو مثل ذلك , و أخرج ابن ماجه في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال , قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( ادفعوا الحدود ما وجدتم له مدفعا))

و ذكر السيوطي في أشباهه حديثا نبويا شريفا : (( ادرؤوا الحدود بالشبهات )) أخرجه ابن عدي في جزء له من حديث ابن عباس

217-  معنى الشبهة:

الشبهة في اللغة تعني: الالتباس، وقال الكمال بن الهمام: الشبهة ما يشبه الثابت و ليس بثابت، و في المعجم الوسيط: الشبهة: الالتباس، و في الشرع: ما التبس أمره فلا يعرف أحلال هو أم حرام، و حق هو أم باطل، و في المغني لابن قدامة الحنبلي: الشبهة تعني وجود المبيح صورة مع انعدام حكمه أو حقيقته.

218- أنواع الشبهة:

يقسم الحنفية الشبهة إلى شبهة في الفعل، و تسمى شبهة الاشتباه، و إلى شبهة في المحل، فالأولى تتحقق في حق من اشتبه عليه الحل والحرمة فظن غير الدليل دليلاً فلا بد من تحقق هذه الشبهة من الظن، فإن انعدم الظن فلا شبهة أصلاً كظن حل وطء المطلقة ثلاثاً في العدة أو بائناً على مال، فإذا قال الفاعل: ظننت أنها تحل لي. فلا حد عليه، وإذا قال: علمت أنها حرام علي، وجب الحد، و أما الشبهة في المحل وتسمى أيضاً شبهة الملك، أو الشُبه الحكمية ومثاله: شبهة الملك بحق الأب إذا سرق من مال ابنه، تعلقاً بالحديث النبوي الشريف: “أنت و مالك لأبيك”، قال الإمام الكاساني الحنفي: لا قطع على من سرق من ولده؛ لأن له في مال ولده تأويل الملك أو شبهة الملك لقوله عليه الصَّلاة والسَّلام: “أنت ومالك لأبيك” فظاهر الإضافة إليه بلام التمليك يقتضي ثبوت الملك له، وهذا يمنع وجوب القطع لأنه يورث شبهة في وجوبه.

ويقسم الشافعي الشبهة إلى ثلاثة أنواع: شبهة في المحل: كوطء الزوجة الحائض فالشبهة هنا قائمة في محل الفعل المحرم؛ لأن المحل مملوك للزوج و من حقه أن يباشر زوجته وإذا كان المانع له من قربانها كونها حائضاً فهذا لا ينفي أنها زوجته و هي حلال له وهذا يورث شبهة، وقيام هذه الشبهة يمنع عنه حد الوطء سواء اعتقد بحل الوطء أو حرمته؛ لأن أساس الشبهة ليس الاعتقاد والظن و إنما أساسها حل الفعل و تسلط الفاعل شرعاً عليه.
والنوع الثاني من الشبهة: الشبهة في الفاعل: كمن وطئ امرأة ظنها زوجته.
والنوع الثالث: شبهة في الجهة: أي: ما اختلف الفقهاء في حله و حرمته كالنكاح بلا ولي أو بلا شهود، و كل نكاح مختلف فيه فلا يعتبر الوطء في هذا النكاح المختلف في جوازه زناً يحد فاعله بل يقوم الخلاف فيه شبهة تمنع الحد عن الفاعل.

219- نتائج الأخذ بالقاعدة:

والأخذ بقاعدة:”ادرؤوا الحدود بالشبهات”، سقوط الحد عن الفاعل و قد يعزر الفاعل في بعض الحالات كما في سرقة الأب من مال ولده، يسقط عنه حد السرقة ولكنه يعزر، و من يأت زوجته في دبرها يدرأ عنه الحد للشبهة في المحل ولكنه يعزر وكذا من يأتي زوجته و هي حائض.

220 – من فروع و تطبيقات القاعدة:

منها: ما ذكرناه من أمثلة في أثناء كلامنا عن الشبهة وأنواعها ، ومنها : سقوط حد القذف عن أربعة شهدوا بزنا امرأة، و شهد أربع أنها عذراء؛ لاحتمال صدق شهود الزنا و أنها عذراء لم تُزل بكارتها بالزنا ، و سقط عنها الحد لشبهة البكارة، و منها: لو ادعى كون المسروق ملكه، سقط الحد، ولو لم يثبت ادعاؤه،  و منها: رجوع المقر بالزنا عن إقراره.

221 – الشبهة في القصاص:

القصاص كالحدود في الدفع بالشبهة، فيسقط بها كما تسقط الحدود بها، فلا قصاص على من ذبح نائماً و ادعى أنه ذبحه وهو ميت، و عليه الدية، ولا قصاص بقتل من قال: اقتلني فقتله.

زر الذهاب إلى الأعلى