البحوث القانونيةتنفيذ أحكام الحضانة والزيارة

المبحث الثالث عشر تنفيذ الأحكام الأجنبية في تنفيذ أحكام الحضانة والزيارة

المبحث الثالث عشر

تنفيذ الأحكام الأجنبية

الأصل أنه لا ينفذ في بلاد الإسلام إلا الأحكام الشرعية، ولا ينفذ فيها أحكام غير شرعية.

لكن هل يجوز تنفيذ الأحكام الأجنبية (غير الشرعية) للحاجة إلى المعاملة بالمثل؛ لتنفذ أحكامنا الشرعية في البلاد الأخرى؟

يظهر لي أن ذلك جائز لحاجتنا إلى المعاملة بالمثل في تنفيذ أحكامنا على رعايا تلك الدول في بلادهم، وذلك مخرج على ما يلي:

(أ) صحة أحكام قضاة الضرورة ممن لم تتوافر فيهم شروط القاضي، إذا ولاهم الإمام، أو ذو شوكة لا ولاية له، متى وافقت الصواب (1).

فقد ذهب الشافعية (2)، والحنابلة (3) : إلى أن ما كان من الأحكام مستوجباً للنقض؛ لفقد القاضي بعض الشروط، فإن الحكم إذا وافق الصواب لا ينقض، إذا كان حاكمه من قضاة الضرورة، حتى لا تتعطل الأحكام.

وذكر الحنفية ذلك وجهاً في قضاة الخوارج منهم (4).

وقرر بعض علماء المالكية صحة قضاء الفاسق (5)، وهو اختيار ابن العربي (ت:543هـ) فهو يقول: (وأما أحكامه [يعني الفاسق ] إن كان حاكاً والياً، فينفذ منها ما وافق الحق، ويرد ما خالفه، ولا ينقض حكمه الذي أمضاه بحال، ولا تلتفتوا إلى غير هذا القول من رواية تؤثر، أو قول يحكي، فإن الكلام كثير، والحق ظاهر) (6)”. والمشهور من مذهب مالك: أن حكم الفاسق مردود على كل حال (7).

وإنما جازت هذه الأحكام عند الجمهور؛ للحاجة إلى إنفاذها، حتى لا تتعطل حقوق الناس، وهكذا في تنفيذ الأحكام الأجنبية (غير الشرعية).

(ب) ما قرره بعض أهل العلم من إجازة الحكم الموافق للصواب، إذا بان عدم صحة مستنده الشرعي الذي ذكره في حكمه.

يقول السبكي (ت: 756هـ) من الشافعية فيمن حكم وأخطأ في مستنده لشرعي للحكم مع موافقة الحكم للصواب: ((و إن بين المستند ورأيناه غير صالح، ولا تشهد قواعد الشريعة بصحته، فينبغي أن ينقض، ونحكم حكاً مستنداً على دليل صالح، ولكن أرى من باب المصلحة ألا ينقض وينفذ؛ لئلا يتجاسر الناس على نقض أحكام احكام، ويجعل التنفيذ (8)، كأنه حكم مبتدأ مستقل…)) (9).

(جـ) ما ذكره الشيخ محمد الأمين الشنقيطي (ت:۱۳۹۳ هـ) من أن الحاكم الفرنسي في بلاده موريتانيا من بلاد المغرب، كان يقضي بالقصاص في القتل، بعد محاكمة و مرافعة واسعة النطاق، وبعد تمحيص القضية، وإنهاء المرافعة، وصدور الحكم، يعرض على عالمين جليلين من علماء البلاد؛ ليصادقوا عليها، ويسمى العالمان: لجنة الدماء، ولا ينفذ حكم القصاص إلا بعد مصادقتها عليه (10)، وقد كان – رحمه الله – أحد أعضاء هذه اللجنة (11).

وتخريجاً على ما سبق ذكره، فإنه يجوز تنفيذ الحكم الأجنبي (غير الشرعي) في بلاد الإسلام؛ للحاجة إلى تبادل تنفيذ الأحكام القضائية، ويشترط لتنفيذ الحكم الأجنبي (غير الشرعي في بلاد الإسلام شرطان:

1- ألا يكون في هذه الأحكام المطلوب تنفيذها ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية؛ لأن كل مخالفة لها باطلة.

2- أن يجاز تنفيذ هذه الأحكام من قبل القضاء الإسلامي في بلاد المسلمين) (12).

 

 

 

 


  • (1) نهاية المحتاج 240/8، تحفة المحتاح 240/8 ، دقائق أولي النهى 479/3.
  • (۲) مغني المحتاج 377/4، نهاية المحتاج 240/8
  • (3) كشاف القناع 327/6، دقائق أولي النهى 479/3.
  • (4) أدب القاصي؛ للخصاف، مع شرحه؛ لابن مازه 155/3.
  • (5) تنبيه الحكام 34.
  • (6) أحكام القرآن 148/4.
  • (7) تنبيه الحكام 34.
  • (8) المراد بالتنفيذ هنا: تأييد الحكم وتصحيحه.
  • (9) فتاوى السبكي 78/2، وانظر : الأشباه والنظائر لابن السبكي 401/1.
  • (10) انظر رحلة الحج إلى بيت الله الحرام 22.
  • (11) انظر رحلة الحج إلى بيت الله الحرام 22.
  •  (12) و جري العمل في المملكة العربية السعودية على أن قاضي التنفيذ هو الجهة المختصة بنظر طلبات تنفيذ الأحكام الأجنبية، ويأمر بالتنفيذ متى تحققت الشروط الآتية: (أ) طلب المحكوم له. (ب) ألا يخالف الحكم المطلوب تنفيذه أصلاً شرعياً، أو النظام العام، والآداب العامة، في المملكة العربية السعودية . (ج) أن يكون الحكم المطلوب تنفيذه مكتسباً للقطعية طبقاً للأصول القضائية في البلد التي صدر فيها الحكم المطلوب تنفيذه. (د) أن يكون الحكم المطلوب تنفيذه صادر من محكمة مختصة طبقاً للأصول القضائبة في البلد التي صدر فيها الحكم (هـ) أن يكون المحكوم عليه قد تبلغ بالحضور إلى المحكمة التي أصدرت الحكم وفقاً للإجراءات المعمول بها في البلدة التي صدر فيها الحكم. (ر) ألا يسبق المحكوم عليه برفع دعوى في القضية عينها لدى إحدى محاكم المملكة، وألا يكون قد صدر حكم نهائي في القضية عينها لدى إحدى محاكم المملكة. وينظر : (م/ 8 فقرة (3) م/11) ولوائحها من نظام التنفيذ السعودي الصادر عام 1433هـ.
زر الذهاب إلى الأعلى