أحكام القضائية السعوديةالأحكام والاستشارات القضائيةالبحوث القانونية

حكم قضائي جزائي مميز حيازة السلاح بدون ترخيص في التجريم والعقاب

  • المحكمة الجزائية بمحافظة جدة
  • الدائرة التعزيرية التاسعة
  • رقم الصك: 401209945
  • تاريخه : 1440/10/11هـ
  • ‏حكم قضائي جزائي مميز ?
  • تضمن الآتي:
  • – دور اللوائح التنفيذية في التجريم والعقاب.
  • – اتساع وغموض النص الجنائي.
  • – الظرف المكاني كشرط لارتكاب الفعل المجرم.
  • – نشر القاعدة الجنائية شرط لنفاذها.
  • – مفهوم حيازة السلاح بدون ترخيص.
  • – وغيرها

الحمد لله وبعد، فلدى الدائرة التعزيرية التاسعة وبناء علي الدعوى المقيدة برقم 401390938 وتاريخ 1440/08/13هـ والمقامة من المدعى: النيابة العامة بمحافظة رابغ, نوع الهوية, رقم الهوية, الجنسية, النوع: جهة حكومية

ضد المدعى عليه (…), الهوية الوطنية, فرد, السعودية

وجيز وقائع هذه الدعوى – حسبما استقر في يقين المحكمة ووقر في وجدانها مستخلصة من أوراقها وما تضمنته من تحقيقات وما دار بشأنها في جلسات المحاكمة ـ يتحصل في أن دائرة النيابة العامة بمحافظة جدة أودعت بموجب خطابها رقم (4071) وتاريخ 1440/8/3هـ لائحة الدعوى المتضمنة أنه ورد خطاب مدير شرطة محافظة رابغ قم (3798) في 1440/09/29هـ المتضمن بلاغ عن طريق الهيئة السعودية للحياة الفطرية بدخول المتهم المذكور وشخص آخر منطقة محمية والتجول بداخلها وهما يحملان أسلحة؛ عبارة عن: بندقية رقم (2080) من نوع شوزن و 2 ساكتون هوائية و 79 طلقة نارية. وأنه تم الإفراج عن المتهم من قبل جهة الضبط وفقا للمادة (120) من نظام الإجراءات الجزائية. وبسماع أقوال المتهم أفاد أنه كان مسافرا من ينبع، وقام بالتوقف في منطقة (بدية) شمال مستورة، وحضر له صاحب جيب تويوتا، معرفا بنفسه أنه من موظفي الحياة الفطرية، وفتش سيارته و عثر على الأسلحة والذخيرة الموضحة بمحضر الضبط، وذكر أنها مرخصة له عدا الساكتون الهوائية الأخرى فهي عائدة له بدون ترخيص، وقد حملها معه ف ي سفره خوفا عليها من السرقة لعدم وجود مكان آمن سوى ذلك. وانتهت النيابة العامة إلى توجيه الاتهام للمدعى عليه بمخالفة نظام الأسلحة والذخائر بحمله أسلحة وذخيرة مرخصة – الأنف ذكرها – في الأوقات والأماكن التي يحظر فيها حمل السلاح , وحيازة سلاح تدريب هوائي ساكتون بدون ترخيص المجرم وفقا للمادتين (8) و(40) من نظام الأسلحة والذخائر الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/45) وتاريخ 1429/7/20هـ. وساقت المدعية أدلة الاتهام على النحو الآتي:

1- اعتراف المتهم تحقيقا بحمله الأسلحة أثناء القبض عليه.

2- محضر الهيئة السعودية للحياة الفطرية المتضمن ضبط الأسلحة بسيارة المتهم. ثم طلبت في ختام لاتحتها من المحكمة إدانته بما أسند إليه والحكم عليه بالعقوبات المقررة وفقا للمادتين (41) و (44)، مع مصادرة الأسلحة والذخيرة المضبوطة طبقا للمادة (50) من النظام المشار إليه.

(الإجابة)

وبقيد لائحة الدعوي قضية بالرقم المشار إليه بصدر هذا الحكم وإحالتها إلى هذه الدائرة التي باشرت إجراءات نظرها وفق ما هو موضح بضبوط جلساتها، وحضر فيها ممثلا للنيابة العامة: – سعودي الجنسية – هوية وطنية رقم ( .. ). وبمواجهة المدعى عليه بما هو منسوب إليه أجاب قائلا: ما ورد في لائحة الدعوى من حيازتي لسلاح تدريب هوائي (ساكتون هوائية) بدون ترخيص صحيح، وأما الأسلحة الأخرى فجميعها مرخصة، وصور تراخيصها مرفقة بملف الدعوى، والنيابة العامة لم توجه إلى التهمة بحيازتها بدون ترخيص، وإنما تذكر أني حملت هذه الأسلحة المرخصة في الأماكن التي يحظر فيها حمل السلاح، والواقع أنني كنت متوقفا لتناول طعام الإفطار أنا ورفيقي في السفر، عند كوبري الرايس على الخط السريع الواصل بين ينبع وجدة في مكان عام لا توجد به أي لوحات إرشادية أو تحذيرية تبين أنه منطقة محمية ويمنع فيها حمل السلاح، وإذا كان ما تذكره الجهة القابضة صحيح فأنا لا أعلم عن وجودي في منطقة محمية؛ لعدم وجود لوحات تبين ذلك، فقد كنت أسلك طريقا عاما قادما من محافظة الحناكية، وتوقفت على نفس الخط، ولم أدخل أي منطقة مشبكة أو مسورة. فكيف لي العلم بهذه المحمية؟!. وبعرض ذلك على المدعي العام اكتفي بما جاء في لائحة الدعوي. بعد ذلك طلبت الدائرة من المدعي العام تقديم تحديد دقيق لمكان ضبط الواقعة التي تم بناء عليها إجراء التفتيش، وما يثبت وجود لوحات تحذيرية في الموقع تبين أنها منطقة محمية يحظر فيها حمل السلاح، مع بيان الأوقات التي يسري فيها هذا الحظر.

وقررت الدائرة تأجيل نظر الدعوى. وفي جلسة الأربعاء 1440/9/10هـ طلبت الدائرة من ممثل النيابة العامة تقديم ما طلب منه في الجلسة السابقة، فقرر أنه يكتفي بما ورد في لائحة الدعوى. كما قرر المدعى عليه الاكتفاء بما سبق، و عليه قررت الدائرة تأجيل نظر الدعوى للدراسة. وبعد استيفاء جميع الإجراءات والاطلاع على كافة الأوراق وعلى نظام الإجراءات الجزائية ونظام الأسلحة والذخائر والنصوص ذات الصلة وبعد الدراسة أصدرت الدائرة حكمها هذا مبنيا على الأتي:-

(الأسباب)

بناء على الدعوى والإجابة، وبما أن الواقعة محل الاتهام في الدعوى المائلة ـ على حد توصيف النيابة العامة – تتمثل في قيام المتهم بحمل أسلحة وذخيرة مرخصة في الأماكن و الأوقات التي يحظر فيها ذلك المجرم وفق المادة (44) من نظام الأسلحة والذخائر، وحيازته سلاح صيد دون ترخيص المجرم بالمادة (41) من ذات النظام، كون الواقعة ضبطت داخل المنطقة المحظور فيها صيد الحيوانات والطيور البرية طبقا لما يكشفه محضر الإبلاغ رقم 20/غ/40 في 1440/9/22هـ المحرر من قبل موظفي الهيئة السعودية للحياة الفطرية، وبحسبان أن الحظر الوارد في المادة المشار إليها لا يعدو أن يكون أحد القيود الواردة على الترخيص الصادر بشأن السلاح؛ لترشيد إحرازه وحمله واستعماله طبقا للأوضاع و الظروف التي يتغياها النظام، بما يتحقق به مصلحة المرخص له والمجتمع، ويدفع الأضرار والأخطار المحتملة. ومن حيث أنكر المدعى عليه التهمة المسندة إليه فيما يتعلق بحمل السلاح والذخيرة في الأماكن والأوقات المحظورة، وكان دفاعه منصبا على أنه لم يكن ليعلم أن المكان الذي اضطر للنزول فيه أثناء سفره يدخل ضمن المناطق المحظورة لعدم وجود أي علامات أو لوحات تدل على ذلك. ومن حيث إن الاتهام في هذا الشق من الدعوى يرتكز على مخالفة المتهم للمادة (44) من نظام الأسلحة والذخائر التي نصت على أن: (يعاقب بغرامة مالية لا تتجاوز ألف ريال كل من حمل سلاحه المرخص في الأماكن والأوقات التي يحظر فيها حمل السلاح، وتحدد اللائحة الأماكن والأوقات التي يحظر فيها حمل السلاح) المبنية على المادة الثامنة من النظام التي نصت على أن: (يُحرّد الوزير الأماكن والأوقات التي يحظر فيها حمل السلاح المرخص بحمله)، وإنفاذا لها قررت اللائحة التنفيذية الصادرة بالقرار الوزاري رقم (23) بتاريخ 1428/01/19هـ أنه: (لا يجوز حمل الأسلحة داخل حدود الحرمين، والمساجد، وبالقرب من المناطق العسكرية أو البترولية، والأماكن والمناطق التي يعلن عن عدم الاقتراب منها، كما لا يجوز حمل السلاح في الدوائر الحكومية والمدارس والتجمعات العامة أو أثناء الاحتفالات الخاصة والعامة). لما كان ذلك، وكان على المحكمة ألا تعزل نفسها عن الواقعة محل الاتهام، بل المتعين أن تجيل بصرها فيها منقبة عن كل أركان الجريمة وعن كل عنصر من العناصر اللازمة للتجريم؛ باعتبار أن لكل جريمة ينشئها المنظم أركانها التي يجب أن تثبتها سلطة الاتهام من خلال تقديمها لأدلتها والإقناع بها بما يزيل كل شك معقول حولها؛ تأسيساً على أن البراءة في كل منهم أصل ثابت، ومفترض أولي، وركيزة مستعصية على الجدل، تنسحب على الدعوى في جميع مراحلها، وعلى امتداد إجراءاتها، بحيث لا يمكن نقضها بغير الأدلة التي تبلغ قوتها الإقناعية مبلغ الجزم واليقين بما لا يدع مجالاً معقولاً للقول بانتفاء التهمة. ومقتضى ذلك كله؛ أن تتولى النيابة العامة بنفسها – وهي تدعي خلاف الأصل –  عبء إثبات الواقعة المجرمة في إطار التزامها الأصيل بإقامة الأدلة المؤيدة لقيام كل ركن يتصل ببنيان الجريمة بما في ذلك القصد الجنائي ممثلا في إرادة الفعل مع العلم بحقيقته علما يقينيا لا ظنيا ولا افتراضيا، وذلك في كل عنصر من العناصر اللازمة لتجريم ذلك الفعل. وتطبيقا لذلك؛ فإن النص الذي استندت عليه المدعية الاتهام لا ينطبق على المنطقة التي جرى ضبط المدعي حاملا السلاح والذخيرة المرخصة فيها، وليس في الأماكن المحظورة التي عددها نض اللائحة التنفيذية السالف بيانه ما يعلي النكير على فعل المدعى ويدخله في نطاق التجريم. وعلى افتراض أن تكون النيابة العامة قصدت من إسنادها للنص المذكور ما ورد فيه من عبارة: (والأماكن والمناطق التي يُعلن عن عدم الاقتراب منها)؛ فإن ذلك أيضا لا يجد سند قبوله لدى المحكمة؛ لوجوه: الأول: أنه من المتقرر أن التجريم والعقاب وإن كان اختصاصا أصليا للسلطة التنظيمية من خلال الأنظمة التي تسنها وتصدر بمراسيم ملكية؛ إلا أنه لا يعني تفردها كمصدر تنظيمي للتجريم والعقاب؛ إذ غدا أمرا مقضيا أن تعهد هذه السلطة – بتفويض منها ـ للسلطة التنفيذية المختصة تحديد بعض الجوانب المتعلقة بالتجريم والعقاب، تقديرا لما يتطلبه كشف وتحديد تلك الجوانب من خبرة فنية ومرونة في اتخاذ القرار يمكن معها مواجهة المتغيرات المتلاحقة في جوهرها و عناصرها تحقيقا لصالح المجتمع، و هو ما يفهم من عبارة (إلا بناء على نص …) الوارد بالمادة (38) من النظام الأساسي للحكم: (العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على نص شرعي أو نص نظامي، …). بيد أنه يشترط في جوانب التجريم والعقاب التي تقررها اللوائح التنفيذية بناء على هذا التفويض أن تصاغ أحكامها بعبارات محددة تحديدا نافيا للجهالة وغير مؤكد إلى الغموض والإبهام، بحيث يتحقق علم المخاطبين بهذه النصوص علما حقيقيا يمكنهم من التعرف على أوامرها ونواهيها، وأن يكون مضمونها محددا تحديدا يقينيا بما يعصمها من كل جدل في شأن حقيقة محتواها، وبما يحول بين رجال السلطة العامة وتطبيقها بصورة انتقائية يخالطها الغلط واللبس، وبدون هذه القيود فإن تلك النصوص بانفلات عباراتها، وتتعدد تأويلاتها، واتساع مدلولاتها، وخفاء معانيها، وانتفاء التحديد الدقيق الجازم لضوابط تطبيقها لا تعدو أن تكون شيراكا وشياكا يُتصيد باتساعها وخفائها المتهمون المحتملون ليكون تقرير براءتهم في ظل ذلك عبئا على سلطة القضاء. إذا تقرر ذلك، فإن الجزء المقصود من النص اللانحي لم يحدد الأماكن والمناطق التي يتناولها الحظر على وجه اليقين، بل على العكس سلبها من كل وصف دال عليها، وقطع كل سبيل للإحاطة بها إلا سبيل الإعلان الذي توفره الجهات القائمة عليها. الثاني: أن الحظر المقرر بنص المادة (44) ولئن كان في أصله قيد على الترخيص؛ فقد أضحى بوجه أخر مناطا للتجريم. وحين أناط النظام بالوزير – حصرا – تحديد جوانب هذا الحظر، فإنه يستهدف بذلك أن يأتي قراره في هذا الشأن حاصرا ومستغرقا جميع الأماكن المحظورة؛ لأن من شأن انعتاق النص من التحديد الدقيق وانفكاكه عن البيان الواضح إرهاق المرخص له، وإعناته بعوائق تنافي طبيعة الترخيص، وتفرغه من محتواه، وتنحل إلى إهدار قيمته، وتفقده مغزاه إلى الحد الذي يؤول سرابا فيستوي عندئذ المرخص له مع غيره دون تمييز. وبالتالي فإنه وبقطع النظر عن وجه المصلحة التي قد تسوغ اطلاق الحظر ليشمل أماكن لا يمكن معرفة موقعها وحدودها إلا من خلال الإعلان على النحو الذي قررته اللائحة؛ فأن مؤداه ـ حتما وبالضرورة – توسيع دائرة التجريم وتعتيمها على عكس ما توجبه قواعد ومبادئ الشرعية الجنائية هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن النص بهذا الإطلاق يشي بأن تحديد أماكن الحظر لم يعد اختصاصا محصورا بالجهة التي فرضها النظام بذلك طبقا للمادة (44)، بل بات حمي مباحا لأي جهة أخرى بمجرد أن تتولى الإعلان عن حظر يخص الأماكن التابعة لها. وحينئذ تكون الجهة التي فرضها النظام بإصدار اللائحة موكلا إليها تحديد أماكن الحظر قد فوضت غيرها من الجهات الإدارية أو أشركتها فيما قوضت فيه بالمخالفة لقاعدة (لا تفويض على التفويض). الثالث: أنه وعلى التسليم بأن المتهم حمل السلاح في مكان محظور على النحو الذي أوردته اللائحة: (والأماكن والمناطق التي يعلن عن عدم الاقتراب منها)، فلم تقدم النيابة العامة ما يدحض دفاع المتهم بعدم علمه بالمكان المحظور لخلوه من العلامات واللوحات التحذيرية، لاسيما وأن النص يشترط الإعلان عن المكان المحظور، والأصل العدم وعلى مدعي المعدوم إثباته وجوده جوهرا وصفة لتعلم حقيقته. وقد طلبت المحكمة من ممثل النيابة العامة تقديم ما يفيد وجود تلك العلامات واللوحات التحذيرية، فقرر الاكتفاء بما حوته الأوراق مستمسكا بلائحة دعواه ومرفقاتها التي اجدبت من أي دليل أو قرينة تبطل هذا الدفاع. على أن المحكمة وهي في سبيل الإحاطة بكافة جوانب الواقعة والاتهام الجنائي المتصل بها تقرر بان ما دونته جهة الضبط (الهيئة السعودية للحياة الفطرية) في ديباجة محضر الضبط وبدا أنه أنموذج مطبوغ في محاضرها من أن المحضر تم تنظيمه استنادا إلى المادة (10) من اللائحة التنفيذية لنظام صيد الحيوانات والطيور البرية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/8) وتاريخ 1920/4/16هـ وقرار مجلس إدارة الهيئة السعودية للحياة الفطرية رقم (191) بتاريخ 1434/10/11هـ بحظر الصيد في جميع سواحل المملكة وبعرض (20 كم) وتاييده من الديوان الملكي بالبرقية رقم (30899) بتاريخ 1437/7/24هـ، لا يضعف مما سبق ولا يجدي الجهة المدعية التمسك به في كون المحضر يُحدد منطقه مشمولة بالحظر المقصود في نص اللائحة التنفيذية للمادة (8) و(44) من نظام الأسلحة والذخائر؛ تاسيسا على المنظم عند تنظيمه لشؤون المحميات الطبيعية سواء في نظام المناطق المحمية للحياة الفطرية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/66) بتاريخ 1436/10/19هـ او نظام صيد الحيوانات والطيور البرية المشار إليه او القرارات المتصلة بها لم يؤثم أفعالا بذواتها استقلالا عن مكان وقوعها، بل جعل ارتكابها داخل حدودها شرطا لتجريمها، باعتبار أن ذلك وحده هو الذي يُقيد او يُعطل الأغراض المقصودة من إنشاء تلك المحميات، وان إتيانها بعيدا عن هذا المكان ليس بذي أثر على مكوناتها وخصائصها الطبيعية، ومن ثم لا يكون المكان في تلك المحميات ظرفا مُستقلا عن الركن المادي للجرائم التي أحدثتها النصوص المنظمة لها، بل هو مفترض أولى لاكتمال مادية الأفعال التي تكونها، وبالتالي لا يقوم النشاط الإجرامي للجاني بالغا مداه ـ بالمعنى المقصود في الأنظمة والقرارات المتعلقة بالمحميات – إذا ما تم وراء مواقعها. والمناطق المحمية للحياة الفطرية التي اختط النظام احكامها . تقديرا من المنظم الحيوية المصالح التي ترتبط بوجودها – لا ينشئها إلا قرار يصدره مجلس الوزراء بناء على إعلان من مجلس إدارة الهيئة السعودية للحياة الفطرية وفقا للإجراءات المبينة في المادتين (4) و(2) من نظام المناطق المحمية للحياة الفطرية؛ ومنها على وجه الخصوص ان يصدر مجلس إدارة الهيئة إعلانا عن إقامة المنطقة المحمية ويرفع لمجلس الوزراء لاعتماده ومن ثم ينشر في الجريدة الرسمية، وتعمل الهيئة على تسييج ما يتطلب ذلك منها. والغرض من الإعلان ثم النشر في الجريدة الرسمية إحاطة الكافة بقرار إنشائها بحيث يكون كاشفا عن حدودها، قاطعا بتخومها؛ ليكون نطاقها المكاني جليا واضحا؛ توقيا لاختلاطها بغيرها من المناطق، وتعيينا للدائرة التي لا يتصور وقوع الأفعال التي أثمها فيما وراء محيطها. وإذا تقرر ذلك؛ فإن إعمال أحكام هذا النظام رهن بصدور ذلك القرار مستكملا العناصر التي لا يقوم إلا بها، لأن تعيين حدود المحمية التي يسري عليها يجب أن يكون محمولا عليه – أي متساندا إليه ـ سواء بين مواقعها في صلبه، أم أحال في شأن تجليتها إلى وثيقة أفصح عنها، لتندمج بالتالي في الأحكام التي تضمنها، وتغدو جزءا منها يتكامل معها. على أن كل تلك الإجراءات تغدو عديمة الجدوى فاقدة الحجية ما لم تتحقق العلانية بنشر القرار في الجريدة الرسمية؛ بحسبان أن إخطار المخاطبين بالقاعدة النظامية – لاسيما التي ترتب جزاء على مخالفتها ـ يعتبر شرطا لإنبائهم بمحتواها، وإحاطتهم بمضمونها، ونفاذها في حقهم، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال نشرها وحلول الميعاد المحدد لبدء سريانها. وعلة ذلك؛ أن نشر القاعدة القانونية ضمان لعلانيتها، ونيوع أحكامها، واتصالها بمن يعنيهم أمرها، وامتناع التذرع بالجهل بها، ولأن حملهم قبل نشرها على النزول على أحكامها يتمخض إخلالا بحرياتهم أو بالحقوق التي كفلها لهم الشرع والنظام. ومؤدي ذلك ولازمه، أن القاعدة النظامية التي لا تنشر لا تتكامل مقوماتها التي يعد تحققها شرطا لجواز التدخل بها التنظيم الحقوق والحريات على اختلافها. وإذا كان النشر هو الوعاء الرسمي الذي تستقي منه القاعدة النظامية والإجراء الوجوبي الذي رتبت عليه المادة (71) من النظام الأساسي للحكم نفاذ مفعولها؛ فإنه لن ينتج عن وضعها طي الكتمان ثم المباغتة بوجودها في محاضر الضبط والتحقيق إلا ضياع حق، أو إلحاق ضرر ما كان لذوي الشأن توقيه في ظل غياب الإعلان عن القاعدة. والثابت من الأوراق أن الديباجة المذكورة صدر محضر الضبط تظهر أن المنطقة المحظورة تم تعيينها بقرار صادر من مجلس إدارة الهيئة الذي حظي بتاييد من الديوان الملكي، وليس في اوراق الدعوى التي اكتفت بها النيابة العامة ما يقطع بأن هذا الحظر قد تم إعلانه للكافة في الجريدة الرسمية ولم يكن حبيس القرارات والمكاتبات الإدارية محاطا بالجدران الصامتة وبالتالي، فإن مما تطمئن إليه المحكمة ويستقر في عقيدتها أن المنطقة المحظورة التي تم الضبط فيها ظلت خافية على المتهم عاجزا عن الإحاطة باحكامها وحدودها. على أنه من البين لأول وهلة أن القرار المشار إليه في المحضر قد نص على حظر الصيد داخل تلك المنطقة، وتلك هي المخالفة التي تم ضبط الواقعة على أساسها وجرى تحرير المحضر للإبلاغ عنها. وطالما لم يثبت المحضر ارتكاب المتهم لأي فعل من الأفعال المنصوص على تجريمها في نظام صيد الحيوانات والطيور البرية، ولم تقم جهة الإدعاه ـ بناء على ذلك – بتوجيه الاتهام بمخالفة تتعلق بالصيد؛ فإنه لا يمكن اعتبار مجرد حمل السلاح داخل المنطقة فعلا مجرما؛ لأن الحظر – بحسب ما ينطق به محضر ضبط الواقعة – وارد على الصيد داخل المنطقة المحظورة لا على حمل السلاح فيها. وعلى هدى ما سبق، ولما كان من المقرر أنه يكفي في المحاكمات الجزائية أن تشك المحكمة في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لتقضي له بعدم الإدانة؛ إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما تطمئن إليه في تقدير الدليل ما دامت الأسباب التي تستند إليها في قضانها من شأنها أن تحمل النتيجة التي انتهت إليها، مشتملة على ما يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبالأدلة التي يقوم عليها الاتهام عن بصر وبصيرة، ووازنت بينها وبين ما يناضل به المتهم، فرجحت دفاعه أو داخلتها الريبة في عناصر الاتهام كما هو الحال في واقع الدعوى المطروحة؛ فإن المحكمة تقضي بعدم إدانة المتهم بما هو منسوب إليه من حمل سلاح وذخيرة مرخصة في الأماكن والأوقات التي يحظر فيها ذلك. وأما عن الشق الأخر من الاتهام المتعلق بحيازة المتهم سلاحا من نوع ساكتون هوائية بدون ترخيص، فحيث أعترف المتهم بذلك في التحقيق الأولى وأمام هذه المحكمة، وطابقت أقواله ما دون بمحضر ضبط الواقعة. ولما كان الفعل الثابت بحقه مجرما بموجب المادة (41) من نظام الأسلحة الذخائر التي نصت على أنه: (يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز سنة وبغرامة لا تزيد على خمسة آلاف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تثبت قيامه بأي مما يأتي: ج- حيازته سلاح صيد أو ذخيرته دون ترخيص)، فإن المحكمة تقضي بإدانته بما نسب إليه في هذا الجزء من الدعوى، ومعاقبته بالعقوبة الواردة بمنطوق هذا الحكم تطبيقا للمادة سالفة الذكر، ولا يجدي المتهم نفعا التذرع بأن حملة السلاح غير المرخص كان خوفا عليه من السرقة؛ ذلك أنه من المقرر انه يكفي لتحقق جريمة حيازة السلاح دون ترخيص مجرد الحيازة المادية المجردة للسلاح – طالت أم قصرت – أيا كان الباعث على حيازته، ولو كان الأمر عارض أو طارئ؛ لأن قيام الجريمة سوية على اركانها لا يتطلب سوى القصد الجنائي العام الذي يتحقق بمجرد السيطرة المادية على السلاح دون ترخيص عن علم وإرادة، وهو متحقق بالعثور على السلاح في سيارة المتهم. ولما كان من المقرر أن مصادرة ما لا يجوز إحرازه أو حيازته من الأشياء التي تخرج بذاتها عن دائرة التعامل إنما هو تعبير عيني وقاني ينصب على الشيء ذاته لإخراجه عن تلك الدائرة لأن أساسها رفع الضرر أو دفع الخطر من بقائها في يد حائزها، لأن المصادرة الوجوبية المنصوص عليها في المادة (50) من نظام الأسلحة والذخائر تعني أن المنظم ألصق بالسلاح طابعاً جنائيا لا ينفك عنه يجعله في نظره مصدر ضرر أو خطر عام الأمر الذي لا يتحقق رفعه أو دفعه إلا بمصادرته. فإن المحكمة تقضي بمصادرة السلاح من نوع ساكتون هوائي غير المرخص الوارد ذكره في محضر الضبط، دون باقي المضبوطات.

ولذلك كله حكمت الدائرة:

أولا: عدم إدانة (…..) سعودي الجنسية – هوية رقم ( .. ) بما نسب إليه من حمل أسلحة وذخيرة مرخصة في الأماكن والأوقات المحظورة.

ثانيا: إدانة المذكور بجريمة حيازة سلاح هوائي بدون ترخيص على النحو المنسوب إليه في هذه الدعوى، ومعاقبته عن ذلك بغرامة مالية قدرها (500) خمسمائة ريال، مع مصادرة السلاح غير المرخص، ورفص مصادرة باقي المضبوطات. بعد ذلك جرى تسليم طرفي الدعوى صورة من هذا الحكم وإعلامهما أن لهما حق الاعتراض عليه خلال ثلاثين يوماً اعتبارا من اليوم التالي للاستلام، وأنه بمضي هذه المدة دون اعتراض يصبح الحكم نهائياً واجب النفاذ.

خاتم المحكمة

د. فهد بن عطية الشاطري

توقيع القاضي

زر الذهاب إلى الأعلى