البحوث القانونيةالقواعد الأصولية والفقهية

شرح القاعدة الأولى: (الأمور بمقاصدها)

الفصل الأول

القواعد الخمس الأساسية والقواعد المتفرعة عنها

القاعدة الأولى : (الأمور بمقاصدها)(1):

هذه القاعدة من أهم وأعم القواعد الفقهية وأقدمها صياغة، وقد ذكرت في القواعد السبعة عشر التي نقلها أبو سعيد الهروي عن أبي طاهر الدباس، وقد ألحق الإمام القرافي المالكي في كتابه «الفروق» الوسائل بالمقاصد فاعتبر أن كل وسيلة تحقق مقصداً فحكمُها كحكمه من حيث الاعتبار فقال : الوسائل تتبع المقاصد في أحكامها، والأصل في هذه القاعدة قوله: (إنما الأعمال بالنيات) (2)، ومثله أحاديث:

1- (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله تعالى إلا أجرت فيها، حتى ما نجعل في في امرأتك) (3).

2- (ولا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، وإذا استُنفرتم فانفروا) (4).

3- (رُبَّ قتيلٍ بين الصفين الله أعلم بنيته) (5).

4- (يبعث الناس على نياتهم) (6).

5- (دينية المؤمن خير من عمله) (7).

قال السيوطي في «الأشباه والنظائر»: «اعلم أنه قد تواتر النقل عن الأئمة في تعظيم قدر حديث النية : قال أبو عبيدة (8): ليس شيء في أخبار النبي ﷺ أجمع وأغنى وأكثر فائدة منه .

واتفق الإمام الشافعي وأحمد بن حنبل وابن مهدي، وابن المديني، وأبو داود، والدارقطني (9)، وغيرهم على أنه ثلث العلم، ومنهم من قال : ربعه، ووجه الإمام أحمد رحمه الله ذلك بكونه ثلث العلم، أنه أحد القواعد الثلاث التي ترد إليها جميع الأحكام عنده، فإنه قال : أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث : حديث : « إنما الأعمال بالنيات، وحديث : «مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا هذا فهو رَدّه (10)، وفي رواية : «مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، وحديث : الحلال بيّن والحرام بين) (11).

ومن الصياغة المرادفة لهذه القاعدة : «لا ثواب إلا بالنية» وهي القاعدة الأولى في «الأشباه والنظائره لابن نجيم.

هذا وإن هذه القاعدة مأخوذة من حديث : «إنما الأعمال بالنيات» تجري في كثير من أبواب الفقه مثل : المعاوضات، والتمليكات المالية، والإبراء، والوكالات وإحراز المباحات، والضمانات، والأمانات، والعقوبات، وفي العبادات، والنكاح، والطلاق، وهذا شيء من هذه المذكرات (12).

1- المعاوضات والتمليكات المالية: كالبيع والشراء والإجارة والصلح والهبة.

فإن عقود المعاوضات المالية عند إطلاقها تفيد حكمها وهو الأثر المترتب عليها من التملك والتمليك لكن إذا اقترن بها ما يخرجها عن إفادة هذا الحكم، وذلك كإرادة الهزل والاستهزاء والمواضعة والمراهنة (13)، فإنه يسلبها حكمها. فإذا باع الإنسان أو اشترى وهو هازل فإنه لا يترتب على هذا العقد أثره وهو التمليك والتملك، ومثله إذا كان مستهزئاً أو مواضعاً أو مراهناً.

2- وأمّا الإبراء : كما لو قال الطالب للكفيل : برئت من المال الذي كفلته فإنه يرجع إليه في البيان لما قصده في هذا اللفظ فإن كان قصده براءة الاستيفاء (14) منه

 

 

المصادر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • (1) المادة الثانية في مجلة الأحكام، والأشباه والنظائر للسيوطي، ص۸، وابن نجيم، ص۲، وهي من قواعد أبي طاهر الدباس التي نقلها عنه أبو سعيد الهروي.
  • (2) سبق تخريجه .
  • (3) صحيح البخاري، باب رثى ﷺ سعد بن خولة، ج۲، ص۸۲، وصحيح مسلم، باب الوصية بالثلث، ج۳، ص١٢٥١.
  • (4) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب المبايعة، ج۳، ص٨٥.
  • (5) مسند أحمد، ج۱، ص۳۹۷، ومجمع الزوائد، ج5، ص۳۰۲
  • (6) مسند أحمد، ج۲، ص۳۹۲، مسند ابن ماجه، كتاب الزهد، ج۲، ص١٤١٤ بلفظ إنما يحشر الناس على نياتهم.
  • (7) عن سهل بن سعد الساعدي، سنن الدارمي، ج۱، ص۱۰۹، وتتمنه : «وعمل المنافق خير من نيته، فإذا عمل المؤمن عملاً ثار في قلبه نور»، نقلاً عن الأشباه والنظائر للسيوطي، ص۸۰.
  • (8) ملحق تراجم الأعلام، حرف العين.
  • (9) انظر: تراجم هؤلاء الأعلام في ملحق تراجم الأعلام الصفحات التالية : الشافعي : حرف الشين، أحمد: حرف الألف، ابن مهدي : حرف الميم، ابن المديني: حرف الميم ، أبو داود: حرف الدال، الدارقطني: حرف الدال.
  • (10) أخرجه البخاري برقم (٢٦٩٧) ج، ص٣٥٥، وأخرجه مسلم برقم (۱۷۱۸) وأحمد ٢٧٠/٦
  • (11) صحيح البخاري ج۳، ص٤، باب الحلال بين والحرام بين (كتاب البيوع) وصحيح مسلم = ج۳، ص۱۲۱۹، وسنن الدارمي، ج۲، ص٢٤٥. 
  • (12) هذه النقاط اخترتها من المواد التابعة لهذه القاعدة في مجلة الأحكام العدلية، المادة (۲) ومن شرح القواعد الفقهية للشيخ أحمد الزرقاء.
  • (13) المواضعة: هي أن يتواطأ المتعاقدان ويتفقا سراً قبل العقد على أنهما سيعقدان العقد بصورة ظاهرية فقط، إيهاماً لغيرهما، دون أن يكون في الواقع منعقداً بينهما، وذلك لمأرب لهما أو لأحدهما فيما يعلنان من العقد الكاذب (انظر المدخل الفقهي العام (٣٥٧/١)، والمراهنة: المخاطرة، والمسابقة على الخيل، (القاموس المحيط، ص١٥٥١).
  • (14) بريء : أي تخلص، وتنزه، وفي الاصطلاح : إسقاط الشخص حقاً له في ذمة آخر أو قبله . 
زر الذهاب إلى الأعلى