الأحكام والاستشارات القضائيةالإستشارات القانونيةالبحوث القانونية

هل يحلف المدعى عليه في كل مدعي فيه؟ الإجابة

هل يحلف المدعى عليه في كل مدعي فيه ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فعن ابن عباس -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال: «لو يُعطى الناس بدعواهم ؛ لادّعي ناش دماء رجال وأموالهم ، ولكن اليمين على المدعى عليه ». [البخاري: 4277 ومسلم: 1711]

وزاد البيهقي في الكبري: « ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر ». [السنن الكبرى للبيهقي: 21201، وحسنه ابن حجر والنووي].

في عموم حقوق الله تعالى من العبادات كالصلاة والصيام والزكاة والحج لا يحلف المسلم على نفي ترها ؛ لأن حقوق الله تعالى مبنية على المسامحة .

أما غير العبادات و حقوق الله تعالى؛ فقد اختلف العلماء فيها 😐

فذهب جمع من الفقهاء إلى أن المدعى عليه لا يحلف إلا في المال وما يقصد به المال.

وذهب جمع من المحققين إلى أنه يحلف في كل حق لآدمي ؛ لعموم حديث: « البينة على المدعي واليمين على من أنكر ، وحديث: «لو يعطى الناس بدعواهم ؛ لادعي رجال دماء أقوام وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه » ؛ فذكر الدماء ، وهي ليست من الأموال ولا يقصد بها المال.

وتفصيل الأقوال في الموسوعة الفقهية [79/18 -80]: ” وحقوق العباد تنقسم إلى قسمين:

أحدهما: ما هو مال أو المقصود منه مال ، فهذا تشرع فيه اليمين بلا خلاف بين أهل العلم.

فإذا لم تكن بينة للمدعي حلف المدعى عليه وبرئ ، وقد ثبت هذا في قصة الحضرمي والكندي اللذين اختلفا في الأرض.

الثاني: ما ليس بال ولا المقصود منه مال كحد قذف ، وقود ، وما يطلع عليه الرجال غالبا كنكاح ، وطلاق ، ورجعة ، وعتق ، وإسلام ، وردة ، وجرح، وتعديل.

فعند أبي حنيفة والمالكية لا يستحلف فيها لأن النكول عند أبي حنيفة بذل ، وهذه المسائل لا يصح فيها البذل ، وعند الصاحبين النكول إقرار فيه شبهة ، وعليه يجري التحليف فيها عندهما.

أما عند المالكية فكل دعوى لا تثبت إلا بعدلين لا يستحق فيها شيء إلا بشهادة رجلين عدلين إذ لا فائدة في رد اليمين أو إثباتها ، لأنه إن حلفها لا يثبت المدعى به لتوقف ثبوتها على العدلين إلا القسامة وجراح العمد، وفي بعضها خلاف وهي المساة عندهم بأحكام تثبت في البدن ليست بال ويطلع عليها الرجال غالبا.

وعند الشافعية ، والحنابلة على أحد القولين وهو المتبع عندهم ، أنه يجري التحليف لأنه عند الشافعية الدعاوى التي تثبت برجلين أو رجل وامرأتين تثبت برجل ويمين.

واستدلوا ” بأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بها في الحقوق والأموال ” ثم الأئمة من بعده.

والحنابلة على قولين:

أحدهما: لا يستحلف المدعى عليه ولا تعرض عليه اليمين قال أحمد – رحمه الله – : لم أسمع من مضى جوزوا الأيمان إلا في الأموال والعروض خاصة كما سلف.

الثاني: يستحلف في الطلاق والقصاص والقذف . وقال الحرقي : ” إذا قال: ارتجعتك فقالت: انقضت عدتي قبل رجعتك، فالقول قولها مع يمينها” .

قال ابن قدامة: “فيتخرج من هذا أنه يستحلف في كل حق لآدمي ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه »

وهذا عام في كل مدعى عليه ، وهو ظاهر في دعوى الدماء بذكرها في الدعوى مع عموم الأحاديث ، ولأنها دعوى صحيحة في حق لآدمي ، فجاز أن يحلف فيها المدعى عليه ، كدعوى المال”. [البدائع 6 /227 ، حاشية الدسوقي 4 /227 ، الوجيز للغزالي 2 /290 ، المغني لابن قدامة 4/ 237 ، تبصرة الحكام 199/1, جواهر الإكليل 2/ 228، شرح الروض من أسنى المطالب 402/4 ، نهاية المحتاج 8/ 299.295 ،روضة القضاة وطريق النجاة ص 283 ، المهذب 302/2]

قال الشافعي رحمه الله – : ” وألّف في النكاح، والطلاق، وكل دعوى… ولا اختلاف بين الناس في الأيمان في الأموال، ووجدت النبي يقول: « واليمين على المدعى عليه » ؛ فلا يجوز أن يكون على مدعى عليه دون مدعى عليه إلا بخبر لازم يفرق بينهما بل الأخبار اللازمة تجمع بينهما ” [الأم للشافعي: (246/6)].

قال النووي – رحمه الله – : ” وفي هذا الحديث دلالة المذهب الشافعي والجمهور من سلف الأمة وخلفها : أن اليمين تتوجه على كل من ادعي عليه حق . سواء كان بينه وبين المدعي اختلاط أم لا، وقال مالك و جمهور أصحابه والفقهاء السبعة فقهاء المدينة : إن اليمين لا تتوجه إلا على من بينه وبينه خلطة لئلا يبتذل السفهاء أهل الفضل بتحليفهم مرارًا في اليوم الواحد ، فاشترطت الخلطة دفعا لهذه المفسدة .

واختلفوا في تفسير الخلطة فقيل : هي معرفته بمعاملته ومداينته بشاهد أو بشاهدين ، وقيل :

تكفي الشبهة ، وقيل : هي أن تليق به الدعوى بمثلها على مثله ، وقيل : أن يليق به أن يعامله بمثلها ، ودليل الجمهور حديث الباب ، ولا أصل لاشتراط الخلطة في كتاب ولا سنة ولا إجماع [شرح صحيح مسلم 4/6].

وقال السعدي -رحمه الله -: ” هذا الحديث عظيم القدر. وهو أصل كبير من أصول القضايا والأحكام؛ فإن القضاء بين الناس إنما يكون عند التنازع: هذا يدّعي على هذا حقا من الحقوق، فينكره، وهذا يدعي براءته من الحق الذي كان ثابتا عليه.

فبين صلى الله عليه وسلم أصلا يفض نزاعهم، ويتضح به المحق من المبطل.

فمن ادعى عينّا من الأعيان، أو دينًا، أو حقا من الحقوق وتوابعها على غيره، وأنكره ذلك الغير: فالأصل مع المنكر.

فهذا المدعي إن أتى ببينة تثبت ذلك الحق: ثبت له، وحُكم له به وإن لم يأت ببينة: فليس له على الآخر إلا اليمين ” [بهجة قلوب الأبرار شرح جوامع الأخبار : 120].

قلت: والصواب القول بتحليف المدعى عليه في كل حق لآدمي ؛ لما تقدم من الأدلة ، فإن قيل: فهل يقتص من المدعى عليه بالقتل لو نكل ؛ قلنا: لو نكل عن اليمين فلا نحكم عليه بالقصاص بمجرد النكول؛ لكن نحبسه حتى يحلف أو يموت كما قرره بعض العلماء.

والله تعالى أعلم ، وهو الموفق للصواب والهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد و آله و صحبه.

أملاه الفقير إلى ربه المنان

عبدالمحسن بن ناصر العبيكان

19 ذو القعدة 1440هـ

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى