البحوث القانونية

يمين الاستظهار وحجيته في الدعوى

تعريف يمين الاستظهار:

هي يمين إلزامية يوجهها القاضي للمدعي بعد إثباته لدعواه بدليل كامل استظهاراً للحقيقة في دعاوى معينة ، وهذه الدعاوى حددها فقهاء الشريعة الإسلامية في دعاوى  الرد للعيب القديم في المبيع فإنه يحلف مع الشاهدين أو البينة الكاملة أنه فسخ البيع حالة الاطلاع على العيب ، ودعاوى الطلاق لعدم الوطء لعيب في الزوج مثال إذا ادعت المرأة أن زوجها عنين وكانت بكرا وادعى أنه وطئها وشهد أربع نسوة أنها بكر فتحلف مع شهادتهن أنه ما وطئها لاحتمال أن يكون وطئها وطئا خفيفا وعادة البكارة ، ودعاوى الجراح في العضو الباطن إذا اختلفا في أصل الجناية ، فلا بد من بينة لوجودها ويحلف المجني عليه على سلامته  والدعاوي على الميت إذا ادعى على الميت مالا أو قتلا وأنكر الورثة فأقام بينة لم يحكم له حتى يحلف مع البينة أنه عليه وأنه يستحقه إلى الآن وكذا إن ادعى على غائب أو مفقود ، ودعاوي إعسار المدين وقد عرف له مال قبل ذلك فيقيم شاهدين من أهل الخبرة بتلف ماله ويحلف مع الشاهدين أنه لا مال له في الباطن وللدائن تحليفه لجواز أن يكون له مال باطن وما لو شهدت له بينة بعين فقال الشهود لا نعلمه باع ولا وهب فلخصمه تحليفه أنها ما خرجت عن ملكه بوجه  ، والدعوى ضد الزوج المدعي عدم نيته في الطلاق  مثال إذا قال لزوجته أنت طالق أمس ثم ادعى أنه طلقها في هذا أو كانت مطلقة من غيره فيقيم شاهدين على نكاح الغير أو نكاحه الأول ويحلف أنه أراد الإخبار بذلك ، والدعوى ضد من أودع لديه مال وادعى هلاكه ، فإذا ادعى هلاك الوديعة بسبب ظاهر وأقام البينة على السبب حلف على الهلاك به وإذا ادعى المودع لديه أنه سافر للخوف ثم هلكت بالسفر فإنه يقيم البينة للخوف الظاهر ويحلف أنها هلكت بالسفر  ، ودعوى استحقاق المال إذا أقام على رجل بينة بمال ادعاه فقال المدعى عليه احلف أنك تستحق هذا المال ولم يكذب الشهود ، ولكن قال باطنه بخلاف ظاهره فإنه يحلف مع البينة أنه يستحق ذلك الآن  ،  ودعاوى المال في حق القاصر والمجنون ومن في حكمهما كالمدعي على الغائب فلا تسمع إلا أن يكون هناك بينة ويحتاج معها إلى يمين الاستظهار. ويرى بعض الفقهاء أنه لو كان للمدعي شاهد واحد في هذه المسائل كلها حلف يمينين يمينا لتكميل الشهادة وهي ما يعرف باليمين المتممة ويمينا للاستظهار(1)  .

جاء في مجلة الأحكام العدلية أن يمين الاستظهار لا يوجه إلا بطلب من الخصم إلا في أربعة مواضع يجوز فيها توجيهها من قبل الحاكم بلا طلب. والمواضيع الأربعة هي : الأول إذا ادعى  أحد من التركة حقا وأثبته فيحلفه الحاكم على أنه لم يستوف هذا الحق بنفسه ولا بغيره من الميت بوجه ولا أبرأه  ولا أحاله  على غيره ولا أوفي من طرف أحد وليس للميت في مقابلة هذا الحق رهن ويقال لهذا يمين الاستظهار  ، الثاني إذا استحق أحد المال وأثبت دعواه  حلفه الحاكم على أنه لم يبع  هذا المال  ولم يهبه  لأحد ولم يخرجه عن ملكه  بوجه من الوجوه  ، الثالث إذا أراد المشتري  رد المبيع  لعيبه حلفه الحاكم على أنه لم يرض بالعيب قولا أو دلالة كتصرفه تصرف الملاك  ،الرابع تحليف الحاكم الشفيع  ثم الحكم بالشفعة  بأنه لم يبطل شفعته يعني لم يسقط حق شفعته بوجه من الوجوه(2) .

ومن الدعاوي التي يجوز توجيه يمين الاستظهار فيها دعوى ادعاء المسلم أو الذمي إذا وجد أحدهما متاعه في الغنيمة قبل قسمتها وشهدت له البينة بذلك أو عرفه واحد من العسكر فإنه يأخذه بغير عوض لكن بعد أن يحلف اليمين الشرعية أنه ما باع ولا وهب ولا خرج عن ملكه بناقل شرعي وأنه باق على ملكه إلى الآن فيستحق قبضه وأخذه بعد حلف يمين الاستظهار (3)

والعلة من يمين الاستظهار رغم تمام الدليل الشرعي لثبوت الحق ذلك أن المدعي يدعى حقاً له على من هو غير قادر على تقديم ما يدحض قوله إما لغيابه أو لعدم كمال أهليته أو لأن السبب مما لا يطلع عليه العامة والناس كعيوب الزوج وغيره ، وفي يمين الاستظهار استحكام لضمير المدعي مع وجود البينة الكاملة ظنا بوجود ما يدفع دعوى المدعي لا يعلم به غيره ، مثال إذا طلبت المرأة فرض نفقة على زوجها الغائب تستحلف على أن زوجها لم يطلقها ولم يترك لها مال تنفق منه ولم تكن ناشزة ، ذلك أن هذه الأمور تخفى على الناس ولا يعلمه سواء أطرافه .

الشروط المطلوبة لتوجيه يمين الاستظهار في الدعوى(4) :

  1. ثبوت الحق بدليل كامل .
  2. ادعاء المدعي جحود المدعى عليه لحقه وإنكاره إياه ، أي  أن لا يدعي المدعي إقرار المدعى عليه بالحق في حال غيابه .
  3. أن توجه بعد إقامة البينة وقبل صدور الحكم .

أوجه الخلاف بين يمين الاستظهار واليمين المتممة :

  1. لا يشترط في يمين الاستظهار التعرض في صدق الشهود لكمال الحجة خلافا لليمين المتممة التي يشترط فيها التعرض لصدق الشهود لنقصان الحجة(5).
  2. توجه يمين الاستظهار في دعاوى معينة بينما اليمين المتممة توجه في دعاوى المال والحقوق لإكمال دليلها الناقص ( لم يحدد القانون السوداني دعاوى معينة لتوجه فيها اليمين المتممة) .
  3. يمين الاستظهار توجه لاستظهار الحق بعد ثبوته بينما اليمين المتممة توجه لإكمال الدليل الناقص أي يمين الاستظهار يمين استظهاري للحق والمتممة دليل تكميلي للبينة .
  4. يمين الاستظهار توجه للمدعي بينما اليمين المتممة توجه لأي من الخصمين .
  5. قد توجه يمين الاستظهار من قبل المحكمة من تلقاء نفسها أو بطلب من الخصم في بعض الدعاوى ، بينما اليمين المتممة توجه من قبل المحكمة فقط .

أحكام يمين الاستظهار وفقاً لقانون الإثبات السوداني :

لم يكن لهذه اليمين مكانة في قانون الإثبات لعام 1983 الملغي ، وهي من المواد المستحدثة في قانون الإثبات لعام 1993م ، حيث نصت عليها المادة 59 بأنه ” يجب على المحكمة عند قيام البينة بثبوت حق في مال الميت أو المفقود أو القاصر ومن في حكمهم توجيه اليمين للمدعي قبل صدور الحكم استظهارا للحق ” والملاحظ من خلال هذا النص أن المشرع السوداني قد حصر يمين الاستظهار  في ثبوت الحق على مال الميت والمفقود والقاصر ومن في حكمهم فقط وأهمل المسائل الأخرى التي أخذ بها الفقه الإسلامي لاسيما المذهب الحنفي الذي حصرها في عشر مسائل(6) .

ويمين الاستظهار في القانون السوداني أمر وجوبي على القاضي لابد من توجيهها في كل ما يثبت من حق في مال الميت والمفقود والقاصر ومن في حكمهم مثل مال الغائب والمجنون . وهي توجه للمدعي قبل صدور الحكم بعد إثباته لحقه ببينة كاملة.

ويلاحظ أنه  لا فرق في القضاء بالنكول بين ما إذا كانت اليمين موجهة إلى الخصم للاستظهار أو لنفي التهمة عنه أو لغيرهما . وينبني على ذلك أنه لو أدعى أحد حقاً في تركة ميت وأثبته بالبينة ووجه إليه القاضي اليمين قبل القضاء (للاستظهار ) فنكل لم يحكم له بالمدعى وإنه لو أدعى المودع عنده رد الوديعة أو هلاكها ولم يصدقه المودع وطلب يمينه لنفي التهمة فامتنع عن اليمين لزمته الوديعة (7).


(1) للاستزادة سليمان بن عمر بن محمد البجيرمي ـ حاشية البجيرمي ـ ديار بكر للنشر تركيا ـ ج4 ص 360 ، حاشية الشرواني ـ ج9 ص 49 ، مغني المحتاج ج 10ص 467 وما بعدها ، محمد بن عمر بن على بن نووي الجاوي (أبو عبدالمعطي) دار الفكر بيروت الطبعة الأولى ج1ص 377

(2) مجلة الاحكام العدلية ـ ص 354

(3) حاشية العدوي ـ على الصعيدي المالكي العدوي دار الفكر بيروت 1412 هـ تحقيق يوسف الشيخ محمد البقاعي ج2 ص 18

(4) مغني المحتاج ـ ج 4 ص 110 وما بعدها .

(5) حاشة الشرواني ـ ج10ص 166

(6) مغني المحتاج ـ ج4ص 467

(7) د. بخاري عبدالله الجعلي ـ ص 267 مشيرا لمؤلف محمد زيد الأبياني ـ كتاب مباحث المرافعات الشرعية طبعة 1914ص 87

زر الذهاب إلى الأعلى