Web Analytics
البحوث القانونية

25 مغالطة منطقية في المرافعات المملكة العربية السعودية

كتبه/ د. ياسر البلوي

د. ياسر البلوي يغرَّد عن (25) مغالطة منطقية في المرافعات:

من المهم والمفيد في مهارات الترافع التنبه لـلمغالطات المنطقية في الترافع والتي تشيع في الدفوع والمرافعات والنقاش مع القاضي وضرورة توظيف تصحيح هذه المغالطات لتستقيم المقدمات والنتائج.

في هذه السلسلة سنتحدث عن أهم المغالطات المنطقية التي من الممكن أن تؤثر تأثيراً سلبياً في مسار القضايا:‏

 

‏سنناقش مساء كل جمعة بمشيئة الله مغالطة منطقية من (29) مغالطة منطقية شائعة تستخدم في المرافعات:

المجموعة الأولى : المغالطات التي يغيب الاعتماد فيها إلى دليل وهي 1 إلى 3 مغالطات:

المجموعة الثانية: المغالطات التي يحتكم فيها المترافع إلى ماليس له صلة بالموضوع وهي 4 إلى 7 مغالطات:

المجموعة الثالثة: المغالطات التي يستخدم فيها التضليل بدلاً عن الدليل وهي 8 إلى 9 مغالطات.

  1. مغالطة الاحتكام إلى الجهل.
  2. مغالطة الاحتكام إلى الناس.
  3. مغالطة التعميم المتسرع.
  4. الاحتكام إلى سلطة.
  5. الاحتكام إلى قوة.
  6. الاحتكام إلى النتائج.
  7. الاحتكام إلى العاطفة ومناشدة الشفقة.
  8. مغالطة رجل القش.
  9. مغالطة الرنجة الحمراء.

 

 

1- مغالطة الاحتكام إلى الجهل.

وهي الاعتقاد بصحة فكرة في المرافعة لجهل الدليل النافي لها ، أو الاعتقاد بخطأ فكرة في المرافعة لجهل الدليل المثبت لها، وفي الحالتين يُنزّل (غياب الدليل) منزلة (الدليل).

‎‏مثالها: لما سُئل جحا عن عدد شعرات رأسه التي يطلب التعويض عليها والتي تسبب طبيب التجميل في تلفها بخطأ طبي ، فأجاب بعدد معين دون تردد 25 مليون و200 ألف و25 شعرة، وكل شعرة بريال !

ولمّا سُئل: كيف عرفت ذلك؟ أجاب: إن لم تصدقني فهذا رأسي قم بعدّ المنابت وهذا الشعر أحضرته معي قم بعدّه.!

وإيضاحه: أنه بدلاً من يبرهن للأمر بقوله لقد عددتها وهذا دليل .. عَدَل عن البرهان واعتمد على جهل من أمامه وعجزه عن تأكده من الدليل.

 

فبديهي أن جهل الآخر بعدد شعر جحا من جرّاء الاستحالة العملية لعدّها ، لا يقوم دليلاً على أن عددها كما أفصح عنه جحا!

‏إن جحا في هذا السياق يقرّر أمراً في دعواه ويثبت حكماً، ومن ثم يجعل عبء إثبات البينة على الطرف الآخر، معفياً نفسه عن هذا العبء, ويحمّله للآخر نيابة عنه دون وجه حق.

ويتم التذرع بغياب المعلومة التي تثبت شيئاً ما كدليل على بطلانه، ومادام أن خصمه لا يستطيع دحضها فإنها حق بالضرورة.

 

 

‏2- مغالطة الاحتكام إلى الناس.

بعبارة أخرى مغالطة الاحتكام إلى الشيوع أو إلى العامة أو الأكثرية ، هي إنزال الناس والعامة والأكثرية وشيوعها منزلة البينة أمام القاضي، فيعتمد المترافع على صحة موقفه من الدعوى بناءً على شعبية الفكرة وكثرة معتنقيها لا أدلتها. ‎

 

تطبيق: (فما بال القرون الأولى)

إيضاح: احتكم فرعون بصحة موقفه في مناظرته لموسى عليه السلام إلى عامة ماعليه الناس واحتكم إلى الشيوع في القرون الماضية وترك البرهان والحجة.

 

‏ومن أشكالها:

أ- عربة الفرقة.

وفكرتها: مادام الناس يفعلون كذا فهو صحيح.

ووجه التسمية: “كان المرشحون فيما مضى يستقلون في حملاتهم الإنتخابية عربة كبيرة تتسع لفرقة اموسيقية تجوب المدينة، وكان الناس يعبرون عن تأييدهم للمرشح باعتلاء العربة أو الصعود إلى ظهرها”.

 

‏ب- التأسي بالنخبة.

وفكرتها: مادام الطبقة الفلانية يفعلون كذا فهو صحيح.

 

ج- التلويح بالعلم.

وفكرتها: هي دغدغة مشاعر المحكمة برمز مشهور.

مثال ذلك: قول أحد المترافعين للآخر: ماقام به المترافع في انتقاده “للبن” سيء الجودة والمزيف والمنتشر في الأسواق، يثير العصبيات !!

 

‏عندما سأله القاضي عن كيفية إثارته للعصبيات؟

أجاب: إنه يقصد الفئة المشتهرة بتجارة البن في البلد، وهذا يضرب الوحدة الإجتماعية والوطنية، ويثير البلبلة بالطعن في الأجهزة حيث نسب لها التقصير حماية المواطن، وهذا تشهير غير مقبول وتعتبر جريمة معلوماتية لاستخدامه السناب في تقريره المنشور!

هنا المترافع: لم يبرهن لصحة رفضه لموقف خصمه في رأيه عن “البن” بدليل وإنما استدل عليها بعنصر اثارته للرأي العام وانتشار مظاهر الرفض من فئة منافسة وألبسها بأوصاف جرمية فضفاضة عن العصبية والوطنية والبلبلة.

 

 

‏3- مغالطة التعميم المتسرع.

وهي أن يرى المترافع وصفاً ما على شيء أو حالة واحدة أو حالتين فيصدر عليه حكماً، ثم بعد ذلك يقوم بتوسيع دائرة الحكم على أشياء أخرى لا تحمل مثل الوصف، ولكن تشترك في وصف آخر غير مؤثر.

أسبابه إما لهجر إحصاء جميع الحالات أو أن يكون الحكم لمصلحته فيريد تعميمه.

 

تطبيق:

ومن أمثلة التعميم المتسرع: قول الشخص إن المدعى عليه من فئة ما والمعروف عن بعض أفرادها كثرة الصيد واستخدام الأسلحة في ذلك، وإطلاق النار في مناسباتهم، وأبناء عم المدعى عليه معروفين بكثرة مشاكلهم، وبالتالي أتهم خصمي بأنه هو الذي قام بإطلاق النار على منزلي لهذه الأدلة.

وإيضاح ذلك: عمم المترافع اتهامه على شخص بإطلاق نار بناءً سمات عامة مجتمعية ليس من المؤكد أن يكون الشخص متصفاً بها ودليلاً على الإتهام.

‏نواصل سلسلة التغريدات عن المغالطات التي تقع من المترافعين والمقتبسة من علم المنطق والفلسفة، ووصلنا للمجموعة الثانية من المغالطات وهي المغالطات التي يحتكم فيها المترافع إلى ماليس له صلة.

 

المجموعة الثانية:

4- مغالطة الاحتكام إلى سلطة.

جلوا صارماً وتلوا باطلاً .. وقالوا: صدقنا؟ فقلنا: نعم

المعري

‏من ضمن السفسطات الشهيرة سفسطة الاحتكام إلى السلطة، ويقع المترافع في مغالطة الاحتكام إلى السلطة عندما يعتقد بصحة قضية ولا يستطيع إثباتها، ولكن لا سند لها إلا سلطة قائلها.

وعندما لا يستطيع الشخص تفنيد حجج ترافع الخصم فيحاول الاحتكام إلى قول مرجعية أو رأي صاحب سلطة.

‏في حياتنا الوقعية نحتكم لقول سلطة عندما نذهب إلى الطبيب (سلطة)، إلى المبرمج (سلطة)، إلى شيخ الجواهرجية (سلطة)، شيخ العقاريين (سلطة)، رئيس النادي الرياضي (سلطة)، تقرير نسبة الخطأ المبني على كروكي الحادث الذي يرفعه موظف نجم رجل المرور في الحوادث المرورية.

‏وقد تكون الفكرة صائبة والمعلومة صحيحة ، ولكن المغالطة تكمن في العرض وطريقة الإقناع وأسلوب الحديث في اعتبار السلطة بديلاً عن الدليل والبينة أمام القضاء.

ويخرج عن هذه المغالطة اتفاق الطرفين على مرجعية السلطة وكذلك لا تعد مغالطة عندما نحتكم لسلطة الخبراء كلما أعوزتنا الخبرة لمجالهم.

‏فالخبراء هم الأشخاص الذين نذروا عمرهم في تخصصاتهم حتى حصلوا فيه معرفة تجعلهم أبصر بأصوله وفروعه وأقرب صلة بالحقيقة في شؤونه وشجونه. ومن ثم فإن لنا كل الحق في أن نسألهم المشورة في مجالهم، لأن لدينا ما يدعونا إلى الاعتقاد بأن رأيهم في ذلك أقوم من رأينا وخبرتَهم أصدقُ من خبرتنا.

‏إن ألمَّ بالمرء مرضٌ لا خبرة له به فإنه يلجأ إلى الطبيب ويأخذ بمشورته ويتبع إرشاداته، وإذا استعصى عليه خلل بالحاسوب فإنه يلجأ إلى خبير حواسيب ليُصلح له الخلل، وهكذا الحياة وبخاصة في العصر الحديث: تخصصاتٌ وأفرعٌ موكلٌ بها خبراءُ متخصصون نثق برأيهم ونأتمر بأمرهم.

‏ونسلِّم برأيهم لأسباب كثيرة، كالعصبية، والمصلحة، والمكانة، والخبرة، وعندما مثلاً نحتكم إلى سلطة الخبراء، ليس في الأمر هنا حجبٌ للدليل أو استهانة بالبينة، بل توجُّهٌ إليهما والتماسٌ لهما (في مظانِّهما)! فما جعل الخبيرَ خبيرًا في نظرنا إلا ثقتنا بأن عنده الدليلَ ولديه البيِّنة.

‏ومن هنا نقول إن الاحتكام إلى السلطة ليس دائمًا مغالطة، وإنما تعد مغالطة إذا احتكمنا إلى السلطة في ما لا ضرورة فيه، كشيء يمكننا أن نتأكد منه بأنفسنا ولكـننا نخفِّف الحمل على كواهلنا، أو إذا احتكمنا إلى الشخص في شيء غير مجال خبرته، كأن نحتكم إلى إعلامي أو داعية مشهور في شيء طبي.

‏فإن كان الشخص مشهورًا في مجاله ومجتهداً في تخصصه فقد يعد عامياً في مجالات لا يعرفها ومقلداً في تخصصات لا يحترفها، كذلك تكون مغالطة إن احتكمنا إلى الشخص المتخصص في شيء فيه اختلاف بين أهل التخصص، وكذلك لو كان الشخص صاحب مصلحة، أو مشكوكًا في أمره، فإن هذه تعد مغالطة.

 

تطبيق:

– المدعي: لقد سبنى س في برنامج تلفزيوني رياضي شهير وأمام الهواء ووصفني بعلبة التنك وأنني مثل الدجاجة ذات المنقار الحديد وما من علم وأنني معروف بقضايا الاحتيال. فأطالب بحقي الشرعي تجاه هذا التجاوز الجنائي والأوصاف الخطيرة. وهذا موثق عبر مقاطع انتشرت ولا يستطيع ينكر ذلك.

 

‏- المدعى عليه: نعم صحيح قلت هذا فنحن في هذا البرنامج قد تعودنا على هذه الملاسنات وبرامجنا أشبه بمجالسنا التي نختلف فيها وتتعالى أصواتنا والجديد أنها منقولة على الهواء ولكننا نخرج متصافين ومتحابين ولكن هذا المدعي نسمية “الزعول” .. كما أنني لم آتي بشيء من عندي فهذه معروفة عنه !

‏ولقد قلت هذه الكلمات أيضاً لأن رئيس النادي الرياضي الذي يتعصب له قد قال له هذا الكلام في وجهه، وأمام جمع من الناس، ولم يعترض بل وقهقه مسروراً، وهذا دليل على أن كلام رئيس النادي صحيح. فلو كان رجلاً فليبرز عضلاته على رئيس ناديه! ولدي الشهود على ماحصل من رئيس النادي عليه ..

الايضاح:

الطرف المدعى عليه لم يبرهن بالأدلة على صحة موقفه بدليل وبينة متفق عليها ومقبولة قضاءاً، وإنما احتكم على قول صاحب سلطة وبنى حجته عليها.

‏نواصل سلسلة عن المغالطات التي تقع من المترافعين، ووصلنا للمجموعة الثانية من المغالطات وهي المغالطات التي يحتكم فيها المترافع إلى ماليس له صلة.

 

 

5- مغالطة الاحتكام إلى قوة.

قرّبا مربط النعامة مني لقحت حرب وائل عن حيال

قرّبا مربط النعامة مني ليس قولي يراد لكن فعالي

‏تعني هذه المغالطة اللجوء إلى التهديد والوعيد والاحتكام إلى العصا من أجل إثبات الدعوى، وهي نوع من المحاججة بالتخويف والترهيب، ومرتكز الخطأ فيها هو أن التهديد لا يعمل في الحقيقة كدليل إثبات على مستوى القناعة بصحة الإدعاء ..

‏فربما استطاع المترافع من خلال اللجوء للقوة أن يفرض سلوكاً وقتياً معيناً، ولكن على المستوى الموضوعي القضائي لا يستطيع فرض صحة القناعة بها، والانصياع ليس دائماً دليلاً على الاقتناع وسلامة وصحة الإدعاء.

 

تطبيق:

المدعي: أنا أدعي على المدعى عليه بالاستيلاء على أرضي التي ورثتها أباً عن جد في القرية المعروفة باسم عشيرتنا ، وهذا المدعى عليه سبق أن طلب مني شراء الأرض أيام كان محافظاً ، فرفضت، ولكون الأرض لم تخرج صكوكها لمعوقات كثيرة أوعز إلى لجان الإزالة بالتعامل مع أرضي وأراضي مجاورة.

‏فأزالوا أملاكنا، ثم تفاجأت بعد مدة بوجود صك باسم المدعى عليه على أرضي لم يظهر إلا بعد انتقاله. فقد استولى على أرضي بالقوة من غير طيب نفس، وهذا من أكل أموال الناس بالباطل، وقد تم تعويض عدد من مجاورينا بعد تحقق الجهات من حقوقهم في أراضيهم، أطلب بالحكم برفع اعتداء يده عن الأرض.

 

المدعى عليه: غير صحيح مايدعيه المدعي من هذه الاتهامات الخطيرة، وأنا كنت محافظاً للمنطقة وواجبي الحفاظ على النظام وكلنا تحت النظام، والأرض هذه كانت حكومية وهذا من المعتدين عليها، وأعتقد أنكم بسماع دعواه على هذه الأرض تسمحون بمعارضة للجهود الحكومية في الحفاظ على الأراضي الحكومية.

 

‏وغير صحيح أن الإزالة تمت عن طريقي، وإنما أنا على ماقيل “عود من عرض حزمة” أنفذ ما يصلني من أوامر، وأرفع مايمليه علي واجبي الوطني ومسؤولياتي.

سأل القاضي المدعى عليه: هل هي تحت يده فعلاً وكيف وصلته؟ أجاب: نعم الأرض تحت يدي ووصلتني كمواطن من حقه أن يحصل على الأرض والدعم الحكومي.

القاضي: طلب البينة من المدعي فأحضر الشهود والبينات على المفاوضات التي تمت من المدعى عليه قبل شهر من الإزالة، واحضر الشهود والوثائق العادية القديمة على الأملاك الجدية، وأبرز بعض المكاتبات التي تمت بسبب المدعى عليه وحصلت بسببه الإزالة.

‏وبعرض ذلك على المدعى عليه مازال مصراً على أقواله السابقة ولم يدفع حجج المدعي بحجج أقوى منها، فحكم القاضي برفع يد المدعى عليه عن الأرض، وهمش على الصك بالإلغاء، وأفهم الطرفين بأن هذا الحكم هو لقطع النزاع في القضية، ولا يعتبر إثباتاً للتملك حيث أن الأملاك تثبت عبر أنظمة الإستحكام.

 

الايضاح:

المدعى عليه لم يبرهن على صحة موقفه بدليل مقبول قضاءاً، فلم يثبت صحة وصول الأرض له كمواطن عادي، وعندما عجز عن الوصول إلى توافق للشراء عمد إلى قوته ففرض الإزالة ثم حصل على الأرض، وكذلك أمام القاضي برهن لأحقيته بالتهديد اللجوء للقوة، حيث احتكم لقوته ونفوذه وبنى حجته عليها.

‏نواصل سلسلة عن المغالطات التي تقع من المترافعين والتي ممكن أن تؤثر تأثير سلبي في حال عدم التنبه لها، ووصلنا للمجموعة الثانية من المغالطات وهي المغالطات التي يحتكم فيها المترافع إلى ماليس له صلة.

 

 

6- مغالطة الاحتكام إلى النتائج.

(قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون)!

‏أبو العلاء المعري صاغ هذه الحجة عينَها صياغةً شعرية في لزومياته إذ يقول:

قال المُنجِّم والطبيبُ كلاهما لا

تُحشر الأجساد قلتُ إليكما

إن صَحَّ قولكُما فَلَستُ بخاسرٍ

أو صحَّ قولي فالخَسارُ عليكما

‏وهي إنزال النتائج المترتبة على الدعوى منزلة الإثبات، فيختفي الدليل على الأحقية وتظهر النتيجة كدليل ..

ويخرج عن هذه المغالطة في حال التساوى والتماثل بين الأشياء فيستند للنتائج كمرجحات على الطريق الأحق بالرعاية، والكلام يطول فيراجع في مظانه فيما سطره ابن تيمية وابن القيم والشاطبي.

المدعي: لقد استثمرت مليون ريال مع المدعى عليه في مشاريع عقارية ولم يعطني أرباح الاستثمار ولم يعد لي رأس المال، أطلب الحكم على المدعى عليه بإعادة رأس المال مع الأرباح ..

 

المدعى عليه: صحيح أنه استثمر لدي المبلغ المشار إليه، ولكن مشروعنا تعثر بأمر خارج عن الإرادة.

‏بسبب كون عقاراتنا في مجرى سيول وقد أوقفت الحكومة العمل في هذه المنطقة وأحيل صاحب المخطط للمحاكمة بسبب قضايا فساد بسبب المخطط ونحن في طور مطالبتنا باستعادة هذه الأموال من المتسبب في الضرر.

والمدعي يعلم ذلك والشراكة ربح وخسارة وليس لعب أطفال إن خسرنا قال:”بطّلت رجعوا فلوسي”!

 

القاضي: للمدعي هل مايذكره المدعى عليه صحيح وهل لديك بينة على تعديه وتفريطه في الشراكة.

المدعي: نعم صحيح، ولا بينة لديّ على تعديه أو تفريطه والحق أنه كان مجتهداً ولكنّه كان حالماً وأخذنا بأحلامه.

وبينتي أنه ضمن لي الربح ورأس المال، ونص بصراحة على هذا الشرط في العقد المبرم بيننا.

‏فأنا لم أدخل إلا على تأكيداته، والتي ظهرت أنها أحلام غير واقعية.

القاضي: حكم بصرف النظر عن الدعوى، حيث لم يثبت لديه تعدي أو تفريط الشريك، وأن الأصل أن يده يد أمانه فلا يضمن إلا بارتفاعها، ولعدم صحة الاستناد لضمان الربح وأصل المال في الشراكات، وهذا مناف لمصالح التجارات وأعرافها.

 

الايضاح:

المدعي استند للنتائج وهي صمان الربح واعتمد عليه كدليل وعارض به أصول الإثبات وأصول الشراكات وتصرفات يد الشريك المتصفة بيد الأمانة والتي لا ترتفع إلا بالتعدي أو التفريط ، ولم يقتنع القاضي بدليل النتائج الذي استند له المدعي.

 

تطبيق آخر:

المدعي: أدعي على فلان بأنه تقدم عليّ بدعوى كيدية استمرت سنوات وقد أضرّ بي . فأطلب مجازاته على هذا الاعتداء والتجاوز.

المدعى عليه: غير صحيح أنني تقدمت بدعوى كيدية وإنما دعوى مستحقة في ايجارات معدات استأجرها مني ولم يقبضني الثمن والمدعي كان يتعمد الجحود واخفاء الحقائق.

‏ويعلم المدعي أنه ظالم عندما حكم له القاضي بيمينه الظالمة الكاذبة.

 

القاضي: مابينتك يامدعي على الكيدية؟

 

المدعي: بينتي أنه خسر القضية وهذا كاف في عدم استحقاقها، ولو كانت محقة لاعتبرها القضاء.

 

القاضي: حكم بصرف النظر عن الدعوى لأن ليس بالضرورة أن تكون خسارة القضية دليلاً على كيديتها.

 

الايضاح:

المدعي استند لنتيجة الدعوى السابقة وهي خسارة المدعي لها كدليل كيدية ولم يقم الدليل المقبول قضاءاً على الكيدية وهي دليل الكذب.

فخسارة القضية ليست دليلاً يقينياً على الكيدية فثمة أسباب كثيرة تؤدي لخسارتها كضعف البيّنات ونحوها. والدليل إذا تطرق له الاحتمال بطل به الاستدلال.

‏نواصل سلسلة عن المغالطات التي تقع من المترافعين والتي ممكن أن تؤثر تأثير سلبي في حال عدم التنبه لها، ووصلنا للمجموعة الثانية من المغالطات وهي المغالطات التي يحتكم فيها المترافع إلى ماليس له صلة.

 

 

7- مغالطة الإحتكام إلى العاطفة ومناشدة الشفقة.

(وجاؤوا أباهم عشاءًا يبكون)

 

قال الشعبي: كنت جالساً عند شريح القاضي إذ دخلت عليه امرأة تشتكي زوجها الغائب وتبكي بكاءً شديداً، فقلت: أصلحك الله ما أراها إلا مظلومة مأخوذاً حقها قال وما علمك؟ قلت لشدة بكائها وكثرة دموعها. قال: لا تفعل إلا بعد أن تتبيّن أمرها، فإن إخوة يوسف جاؤوا أباهم عشاء يبكون وهم له ظالمون.

 

وتسمى: مغالطة الاستدلال بالمشاعر، وتظهر حين يعجز طرف في المرافعة عن تقديم البينات والبراهين المنطقيّة التي تدعم ادعاءاته، فيتوسّل في استجداء المشاعر لإقناع القاضي ودفعه إلى المصادقة.

العطف شعور نبيل وخلق طيب والشفقة عاطفة جميلة في موضعها، لا أن يستند إليها في كبديل عن البينة.

 

تطبيق:

المدعي العام: أطالب بإيقاع “القتل حداً” على هذه المرأة حيث قامت بقتل زوجها غيلة وهو نائم.

 

محامي المدعى عليها: صحيح أنها أخطأت بقتله! ولكن كونوا في مكانها عندما تضحي من أجله وتسدد ديونه ثم تتفاجأ برغبته بالزواج من أخرى! تذكروا أن لديها أطفالاً سيتيتمون إن حكم عليه بالقتل .!

 

الإيضاح:

نلحظ هنا أن المحامي لم يقدم بيّنة دفاع مقنعة في دفوعه عن المرأة القاتلة، وإنما استند إلى الخطاب العاطفي في محاولة ثني القاضي عن الحكم بالقتل حداً، وهي عقوبة القتل غيلة والقتل في مأمن.

وكثيراً ماتشكل العاطفة نقطة ضعف في الإنسان، وكثيراً مايتم استغلالها أسوأ استغلال.

‏في سلاسل مهارات الترافع نواصل سلسلة عن المغالطات المنطقية في الترافع والتي ممكن أن تؤثر تأثيراً سلبياً في حال عدم التنبه لها.

ووصلنا للمجموعة الثالثة من المغالطات وهي

 

8- مغالطة رجل القش.

“فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين .. أن أرسل معنا بني إسرائيل ..

قال ألم نربك فينا وليداً ولبثت فينا من عمرك سنين .. وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين ..

قال فعلتها إذا وأنا من الضالين .. ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين ..

‏وتلك نعمة تمنّها عليّ أن عبدّت بني إسرائيل ..

قال فرعون وما رب العالمين .. قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين .. قال لمن حوله ألا تستمعون .. قال ربكم ورب آبائكم الأولين .. قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون .. قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون ..

‏عندما ترشح ر.نيكسون لمنصب نائب رئيس الولايات المتحدة عام ١٩٥٢م، وذلك قبل أن يصبح الرئيس 37 للولايات المتحدة، واجه حملة شرسة تتهمه بالفساد واستخدام أموال حملته الانتخابية في أمور شخصية، وكان من طريف ما أتهم به هو تلقيه هدية عبارة عن كلب صغير وصله من أحد مؤيديه في ولاية تكساس.

‏ظهر نيكسون في حديث متلفز للرد على هذه التهم، وكان رده فيما يخص الكلب بأنه كلب لطيف يبلغ من العمر فقط ست سنوات ذو لون جميل يحبه الأطفال.. ومن منا لا يحب الكلاب إنها مخلوقات لطيفة !!

‏هكذا أنهى نيكسون حواره في مشهد درامي محولاً الأنظار عن تلك القضية من تهمة إلى مشهد درامي تعاطف معه الملايين من الأمريكيين!

تلك هي مغالطة رجل القش التي استخدمها نيكسون للرد على معارضيه، فقد حاد عن مواجهة التهم الأساسية إلى اختلاق تهم مزيفة على شكل رجل قش وقام بمبارزة رجل القش ..!

‏وكأن معارضيه قساة برابرة يكرهون الكلاب اللطيفة التي يحبها الأطفال والمتحضرين، وضرب خصومه في مقتل ..

‏المغالطة البهلوانية أو رجل القش هي نوع من أنواع الحجج والمغالطات غير الرسمية، وتكون عن طريق إعطاء الانطباع بدحض حجة الخصم في المرافعة، في حين أن ما تم دحضه هو حجة لم يقدمها الخصم في تلك المرافعة، ويقال أن مستخدم المغالطة «يهاجم رجل القش».

‏مغالطة عتيدة يعمد فيها المرء إلى مهاجمة حجة أخرى غير حصينة بدلاً من حجة الخصم الحقيقية وذلك تحت تعمية من تشابه الأسماء أو عن طريق إفقار دم الحجة الأصلية وتغيير خصائصاها ببترها عن سياقها الحقيقي أو بإزاحتها إلى ركن قصي متطرف ..

‏ويشبه هذا الجهد العقلي العقيم، سواء حسنت النية أو ساءت، أن يكون رمياً لخصم من القش بدلاً من الخصم الحقيقي، لأنه أيسر كثيراً أن تنازل رجلاً “دمية” من أن تنازل رجلا ً “حقيقياً” ..

‏قد استخدم هذا الأسلوب عبر التاريخ في النقاشات الجدلية، ولا سيما في النقاشات حول القضايا المشحونة عاطفيًا بشكل كبير حيث يكون النقاش عبارة عن معركة والهدف منه هزيمة الشخص المقابل أكثر مما يهدف إلى التفكير العقلاني أو فهم كلا من الطرفين للقضية.

‏وكما نلاحظ في الآية الكريم كيف حاد فرعون عن الحجة الأساس لموضوع الحوار مع نبي الله موسى عليه السلام إلى تشتيت الحوار إلى مواضيع أخرى بعيدة عن التوحيد والرسالة والألوهية .. إلى مواطن نقاش بعيدة بدافع الكبر والاستنقاص والإزدراء والمنة واستجلاب الأخطاء الماضية ..

 

‏تطبيق:

المدعية: أطالب طليقي بإرسال نفقة أبناءه حيث منع عنهم النفقة بعد صدور حكم بحضانتهم لي ..

 

المدعى عليه: صحيح أنني منعت عنهم النفقة لأن طليقتي تسافر كثيراً وقد تأكدت من سنابها وحالات الواتساب أنها تسافر لدبي كثيراً وهذا دليل إهمال للمحضونين ومن باب المصلحة منعت النفقة.

 

‏حكم القاضي مباشرة بإلزام المدعى عليه بالنفقة ولم ينظر لما دفع به، وأفهمه بأن دفعه متعلق بصلاحية الحاضن لحضانة المحضون، ولا علاقة له بالنفقة الواجبة للمحضون، وأفهمه بالتقدم في ذلك في دعوى مستقلة غير موضوع هذه الدعوى.

 

الإيضاح:

نلاحظ المدعى عليه قام بترك نقاش موضوع الدعوى وحجة الخصم الحقيقية لموضوع آخر .. متخيلاً حجة متوهمة و “رجلا من القش” وبدأ مناقشته مشتتاً الأنظار عن الحجة الحقيقية ..

تنبه القاضي لذلك وأعاد المرافعة لموضوع الدعوى الرئيس وصرف التشتت الذي تخيله المدعى عليه وأراد التضليل به..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى