البحوث القانونيةشرح القواعد الفقهية

القاعدة الثالثة والتسعون: المرء مؤاخذ بإقراره, في شرح القواعد الفقهية

القاعدة الثالثة والتسعون: المرء مؤاخذ بإقراره

276- تعريف الإقرار وتكييفه:

الإقرار: هو الإعتراف، وعند الفقهاء: هو الإخبار بثبوب حق للغير على نفس المقر، ولو في المستقبل إلا أنه ليس إخباراً محضاً وإنما هو إخبار من وجه، وإنشاء من وجه، وقد يغلب هذا الوجه على ذلك فتترتب آثار معينة على هذا الأساس، ولهذا لو أقرت امرأة بالزوجية لرجل لا مانع من اقترانهما صح هذا الإقرار، لأن الإقرار إخبار من وجه كما قلنا وهذا الوجه هو الغالب والمنظور إليه في مثالنا، ولو اعتبرناه إنشاء لما صح، لأن النكاح لا يصح بدون شهود، ولو أقر لوارثه بدين وهو مريض مرض الموت اعتبر تبرعاً فيأخذ حكم الوصية، ولا وصية لوارث، وما ذلك إلا لاعتبار الإقرار هنا إنشاءً ولو كان إخباراً لصح هذا الإقرار.

277- الإقرار حجة على المقر: ثبتت حجية الإقرار على المقر بالكتاب والسنة والإجماع والعقل، أما الكتاب فقوله تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ” (النساء 135) وشهادة الإنسان على نفسه تعني إقراره بالحق الذي عليه لغيره.

ومن السنة النبوية الشريفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل من ماعز والغامدية إقرارهما بالزنا وعاملهما بموجب إقرارهما في إقامة الحد عليهما، وقد أجمع أهل العلم على أن الإقرار حجة على المقر. وأما فإنَّ العاقل لا يقر على نفسه بشيء لغيره إلا وهو صادق في إقراره.

278- حكم الإقرار:

حكم الإقرار ظهور ثبوت الحق المقر به في ذمة المقر لغيره وليس إثبات هذا الحق بواسطة الإقرار ابتداءً، أي أن الإقرار كشف لنا عن ثبوت الحق في ذمة المقر في الماضي بسبب من الأسباب الشرعية غير الإقرار، كالقرض مثلاً وليس الإقرار هو الذي أثبت هذا الحق للغير، ولهذا فإن هذا الحق يثبت للمقر له من غير حاجة إلى قبول أو تصديق لأن الإقرار إخبار، وهو لا يحتاج في ثبوته إلى تصديق أو قبول، إلا أن الإقرار في حق الرد من المقر له يعتبر إنشاء فيرتد بالرد ويبطل به.

279- شروط صحة الإقرار:

يشترط في المقر أن يكون بالغاً عاقلاً مختاراً غير متهم في إقراره، ويشترط في المقر به أن لا يكون محالاً عقلاً ولا شرعاً، فالمحال العقلي كما لو أقر بأن فلاناً أقرضه مئة ريال في اليوم الفلاني، وتبين أن فلاناً هذا قد مات قبل هذا اليوم بزمن بعيد، أو أقر بأنه أب فلان وتبين أن المقر له بالنسب أكبر عمراً من المقر، والمحال شرعاً كما لو مات شخص عن ابن وبنت وأقر الابن بأن الميراث بينهما بالسوية، فهذا إقرار باطل لا يؤاخذ به الابن لمخالفته للشرع.

ويشترط في المقر له أن يكون ممن يثبت له الحق أي أن لا تكون له أهلية وجوب، فلا يصح الإقرار بدين لبهيمة، كما يشترط في المقر له أن لا يكذب المقر في إقراره، وأن لا يكذب الحاكم المقر في إقراره.

280- معنى القاعدة:

وفي ضوء ما ذكرناه عن الإقرار يتضح المعنى المقصود من القاعدة، وهذا المعنى هو أن المقر يؤاخذ بموجب إقراره ويطالب بما أقر به إذا توافرت شروط صحة الإقرار.

زر الذهاب إلى الأعلى